আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

08/03/2025, 03:47:18 AM عربي

سند الحديث: الوصف الشفوي مقابل تبعية المخطوطة

News Image

سند الحديث: الوصف الشفوي مقابل تبعية المخطوطة

مقال بقلم د. خوندكار أ.ن.م عبد الله جاهنجير، منشور في مجلة معهد التعليم الإسلامي والبحوث، المجلد الأول، العدد الأول، يونيو 2006

1. المقدمة  

لقد تم التأكيد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية على ضرورة التحقق من صحة ودقة الأحاديث. من ناحية، تم الأمر بنقلها بدقة وحرفية عن طريق الحفظ، وتم النهي عن رواية أي حديث دون التأكد من صحته ودقته. ومن ناحية أخرى، تم النهي عن قبول أي حديث منقول أو مروي دون التحقق الكامل منه.  


في ضوء هذه التوجيهات، اتبع الصحابة منهجًا صارمًا وعلميًا دقيقًا في نقل الأحاديث وقبولها، وهو منهج لا مثيل له في تاريخ العالم. لم يتبع أي شعب أو أتباع دين آخر منهجًا مشابهًا أو قريبًا من هذا المنهج في جمع وحفظ نصوصهم الدينية أو أقوال معلميهم الدينيين.  


بتأثير من عمل الصحابة، استمر علماء الحديث من الأمة الإسلامية لعدة قرون في تطبيق منهج دقيق وعلمي للتحقق من صحة الأحاديث ودقتها النصية. ومع ذلك، في العصر الحالي، كثير من الناس ليسوا على دراية كافية بهذا المنهج العلمي الدقيق. هناك الكثير من الغموض والالتباس حول هذا الموضوع. يعتقد العديد من المستشرقين والباحثين المحليين أن الأحاديث، بما أنها نُقلت شفهيًا عبر أسانيد أو سلاسل الرواة، فهي مليئة بالأخطاء والتحريفات، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها. وبناءً على ذلك، يرون أنه يجب الاعتماد فقط على القرآن الكريم لفهم تشريعات الإسلام. إن هذه الشبهات نشأت بسبب نقص الفهم الواضح للمنهج العلمي الدقيق الذي اتبعه المحدثون في تقييم صحة الأحاديث. في هذا المقال، سنناقش مكانة الكتابة والمخطوطات في رواية سند الحديث وتقييم صحته. نسأل الله تعالى التوفيق، ونتوكل على رحمته.

٢. التعريف والمصطلحات

٢.١ الحديث

يُقصد بالحديث في العادة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته. أي قول أو فعل أو تقرير أو وصف نُسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ادُّعي نسبته إليه، فهو يُعرف في مصطلح المحدثين بـ"الحديث". بالإضافة إلى ذلك، يُطلق لفظ "الحديث" أيضًا على أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم وتقريراتهم.

[العراقي، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (٨٠٦هـ)، "التقييد والإيضاح" (بيروت: مؤسسة الكتب العلمية، الطبعة الخامسة، ١٩٩٧)، ص ٦٦-٧٠؛ "فتح المغيث" (القاهرة: مكتبة السنة، ١٩٩٠)، ص ٥٢-٦٣؛ السخاوي، محمد بن عبد الرحمن (٩٠٢هـ)، "فتح المغيث" (القاهرة: مكتبة السنة، الطبعة الأولى، ١٩٩٥)، ج ١/٨-٩، ١١٧-١٥٥؛ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (٩١١هـ)، "تدريب الراوي" (الرياض: مكتبة الرياض الحديثة)، ج ١/١٨٣-١٩٤.]

٢.٢. سند الحديث ومتنه

منذ عهد الصحابة، اتخذت الأمة الإسلامية إجراءات احترازية للتحقق من صحة الأحاديث، ومن أهمها حفظ الأسانيد وضرورة ذكرها. فإذا نقل أحدٌ قولاً عن رسول الله ﷺ، كان عليه أولاً أن يذكر من أخذ هذا القول ومن سمعه منه، وهكذا حتى يصل السند إلى النبي ﷺ بشكل متصل. وفي مصطلح المحدثين، يُسمى هذا التسلسل بـ"السند". يتكون الحديث في مصطلحهم من جزأين:
١. السند: سلسلة الرواة.
٢. المتن: النص الرئيسي للحديث.

مثال:
الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩هـ)، أحد جامعي الحديث المشهورين في القرن الثاني الهجري، ذكر في كتابه "الموطأ" بينه وبين النبي ﷺ ثلاثة أو أربعة رواة. إليك مثالاً:

مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه»، وأشار رسول الله ﷺ بيده يقللها.
[مالك بن أنس، الموطأ (القاهرة: دار إحياء التراث العربي)، ج١/١٠٨.]

  • السند: "مالك عن أبي الزناد... عن أبي هريرة".

  • المتن: ما قاله النبي ﷺ عن ساعة الإجابة يوم الجمعة.

ملاحظات مهمة:
١. الحديث عند المحدثين يشمل السند والمتن معاً.
٢. إذا نُقل المتن نفسه عبر سندين مختلفين، يُعتبر كل منهما حديثاً مستقلاً.
٣. أحياناً يُطلق لفظ "الحديث" على السند فقط، كما في قول الدارقطني (ت ٣٨٥هـ) عن أحد المحدثين:

"دخلت على أبي محمد بن زبر... وهو يملي على كاتبه الحديث من جزء والمتن من آخر."
[ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان (بيروت: مؤسسة الأعلمي، ط٣، ١٩٨٦)، ج٣/٢٥٣.]

٢.٣. رواية السند: الاعتماد على السماع الشفهي مقابل المخطوطات

من خلال الأحاديث السابقة وغيرها من الأحاديث الكثيرة المدونة في كتب الحديث، قد يظن البعض أن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يدونوا الأحاديث أو يجمعوها، بل اعتمدوا فقط على الحفظ والرواية الشفهية. ولذلك - كما قد يتوهم البعض - قام المحدثون بتدوين الأحاديث مع ذكر الأسانيد بهذه الطريقة. لكن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا. إن الجهل بطريقة رواية وتجميع الأحاديث، أو الفهم السطحي لها، هو الذي أدى إلى هذا اللبس الكبير.

