أيها القارئ الكريم، لعلّك تشعر أنّه بعد كل هذه البراهين لم يبق مجال
لبقاء الشرك عند أحد. ولكن في الحقيقة ليست الحجة أو العقل هي العائق، بل العاطفة
العمياء والهوى هي أكبر عقبة في طريق الهداية. هنا تنتهي جميع الحجج. وتعود
الأقوال السابقة لتُكرَّر من جديد: هؤلاء أولياء الله، فلا بد من التقرب إلى الله
بعبادتهم. شفاعتهم لا يردّها الله، فلذلك يجب أن يُدعَوا. نعم، الله سبحانه وتعالى
هو القادر، ولا يستطيع هؤلاء أن يفعلوا شيئًا خارج مشيئته، هذا حق. ولم يصرّح الله
أنه أعطاهم قوة، هذا أيضًا حق. ولم يأمر بدعاء غيره، وهذا كذلك حق. وأمر بدعائه
وحده، وهذا أيضًا حق. ومع ذلك يقولون: هؤلاء أحبّاء الله، وقد منحهم الله محبةً
منه بعض القوة. وإن لم يُعلِم بذلك عبر الوحي مباشرة، لكن "بالعقل"
يُفهَم! فالناس منذ قرون يقولون هذا. وهذه السنّة التي وصلتهم من الأنبياء والرسل،
ثم من الآباء والأجداد، لا يمكن أن تكون باطلة! ... وهكذا أنكروا جميع الحجج
ونداءات العقل. وغلبت جميع الحجج أمام العاطفة العمياء والحب الأعمى للعمل
والعقيدة الموروثة منذ زمن بعيد. وكان رسول الله ﷺ يتألم من هذه العواطف العمياء
والتصرّفات غير العقلانية المخالفة للفطرة التي كان يُظهرها المشركون. وقد قال
الله تعالى في ذلك:
﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ
اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ]فاطر: ٨[
وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ
كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ ]محمد:
١٤[
وقال تعالى أيضًا: ﴿قُلْ
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ ]الكهف: ١٠٣-١٠٤، وانظر أيضًا:
الأعراف: ٣٠[
الكتاب: العقيدة الإسلامية
المؤلف: الأستاذ الدكتور خوندكار عبد الله جاهانغير رحمه الله