في الواقع، اتبع علماء الحديث في الأمة الإسلامية منهجًا علميًا دقيقًا للغاية في رواية وتجميع الأحاديث. فقد جمعوا بين الرواية الشفهية والاعتماد على المخطوطات المكتوبة لمنع تسرب الأخطاء والتحريفات إلى الأحاديث. يمكننا مناقشة هذا الموضوع في ثلاث مراحل:
١. دور الكتابة والمخطوطات في تعلم وجمع الأحاديث.
٢. دور المخطوطات في تحديد صحة الأحاديث.
٣. دور المخطوطات أو الكتب في رواية أسانيد الأحاديث.

٣. دور الكتابة والمخطوطات في تعلم وجمع الحديث

كان الصحابة عادةً يحفظون الأحاديث، وكتبوا بعضها أحيانًا. والملاحظ هنا أن الصحابة لم يكونوا بحاجة ماسة إلى تدوين الأحاديث، إذ أن معظمهم لم يروِ أكثر من ٢٠-٣٠ حديثًا. بلغ عدد الصحابة الذين رووا الأحاديث حوالي ١٥٠٠ صحابي فقط، منهم ٣٨ صحابيًا رووا أكثر من مئة حديث. ومن هؤلاء، رُوي عن ٧ صحابة فقط أكثر من ألف حديث، بينما رُوي عن الـ٣١ الباقين ما بين مئة إلى بضع مئات من الأحاديث. أما بقية الصحابة، فروى معظمهم ما بين حديث واحد إلى ٣٠ حديثًا. [ابن حزم، علي بن أحمد (٤٥٦هـ)، أسماء الصحابة الرواة (بيروت: دار الكتب العلمية، ط١، ١٩٩٢).]

لم تكن هناك حاجة لكتابة ٢٠-٣٠ حديثًا، أو حتى مئة أو ألف قول أو حدث من ذكريات الصحابة مع النبي ﷺ. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن في حياتهم ما يشغلهم عن هذا الأمر. فقد كان تذكر النبي ﷺ، وتنفيذ أوامره بدقة، والاقتداء به، ونقل أقواله إلى الناس من أهم أعمال حياتهم. ولم تكن المشاغل الدنيوية تشغل أذهانهم. فإذا كانت الذكريات والأقوال حاضرة دائمًا في الذهن والسلوك، فما الحاجة إلى كتابتها على الورق؟ ومع ذلك، فقد كتب العديد من الصحابة أحاديثهم المحفوظة في مخطوطات وحافظوا عليها. [محمد عجاج الخطيب، السنة قبل التدوين (القاهرة: مكتبة وهبة، ط١، ١٩٦٣)، ص ٣٠٣-٣٢١.]

كان حفظ المخطوطات المكتوبة جزءًا لا يتجزأ من عملية تعلُّم الحديث منذ عهد طلاب الصحابة، أي التابعين. فقد كان معظم التابعين والمحدّثين من بعدهم يسمعون الحديث ويتعلّمونه ويكتبونه ويحفظونه. وعند التحديث أو التعليم، لم يكونوا يعطون أحدًا مجرد نسخة مكتوبة دون الرواية الشفوية. بل كانوا يقرؤون على طلابهم من المخطوطات مباشرة أو يروون ما حفظوه منها. وكان الطلاب بدورهم يكتبون ما يسمعونه في ألواحهم الخاصة ويقارنونه مع نسخ شيوخهم. ومنذ أواخر القرن الأول الهجري، أي في عصر التابعين، أصبحت كتابة الأحاديث التي تُقرأ جزءًا لا ينفصل عن نظام تعلُّم الحديث. وقد دوّنت كتب الحديث عددًا لا يُحصى من الروايات في هذا الباب، ونذكر هنا بعضًا منها.

قال التابعي عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب (ت 140هـ):

كنت أذهب أنا وأبو جعفر إلى جابر بن عبد الله ومعنا ألواح صغار نكتب فيها الحديث.

[الرَّامَهُرْمُزِي، حسن بن عبد الرحمن (ت 360هـ)، المُحدِّث الفاصل، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1404هـ)، ص 370-371]

قال التابعي سعيد بن جبير (ت 95هـ):

كنت أكتب عند ابن عباس، فإذا امتلأت الصحيفة أخذت نعلي فكتبت فيها حتى تمتلئ.

[المصدر السابق، ص 371]

قال التابعي عامر بن شراحيل الشعبي (ت 102هـ):

اكتبوا ما سمعتم مني ولو على جدار.

[المصدر السابق، ص 376]

قال التابعي أبو قلابة عبد الله بن زيد (ت 104هـ):

الكتابة أحب إلي من النسيان.

[ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد (ت 795هـ)، شرح علل الترمذي، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة الثانية، 1985م)، ص 57]

قال التابعي الحسن البصري (ت 110هـ):

إن لنا كتبًا نتعاهدها.

[الرَّامَهُرْمُزِي، المحدّث الفاصل، ص 370-371]

قال المحدث التابعي المعروف وتابِعُ التابعين عبد الله بن المبارك (ت 181هـ):

لولا الكتاب لما حفظنا.
أي: "لو لم نكتب الحديث في الصحف لما استطعنا حفظه عن ظهر قلب."
[ابن رجب، شرح علل الترمذي، ص 57]

وقد دُوِّن من هذا الباب روايات لا تُحصى، مما يحتاج إلى تأليف مصنَّفٍ مستقل لجمعها.
[الرَّامَهُرْمُزِي، المحدّث الفاصل، ص 370–377]

وهكذا نرى أن المحدثين منذ عصر التابعين كانوا يكتبون الأحاديث أثناء التعلُّم. وكان التابعون وتابعوهم غالباً ما يُعلّمون الحديث بقراءة النصوص من صحفهم، وأحياناً كانوا يروون من الحفظ، لكنهم كانوا يحتفظون بالصحف عندهم لمراجعتها عند الحاجة.

٣. دور الكتابة والمخطوطات في التحقق من صحة الحديث

٣.١ منهج المحدثين في التمييز بين الصحيح وغير الصحيح من الحديث

منذ عصر الصحابة، اعتمد علماء الأمة الإسلامية في التحقق من صحة الحديث ودقته وسلامته على أمرين رئيسيين:

أولًا: العدالة، وهي صلاح الراوي في دينه وصدقه وأمانته.
ثانيًا: الضبط، وهو قدرة الراوي على نقل الحديث بدقة دون خطأ.

وللتأكد من العدالة، كان العلماء والمحدثون يراقبون حياة الراوي وسلوكه الديني، أو يسألون علماء ومحدثي بلده عن حاله.
أما للتأكد من ضبطه، فكانوا يعرضون مروياته على مرويات غيره من الرواة، ويقارنون بين الروايات ليتأكدوا من صحة نقله.

وقد استخدموا في ذلك أسلوب التحقق الشامل (Cross Examination)، على غرار ما يقوم به القاضي والمحامي وهيئة المحلفين في المحاكم. فكانوا يجمعون المعلومات عن الراوي نفسه، وكل ما رواه من الأحاديث، وعن شيوخه، وتلاميذ شيوخه، وما رووه من الأحاديث، ثم يُجْرون مقارنة شاملة لكل ذلك حتى يصلوا إلى الحكم على الحديث الذي رواه.

فلا يقبلون حديثه إلا إذا ثبتت عدالته وضبطه معًا. وكان أصلهم في ذلك:
"لا يُقبل إلا رواية العدل الضابط."
فلا تُقبل رواية العدل إذا اختل فيها الضبط، ولا تُقبل رواية الضابط إذا اختلت فيها العدالة.

٣.٢ الفحص المقارن للتحقق من دقة وضبط الرواية

في التحقق من دقة وضبط رواية الراوي (الضبط)، اتبع المحدثون عدة مناهج دقيقة. وكانت الخطوة الأولى والأساسية في هذا المجال هي السفر الواسع في أنحاء العالم الإسلامي لجمع جميع الأحاديث المنتشرة مع أسانيدها المختلفة. ثم يتم ترتيب هذه الأحاديث حسب الأسانيد التي رواها كل راوٍ، ليتم مقارنتها وتحقيقها. وقد كانت طرقهم في هذا التحقيق على النحو التالي:

١. اختبار الراوي من خلال توجيه أسئلة متنوعة له للتحقق من صحة وضبط معلوماته.
٢. عرض الحديث الذي رواه على شيخه الذي ادّعى الرواية عنه، للتحقق من صحته.
٣. المقارنة بين روايات التلاميذ المختلفين لذلك الشيخ.
٤. المقارنة بين روايات طلاب الرواة الأعلى في السند حتى الصحابي.
٥. المقارنة بين روايات الراوي في أوقات مختلفة.
٦. المقارنة بين ما حفظه في ذاكرته وما دونه في الكتاب.
٧. التمييز بين من اعتمد فقط على الذاكرة ومن اعتمد فقط على الكتاب.

ولا يتسع المقام هنا لشرح جميع جوانب منهج التحقق هذا، لكننا سنكتفي هنا بمناقشة آخر نقطتين المتعلقتين بالكتابة والتدوين.

٣.٣ المقارنة بين الذاكرة والسمع والمخطوطات

لقد رأينا سابقًا أن الرواة والمحدثين منذ عصر التابعين كانوا عادةً ما يدوّنون الأحاديث التي تعلموها من كل شيخ في مخطوطات منفصلة ويحفظونها. وكانوا يراجعون الروايات المحفوظة شفهيًا بمقارنتها مع المخطوطات للتحقق من دقتها. وإذا لزم الأمر، كانوا يفحصون الخط والحبر وغير ذلك من خصائص المخطوطة. انظر إلى مثال من مدى دقتهم في هذا المجال:

قال الإمام يحيى بن معين (توفي ٢٣٣هـ)، أحد كبار المحدثين ونقاد الحديث في القرن الثالث الهجري:
«إذا شُكَّ في راوٍ هل حفظ الحديث ورواه على وجهه أم لا، يُطلب منه أن يُخرج أصله القديم. فإن أخرج الأصل لم يُجعل كاذبًا متعمدًا. وإن قال: إن أصلي قد ذهب، وهذا نسخة منه، لم يُقبل منه. وإن قال: إن الأصل عندي، لا أجده، لم يُقبل منه، ويُجعل كاذبًا.»
[الخطيب البغدادي، أحمد بن علي (توفي ٤٦٣هـ)، الكفاية في علم الرواية، المدينة المنورة: المكتبة العلمية، ص١١٧]

فيما يلي بعض النماذج لاستخدام المخطوطات في التحقق من صحة الحديث:

١. قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي (توفي ١٩٨هـ)، وهو من نقاد الحديث في القرن الثاني:
في أحد الأيام، روى سفيان الثوري (توفي ١٦١هـ) حديثًا فقال: حدثني به حماد بن أبي سليمان (توفي ١٢٠هـ)، عن عامر بن عطية التيمي (توفي نحو ١٠٠هـ)، عن سلمان الفارسي (توفي ٣٤هـ).
فقلتُ له: إن حماد بن أبي سليمان روى هذا الحديث عن رِبعي بن حِراش (توفي ١٠٠هـ)، عن سلمان الفارسي.
(أي: في إسنادك خطأ؛ فإن شيخ حماد في هذا الحديث ليس عامر بن عطية، بل ربعي بن حراش).
فقال سفيان: من الذي قال هذا الإسناد؟
قلت: قاله لي حماد بن سلمة (توفي ١٦٧هـ)، عن حماد بن أبي سليمان بهذا الإسناد.
فقال سفيان: اكتب ما أقول.
فقلت: وشعبة بن الحجاج (توفي ١٦٠هـ) قال لي بهذا الإسناد.
فقال سفيان: اكتب ما أقول.
فقلت: وهشام الدستوائي (توفي ١٥٤هـ) قال لي بهذا الإسناد.
فقال: هشام؟
قلت: نعم.
فسكتَ لحظة ثم قال: اكتب ما أقول؛ لقد سمعت حماد بن أبي سليمان يقول: حدثني عامر بن عطية.

قال عبد الرحمن: ترسّخت في نفسي القناعة أن سفيان أخطأ في هذا الإسناد، وظللت على هذا الاعتقاد مدة طويلة. ثم ذات يوم، نظرت في نسخة مكتوبة من الأحاديث التي سمعتها من أستاذي محمد بن جعفر "غُندَر" (توفي ١٩٣هـ)، عن شعبة، فإذا فيها: قال شعبة: حدثني حماد بن أبي سليمان، عن ربعي بن حراش، عن سلمان الفارسي.
وقال شعبة: قال حماد مرة: إنه سمعه من عامر بن عطية.

قال عبد الرحمن: فعندما رأيت المخطوطة، أدركت أن سفيان الثوري كان على صواب. ولأن سفيان كان يثق كثيرًا في حفظه، لم يلتفت إلى مخالفة الآخرين.
[ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد (توفي ٣٢٧هـ)، الجرح والتعديل، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ١٩٥٢م، ١/٦٤–٦٥]

٢. قال الإمام الفقيه والمحدث الكبير عبد الله بن المبارك (ت ١٨١هـ):
إذا اختلف المحدثون في رواية الحديث عن شعبة بن الحجاج (ت ١٦٠هـ)، فإن الحكم الفصل يكون بكتاب محمد بن جعفر غندر (ت ١٩٣هـ)، فإن روايته هي المعتمدة والصحيحة.
[ابن أبي حاتم، المصدر السابق ١/٢٧١]

٣. اجتمع ثلاثة من محدثي القرن الثالث، وهم: محمد بن مسلم بن عثمان الرازي (ت ٢٧٠هـ)، وفضل بن عباس، وأبو زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم (ت ٢٦٤هـ)، يتذاكرون الحديث.
فذكر محمد بن مسلم حديثًا، فأنكره عليه فضل، وذكر له رواية أخرى. فاختلفا في الرواية، فجعلا أبا زرعة حكماً بينهما.
فتورع أبو زرعة عن إبداء الرأي، ولكن محمد بن مسلم ألح عليه قائلاً: "لا معنى لصمتك! إن كنتُ أنا أخطأت فقل، وإن كان هو أخطأ فقل."
فأمر أبو زرعة حينئذ بإحضار كتابه، وقال لتلميذه أبي القاسم: "ادخل المكتبة، واترك الصف الأول والثاني والثالث، ثم من الصف التالي عُدَّ الكتب حتى تصل إلى السابع عشر، فأتني بالجزء السابع عشر."
فذهب وجاء بالجزء المذكور، فأخذ أبو زرعة يقلب أوراقه حتى وجد الحديث، ثم ناوله إلى محمد بن مسلم،
فقرأ الحديث من الكتاب وقال: "نعم، إذًا كنتُ أنا المخطئ، والخطأ ممكن."
[ابن أبي حاتم، المصدر السابق ١/٣٣٧؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب (بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، ١٩٨٤م) ٧/٣٠]

٤. قال الحافظ عبد الرحمن بن عمر الأصفهاني المعروف بـ«رُسْتَه» (ت ٢٥٠ هـ)، وهو من المحدّثين المشهورين في القرن الثالث الهجري، أنه في مجلس من مجالس الحديث، روى حديثًا بحضور أبي زرعة الرازي (ت ٢٦٤ هـ) وأبي حاتم الرازي محمد بن إدريس (ت ٢٧٧ هـ) فقال:
«حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم"».
فما إن سمع أبو زرعة هذا الإسناد حتى أنكر عليه، وقال: «أخطأتَ في ذكر الصحابي، فإن الناس كلهم يروون هذا الحديث عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، لا عن أبي هريرة».
فوقع ذلك في نفس عبد الرحمن رُسته وأحزنه، فلما رجع إلى بيته راجع نسخته المحفوظة عنده، ثم كتب إلى أبي زرعة يقول:
«إني رويت حديثًا في مجلسكم عن أبي هريرة، فأنكرتَ عليّ، وقلتَ: إن الناس يروونه عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة. والله، لقد تألمت نفسي من ذلك، ولم أستطع نسيانه. فلما رجعت إلى بيتي، راجعت نسختي، فإذا الحديث كما قلتَ، عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة. فإن لم يكن عليك مشقة، فأخبر أبا حاتم والإخوة الحاضرين أني أخطأت. جزاك الله خيرًا، فإن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه خير من أن يصطلي المرء بنار جهنم من جراء كتمانه».

📚 ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل ١/٣٣٦

٥. أصل الأثر بالعربية:

قال سليمان بن حرب (ت ٢٢٤هـ):
«كنتُ إذا اختلفتُ أنا ويحيى بن معين (ت ٢٣٣هـ) في شيء من الحديث، يقول لي: هذا الحديث خطأ، فأسأله: ما الصواب فيه؟ فيقول: لا أدري. فأنظر في كتبي، فأجده كما قال، الحديث في كتابي على خلاف ما ذكرتُه له».
[ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل ١/٣١٤]

٦. أصل الأثر بالعربية:

سُئل الإمام أحمد بن حنبل (ت ٢٤١هـ):
«هل أبو الوليد ثقة؟»
قال: «لا. كانت كتبه غير منقوطة ولا مشكلة. ولكنه إذا روى عن شعبة بن الحجاج ما سمعه منه وكتبه، فإنه يؤديه صحيحًا».
[أحمد بن حنبل، العلل ومعرفة الرجال، بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، ١٩٨٨م، ٢/٣٦٩]

٧. أصل الأثر بالعربية:

يعقوب بن حميد بن كاسب (ت ٢٤٠هـ) كان من رواة الحديث في القرن الثالث الهجري.
قال الإمام أبو داود (ت ٢٧٥هـ):
«رأيتُ في حديث يعقوب بن حميد أشياء لا يرويها غيره. فطلبنا منه أن يُرينا أصوله، فتأخّر عنّا أيامًا، ثم أخرج أصوله. فإذا فيها أحاديث محدثة بالحبر الجديد، والقديم والجديد ظاهر الفرق بينهما. ورأينا في بعض الأسانيد أسماء رُواة مضافة بخط جديد، وفي بعض الألفاظ زيادات لم تكن موجودة من قبل. فلذلك تركنا حديثه».
[الذهبي، ميزان الاعتدال ٧/٢٧٦-٢٧٧؛ سير أعلام النبلاء ١١/١٥٩]

٨. النص الأصلي بالعربية:

قال أبو أحمد عبد الله بن عدي (ت ٣٦٥هـ):
«كان رجل يُدعى محمد بن محمد بن الأشعش يقيم في مصر ويروي الحديث. فلما كنت في رحلة جمع الحديث دخلت عليه في مصر، فأخرج لنا مصنّفًا كتابه حبره جديد وورقه جديد، فيه نحو ألف حديث، يقول إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق نسب علي رضي الله عنه المتمثل في موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، وقد لمّا كان أغلب هذه الأحاديث مجهولة لم يروها أحد بسنده ولا بسند آخر. وبعض الأحاديث توافقت مع لفظ صحيح في أحاديث أخرى، ولكنها ليست في هذا السند. فسألت الحسين بن علي، وهو من أعاظم رجال زمن علي، عن موسى بن إسماعيل المذكور في السند، فقال: كان جاريًا لي بالمدينة أربعين سنة، ولم يقل قط أنه سمع من آبائه أو أجداده شيئًا من الحديث أو رواه. فقلنا لم نجد لهذا المصنف أساسًا، بل هو مختلق».
[ابن عدي، عبد الله الزرجاني (٣٦٥هـ)، الكامل في ضعف الرجال (بيروت: دار الفكر، الطبعة الثالثة، ١٩٨٨)، ٦/٣٠١-٣٠٢؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (٥٩٧هـ)، الضعفاء والمتروكين (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ)، ٣/٤٣، ٩٧]

٣.٤ ضعف الرواة المعتمدين على الحفظ والنسخ:

كان من أبرز إجراءات الحفاظ على الحديث والتثبت من صحته عند المحدثين الجمع بين السماع والكتابة. ومن خلال هذا التدقيق تبين لهم أن الراوي المعتمد فقط على السماع والذاكرة يقع في الخطأ، وأكثر خطأً يقع فيه من يعتمد فقط على النسخ المخطوطة. فالراوي الذي يجمع بين الاثنين يعتبر موثوقًا. ولهذا السبب اعتبروا معظم الرواة المعتمدين فقط على الحفظ أو فقط على النسخ ضعفاء.

٣.٤.١ ضعف الراوي المعتمد على الحفظ:

في زمن التابعين أو بعدها، كان بعض المحدثين يحفظون الحديث عن ظهر قلب ويروونه دون الاعتماد على المخطوطات. وتبين في أغلب الأحيان أنهم ضعفاء في الرواية. وأثبت المحدثون اللاحقون من خلال التحقيق المقارن أنهم كانوا يخطئون أحيانًا بسبب عدم اعتمادهم على النسخ. في الحقيقة، الحفظ السمعي والنسخ المكتوبة هما السبيل الموثوق للرواية. ولهذا السبب، اعتبر المحدثون الراوي الذي يعتمد فقط على النسخ أو فقط على الحفظ ضعيفًا أو غير موثوق به. وكشف التحقيق المقارن الأخطاء والتفاوت في رواياتهم. ونجد كثيرًا من هذه الروايات في كتب الرجال والجَرْح والتعديل. فيما يلي بعض الأمثلة:

(١) كان أبو عمار عكرمة بن عمار العجلي (ت ١٦٠ هـ) من التابعين المحدثين المشهورين في القرن الثاني. وكان معروفًا بحفظه للحديث (حافظ). لكنه لم يكن يدوّن ما يحفظه ولا يحتفظ به على شكل مخطوطة، ولا كان يستطيع الرجوع إليه عند الحاجة. ولهذا وُجدت في بعض أحاديثه أخطاء. وقال الإمام البخاري (٢٥٦ هـ):

لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه "لم يكن لديه كتاب؛ ولذلك كان حديثه متشتتًا." [الذهبي، ميزان الاعتدال ٥/١١٤]

(٢) كان الجريري بن حازم بن يزيد بن عبد الله (١٧٠ هـ) رافعًا مشهورًا في القرن الثاني الهجري من التابعين للتابعين. قال ابن حجر العسقلاني عنه:

ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظه
"هو راوي ثقة، ولكن في الحديث عن قتادة ضعيف، وله أوهام إذا روى من حفظه."
[ابن حجر، تقريب التهذيب (حلب، سوريا، دار الرشيد، الطبعة الأولى ١٩٨٦)، ص: ١٣٨]


(٣) كان عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز (١٧٠ هـ) رافعًا في القرن الثاني الهجري، وكان من أهل المدينة ومن ذرية الصحابي عبد الرحمن بن عوف. وقد اعتبره المحدثون ضعيفًا وغير موثوق به، بسبب كثرة الأخطاء في أحاديثه، والتي كانت بسبب اعتماده على الحفظ دون النسخ. قال عنه عمر بن شبة، المحدث والمؤرخ في القرن الثالث الهجري، في كتابه "تاريخ المدينة":

كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه فكان يحدث من حفظه
"كان يخطئ كثيرًا في الحديث لأنه احترقت كتبه فكان يروي من حفظه."
[ابن حجر، تهذيب التهذيب ٦/٣١٢؛ تقريب التهذيب، ص: ٣٥٨]

وقال ابن حجر العسقلاني أيضًا:
متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه
"هو راوٍ متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه، فاشتد غلطه."
[ابن حجر، تهذيب التهذيب ٥/٣٣١؛ تقريب التهذيب، ص: ٣١٩]

(٤) كان أبو عبد الرحمن عبد الله بن لاحيعة بن عقبة الحضرمي القفاقي (١٧٤ هـ) عالماً فقيهاً قاضياً ومحدثاً مشهوراً في مصر في القرن الثاني الهجري. وقد رأى المحدثون كثرة الأخطاء في أحاديثه واعتبروه راوياً ضعيفاً. وشرح علامه الحاكم النيسابوري (٤٠٥ هـ) سبب ضعفه فقال:

لم يقصد الكذب وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ
"لم يكن يقصد الكذب، ولكنه روى من حفظه بعد احتراق كتبه، فوقع في الخطأ."
[الزهابي، ميزان الاعتدال ٢/١٦٤؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب ٢/١١٤]


(٥) كان الحاجب بن سليمان المنبجي (٢٦٥ هـ) محدثاً مشهوراً في القرن الثالث الهجري، وكان أستاذ الإمام النسائي. وعلى الرغم من موثوقيته في الحديث، فإنه كان يخطئ بسبب عدم وجود نسخ كتب لديه. وقال الإمام الدارقطني (٣٨٥ هـ):

كان يحدث من حفظه ولم يكن له كتاب وهم في حديثه
"كان يروي من حفظه ولم يكن له كتاب، فكان فيه أوهام في حديثه."
[ابن حبان، الأسقات ٩/١٣٧]


(٦) كان محمد بن إبراهيم بن مسلم أبو أمية (٢٧٣ هـ) محدثاً مشهوراً في القرن الثالث الهجري. قال عنه تلميذه محمد بن حبان (٣٥٤ هـ):

سكن طرسوس …. وكان من الثقات دخل مصر فحدثهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها فلا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا ما حدث من كتابه
"كان من سكان طرسوس، وكان من الثقات. دخل مصر وروا لهم من حفظه بدون كتاب أشياء أخطأ فيها، فلا أحب أن أحتج بخبره إلا فيما روى من كتابه."
[أبو نعيم الإصفهاني، هِلية الأولياء ٩/١٦٥؛ خطيب بغداد، الجامع لأخلاق الرواة ٢/١٣؛ الزهابي، سير أعلام النبلاء ١١/٢١٣]

هكذا نرى أنه منذ القرن الثاني الهجري كان الاعتماد على الجمع بين السماع الشفهي من الشيخ وحفظ المخطوطات الكتابية للحفاظ على صحة أخذ وتدريس الحديث. وحتى الحافظون المشهورون الذين قضوا حياتهم في دراسة وتدريس الحديث وحفظوا آلاف الأحاديث لم يكونوا يروون الحديث إلا بمراجعة المخطوطات وعدم الاعتماد على الحفظ فقط.

قال أحد أعظم علماء الحديث في القرن الثالث، علي بن المديني (٢٣٤ هـ):
ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبدالله أحمد بن حنبل إنه لا يحدث إلا من كتابه ولنا فيه أسوة حسنة
"ليس في أصحابنا من هو أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل في حفظ الحديث، ومع ذلك فهو لا يروي الحديث إلا بعد مراجعة كتابه، وهو قدوة حسنة لنا."
[ابن رجب، شرح علل الترمذي، ص ٥٧]

ومن جهة أخرى قال الإمام أحمد بن حنبل (٢٤١ هـ):
"حدثنا قوم حفظنا عنهم من الذاكرة، وحدثنا قوم حفظنا عنهم من الكتاب، فكانوا أكثر دقة في روايتهم الذين كانوا يحتكمون إلى كتبهم."
[أحمد بن حنبل، المسند، ٣/٢٩٧، القاهرة، مؤسسة قرطبة ودار المعارف، ١٩٥٨؛ خطيب بغداد، الجامع لأخلاق الرواة ٢/١٢]

من خلال النقاش السابق يتضح أن علماء الحديث منذ القرن الثاني الهجري كانوا يعتبرون التنسيق بين ثلاثة أمور في تعلم الحديث أمرًا بالغ الأهمية: أولًا الاستماع اللفظي للحديث من الأستاذ أو قراءته عليه، ثانيًا كتابة الحديث بيد المتعلم، وثالثًا مراجعة المخطوطة المكتوبة ومقارنتها بمخطوطات الأستاذ لتصحيحها. وكانوا يعترضون على قبول حديث يُروى عن ظهر قلب دون مخطوطة.

قال ابن عبد الله ابن أحمد بن حنبل (٢٩٠ هـ):
قال يحيى بن معين قال لي عبد الرزاق أكتب عني ولو حديثا واحدا من غير كتاب فقلت لا، ولا حرفا
"قال الإمام يحيى بن معين (٢٣٣ هـ): قال لي عبد الرزاق الصنعاني (٢١١ هـ): اكتب عني ولو حديثا واحدا من غير كتاب، فقلت: لا، ولا حرفًا."
[مسلم بن الحجاج (٢٦٢ هـ)، التمييز (الرياض، مكتبة الكوثر، الطبعة الثالثة، ١٤١٠ هـ)، ص: ١٨٧-١٨٨]

ومن الجدير بالذكر هنا أن الإمام يحيى بن معين، رغم أنه لم يكن يوافق حتى على قبول حديث واحد من عالم معروف ونزيه كعبد الرزاق الصنعاني إلا إذا كان معتمدًا على مخطوطة مكتوبة محفوظة.

٣.٤.٢ ضعف الرواية المعتمدة على المخطوطات
أشد ضرراً من الاعتماد على الحفظ هو الاعتماد على المخطوطات. فقد كانت هناك احتمالات كثيرة لوقوع أخطاء في قراءة المخطوطات القديمة التي تخلو من علامات التشكيل أو الحركات. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك احتمال لتحريف أو تغيير أو إضافة أو حذف من قبل الناسخ أو أي قارئ في المخطوطات. لذلك كانوا يولون أهمية قصوى لقراءة الكتابات شفوياً من كاتب المخطوطة أو الراوي نفسه.

وكان الاستماع عن قرب ممكنًا بعدة طرق، إما أن يقرأ الأستاذ بينما يراجع الطالب المخطوطة أمامه، أو يكتب الطالب أثناء قراءة الأستاذ ثم يقرأ له ما كتب، أو يقرأ طالب آخر أمام الأستاذ فيستمع، أو يقوم الراوي بنسخ المخطوطة من الأستاذ أو أحد طلابه ثم يقرأها كاملة أمامه.

بأي حال، يجب أن يُسمع النص من فم الكاتب أو الراوي الخاص بالمخطوطة أو يُسمع في حضورهم أثناء القراءة، حتى لا يقع خطأ في نقل ما هو مكتوب في المخطوطة.

أما الذين كانوا يعتمدون فقط على جمع المخطوطات دون الاستماع اللفظي المباشر من أستاذهم، فلا يُقبل حديثهم.

وعند مراجعة كتب تحقيقات ونقد المحدثين، نجد أمثلة كثيرة حيث أبرزوا أخطاء الرواة المعتمدين على المخطوطات واعتبروا هؤلاء الضعفاء وغير المقبولين.

ذكرت سابقًا عالم الحديث والفقه المصري في القرن الثاني عبد الله بن لهيعة، وهو راوٍ مشهور وروى العديد من الأحاديث. قام المحدثون بمراجعة جميع الأحاديث التي رواها بالمقارنة ووجدوا أن نسبة الأخطاء في أحاديثه كبيرة جدًا. أحد أسباب الأخطاء ذُكر سابقًا. الإمام مسلم برهن على جانب آخر من أخطائه من خلال التحقيق. قال الإمام مسلم:

حدثنا جُهَيْر بن حرب، حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا عبد الله بن لهيعة، كتب إليّ موسى بن عقبة (١٤١ هـ)، حدثني بُسْر بن سعيد، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال:

احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد

قال إسحاق بن عيسى، قلت لعبد الله بن لهيعة: هل في بيته مكان للصلاة أو مسجد؟ قال: في مسجد النبي.

قال الإمام مسلم: رواية الحديث مشوهة من كل جانب. في السند والمتن أخطاء جسيمة. عبد الله بن لهيعة حرّف كلمات المتن وارتكب أخطاء في السند. وأورد الحديث الصحيح كما يلي:

حدثني محمد بن حاتم، حدثنا بهيج بن أسعد، حدثنا وُهيب بن خالد بن أزلان (١٦٥ هـ)، حدثني موسى بن عقبة، سمعت أبا نضر سليم بن أبي أمية (١٢٩ هـ) يقول: عن بُسْر بن سعيد عن زيد بن ثابت قال:

إن النبي ﷺ اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى رسول الله ﷺ فيها ليالي…

قال الإمام مسلم: حدثني محمد بن المصنَّع، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفارسي (١٤٥ هـ)، حدثنا أبو نضر سليم، عن بُسْر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، قال:

احتجر رسول الله بخصفة أو حصير...

"قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء غرفة في المسجد من حصير أو حصفة..."

وهكذا نجد الرواية الصحيحة من وُهيب بن خالد (١٦٥ هـ) عن موسى بن عقبة عن أبو نضر، وكذلك ما رواه عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفارسي (١٤٥ هـ) في سلسلة أخرى عن أبو نضر.

وقد أخطأ ابن لهيعة في وصف المتن هنا لأنه لم يسمع الحديث من موسى سماعًا مباشرًا، بل اعتمد فقط على نسخة مكتوبة أرسلها له، كما ذكر هو. ولهذا قرأ كلمة احتجم "أجرى الحجامة" بدل احتجر "بنى غرفة". ونخشى هذا التحريف في كل من يعتمد على نسخة مكتوبة دون سماع الحديث مباشرة من الراوي أو من قرأ عليه.

وأما الخطأ في السند فهو أن موسى بن عقبة أخذ الحديث من أبو نضر سليم، وأبو نضر أخذ الحديث من بُسْر بن سعيد، ولكن ابن لهيعة في سنده لم يذكر اسم أبو نضر وقال إن موسى سمع الحديث من بُسْر مباشرة. [ابن حجر، تهذيب التهذيب ٨/٤٤]

ولهذا السبب حكم المحدثون بالضعف على الذين يروون عن طريق النسخ فقط. حتى وإن كان الراوي ثقةً صدوقًا أمينًا ثبت ذلك، فإذا روى حديثًا عن أبيه أو جده لم يسمعه منه سمعًا مباشرًا وإنما قرأه من نسخة محفوظة عنده، حكم المحدثون على روايته بالضعف.

وكان من التابعين المشهورين في القرن الثاني ربيُّ عَمْرُو بن شعيب بن محمد (١١٨ هـ)، وهو حفيد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. اتفق المحدثون على أنه ربيب ثقة، لكنهم اعتبروا بعض الأحاديث التي روى عن طريق أبيه عن جده ضعيفةً بعض الشيء، لأنه لم يسمعها من أبيه سمعًا مباشرًا بل روى عن طريق النسخ. وفي هذا قال يحيى بن معين (٢٣٣ هـ):

إذا حدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فهو كتاب ومن هنا جاء ضعفه.

وقال أبو زرعة الرازي (٢٦٤ هـ):

روى عنه الثقات، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقال إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها.

تابع التابعين والمحدث المعروف في القرن الثاني الهجري، مخرامة بن بكير بن عبد الله (١٥٩ هـ). قد تحقق المحدثون في أحاديثه ووجدوه مقبولًا إلى حد ما، ولكنهم وصفوا الأحاديث التي رواها عن طريق أبيه بأنها ضعيفة. فقال يحيى بن معين (٢٣٣ هـ):

وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه … حديثه عن أبيه كتاب ولم يسمعه منه.

لقد وجد نسخة كتاب أبيه وروى عن أبيه من خلالها، ولم يسمع تلك الأحاديث مباشرة من أبيه.[عبد الحي اللخنوي، جعفر الأماني في مختصر الجرجاني (دبي، دار العلم، الطبعة الأولى، ١٩٩٥)، ص. ٤٧٦-٤٨٢]

٤. دور النسخ في سند الحديث

من خلال النقاش أعلاه نفهم أنه منذ النصف الثاني من القرن الأول الهجري كان الحديث يُكتب ويحفظ عن ظهر قلب. كان المحدثون يروون الحديث عن طريق الاطلاع على النسخ المكتوبة ويدققونها ويصححونها، وكل منهم كان يحفظ حديثه المدون. والسؤال الآن: لماذا كانوا يعتمدون في روايتهم للحديث على السماع فقط دون الإشارة إلى النسخة المكتوبة؟ لماذا كانوا يقولون (حدثنا، أخبرنا) أي "أخبرني" أو "أخبرنا" بدلاً من أن يقولوا إن هذا مكتوب في فلان الكتاب؟

هنا (حدثني، حدثنا، أخبرني، أخبرنا) أي "أخبرني" أو "أخبرنا" ماذا يقصد المحدثون بهذه العبارات؟ لا نعرف الجواب بدقة، ولهذا يطرح السؤال. الحقيقة هي أن الصحابة كانوا يذكرون اسم الراوي عند نقل الحديث، ولهذا في الأجيال اللاحقة كان ذكر اسم الراوي هو الأسلوب المتبع في ذكر السند. بالإضافة إلى ذلك، ولتجنب الاعتماد على النسخ فقط وللحد من الأخطاء، كان المحدثون يولي أهمية خاصة للسماع المباشر من أستاذ الرواية. ولهذا لم يكن هناك نظام للاستشهاد بالكتب أو النسخ في تعليم الحديث، بل كان النظام الاعتيادي ذكر اسم معلم الراوي.

في مصطلحات المحدثين، (حدثني، حدثنا، أخبرني، أخبرنا) تعني "قال لي / قال لنا" أو "أخبرني / أخبرنا" ويقال بها بمعنيين:
(١) أن المحدث أو الراوي المذكور قرأ الحديث بنفسه وسمعته مباشرة من عنده،
أو (٢) بعد أن جمعت الحديث المكتوب على صورة نسخة خطية، جلست أمامه وقرأته بلسانه، وهو سمعه مباشرة من عنده.

وكان كثيرون يستخدمون في المعنى الأول (حدثني، حدثنا) للدلالة على "قال" وفي المعنى الثاني (أخبرني، أخبرنا) للدلالة على "أخبر". وكانوا يشددون على هذه المصطلحات بشدة.
[البخاري، محمد بن إسماعيل، الصحيح (بيروت، دار القصير، ١٩٨٧، الطبعة الثانية)، ١/٣١٦.]

وفي الحالتين، كان هناك نسخة مكتوبة أمام الطالب، وكان المحدث يطابق الحديث بين السماع والنسخة المكتوبة ويصححه. ومع ذلك، في ذكر السند، كانت الإشارة إلى السماع أهم من الإشارة إلى النسخة المكتوبة. وكانوا يشددون على ذلك لتجنب الأخطاء الناتجة عن الاعتماد على النسخ فقط.

من هذا نفهم أن سند كتاب الموطأ المذكور أعلاه لا يعني أن مالك سمع فقط شفهيًا من أبي يزْناد، ولا أنه سمع أراج شفوياً، ولا أنه سمع من أبي هريرة شفهيًا فقط. بل المقصود بذكر السند هنا هو أن رواة السند كلهم سمعوا الحديث من أستاذهم مباشرة، وكتبوه، ووافقوا بين النسخة المكتوبة والرواية الشفوية.

مالك قال: "سمعت أبا يزْناد يقرأ أو يُقرأ عليه من كتابه أو نسخته الخطية"، وأراج قبل ذلك تلقى الحديث كتابة وشفهياً، وأبو هريرة قد سمع وكتب.

المحدث المشهور في القرن الثالث، محمد بن إسماعيل البخاري (٢٥٦ هـ) اقتبس هذا الحديث من الموطأ. فقال:
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها.

وقال: "أخبرنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة وقال: إن في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده أنها قليلة."
[مسلم بن الحجاج، الصحيح (القاهرة، دار إحیاء الكتب العربية) ٢/٥٨٣]

ومن الملحوظ هنا أن الإمام البخاري اقتبس الحديث كما هو من كتاب الموطأ، ولكنه لم يذكر مصدر الموطأ في إشارته. بل ذكر أنه سمع الحديث من أحد تلاميذ الإمام مالك. وقد يبدو للقراء ظاهريًا أن الإمام البخاري اعتمد على السند فقط، ولكن الحقيقة ليست كذلك. فقد سمع أكثر من مائة من تلاميذ الإمام مالك كتاب الموطأ كاملاً وكتبوه. وكانت نسخة الموطأ المكتوبة هذه تُباع آنذاك في الأسواق عند الوراقين أو تجار الكتب الخطية. ولو كان الإمام البخاري قد اقتبس الحديث من نسخة مخطوطة اشتراها وذكر ذلك في سنده، لُقِيَ نقدٌ شديدٌ من أهل الحديث وأُعتبر نقله ضعيفًا وغير مقبول.

لأن الاعتماد على المخطوطات يحمل احتمالات مختلفة للأخطاء، فقد كان الإمام مالك يروي كتاب الموطأ من حفظه سماعاً، ويقارن النص المسموع بالمخطوطات ليصف نسخة صحيحة من الكتاب. وقد حضر الإمام البخاري إلى هؤلاء الرواة الذين سمعوا الموطأ من الإمام مالك واستمع إليه سماعاً من البداية إلى النهاية.
وقد اقتبس الإمام البخاري أحاديث الموطأ في مواضع متعددة من كتابه، لكنه لم يذكر كتاب الموطأ كمصدر له أبداً، بل ذكر الأشخاص الذين قرأ عندهم الكتاب، مثلما هنا حيث ذكر سند عبد الله بن مسلمة. ومعنى قوله هنا: "لقد قرأت عند عبد الله بن مسلمة من كتاب الإمام مالك هذا الحديث أو سمعت منه قراءته."

ومن أشهر المحدثين في القرن الثالث الإمام مسلم (٢٦٢ هـ) الذي اقتبس هذا الحديث أيضاً من الموطأ، فقال:
حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها.
"حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة وقال: إن في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وأشار بيده أنها قليلة."
[البيهقي، أحمد بن الحسين (٤٥٨ هـ) السنن الكبرى (مكة المكرمة، السعودية، مكتبة دار الباز، ١٩٩٤) ٣/٢٤٩]

٣. دور الكتابة والمخطوطات في تعلم وجمع الحديث

كان الصحابة عادةً يحفظون الأحاديث، وكتبوا بعضها أحيانًا. والملاحظ هنا أن الصحابة لم يكونوا بحاجة ماسة إلى تدوين الأحاديث، إذ أن معظمهم لم يروِ أكثر من ٢٠-٣٠ حديثًا. بلغ عدد الصحابة الذين رووا الأحاديث حوالي ١٥٠٠ صحابي فقط، منهم ٣٨ صحابيًا رووا أكثر من مئة حديث. ومن هؤلاء، رُوي عن ٧ صحابة فقط أكثر من ألف حديث، بينما رُوي عن الـ٣١ الباقين ما بين مئة إلى بضع مئات من الأحاديث. أما بقية الصحابة، فروى معظمهم ما بين حديث واحد إلى ٣٠ حديثًا. [ابن حزم، علي بن أحمد (٤٥٦هـ)، أسماء الصحابة الرواة (بيروت: دار الكتب العلمية، ط١، ١٩٩٢).]

لم تكن هناك حاجة لكتابة ٢٠-٣٠ حديثًا، أو حتى مئة أو ألف قول أو حدث من ذكريات الصحابة مع النبي ﷺ. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن في حياتهم ما يشغلهم عن هذا الأمر. فقد كان تذكر النبي ﷺ، وتنفيذ أوامره بدقة، والاقتداء به، ونقل أقواله إلى الناس من أهم أعمال حياتهم. ولم تكن المشاغل الدنيوية تشغل أذهانهم. فإذا كانت الذكريات والأقوال حاضرة دائمًا في الذهن والسلوك، فما الحاجة إلى كتابتها على الورق؟ ومع ذلك، فقد كتب العديد من الصحابة أحاديثهم المحفوظة في مخطوطات وحافظوا عليها. [محمد عجاج الخطيب، السنة قبل التدوين (القاهرة: مكتبة وهبة، ط١، ١٩٦٣)، ص ٣٠٣-٣٢١.]



কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD