أحكام دعاء شخص حي مع وسيلة
المشكلة الأكبر في مصطلح "الوسيلة" هي تغير وتطور معناه. فكل من له معرفة بعلم اللغة يعلم أن معاني الكلمات تتغير وتتطور في مختلف اللغات. بمرور الزمن، قد يتغير معنى الكلمة في اللغة نفسها. كما أن انتقال الكلمة من لغة إلى أخرى قد يؤدي أيضاً إلى تغير معناها. على سبيل المثال، في اللغة البنغالية، قبل قرن من الزمان، كانت كلمة "سنديش" تعني "الخبر"، أما الآن فمعناها نوع معين من الحلويات. وفي اللغة العربية المستخدمة في القرآن والحديث، كلمة "لبان" تعني الحليب، بينما في الدول العربية اليوم تعني "اللبن الرائب".
تغير المعنى بسبب الترجمة شائع جداً. فكلمة "جنس" في العربية تعني الفئة أو الجندر، أما في البنغالية فكلمة "جنيس" لا تعني أيًا من ذلك، بل تعني "الشيء" أو "المادة". وفي العربية والفارسية، كلمة "نشوة" أو "نشوا" تعني السكر أو الإدمان، أما في البنغالية فقد تعني الإدمان أو التعود. ولهذا السبب، كثيراً ما نقع في اللبس. فالبعض يقول: "النشوة حرام"، فيرد آخر: "لكن الأرز والشاي أيضاً من النشوة؟" في الواقع، "النشوة" في البنغالية (بمعنى التعود) ليست حراماً، بل "النشوة" بالفارسية (بمعنى السكر أو الإدمان) هي الحرام. فالتعود يكون حلالاً أو حراماً حسب حكم الشيء الذي يتعود عليه الشخص، أما السكر فهو حرام في جميع الأحوال.
الوسيلة في لغة القرآن والسنة
لقد أدى تطور معنى كلمة "الوسيلة" إلى حدوث كثير من الالتباس في هذا الباب، مما جعل هذا المصطلح في بعض الأحيان يخرج من استخدامه المشروع الموافق للسنّة إلى أن يصبح مندرجًا ضمن مفاهيم الشرك. لذلك، من الضروري مناقشة هذه المسألة بشيء من التفصيل.
في اللغة العربية القديمة التي استُعملت في القرآن والسنة، كانت الوسيلة تعني: القُرب. ثم تطور معناها في اللغة العربية ليصبح: "ما يُتقرَّب به" أو "وسيلة القرب". وفي العصر الحديث، تُستعمل كلمة "وسيلة" في العربية، وخاصة في البنغالية، بمعاني: الأداة، الوساطة، الجهاز، الوسيط، الرسول، وغير ذلك. وقد سبّب هذا التغيّر في المعنى كثيرًا من الخلط وسوء الفهم.
وقد رأينا سابقًا في الفصل الثالث عند مناقشة منزلة رسول الله ﷺ أن الله تعالى سيمنحه "الوسيلة"، ومن الطبيعي أن المقصود هنا ليس "وسيطًا" أو "واسطة"، بل القرب، أي أن الله سيمنحه أقرب المنازل وأعلاها.
وقد وردت كلمة "الوسيلة" في موضعين من القرآن الكريم. قال الله تعالى:
في هذه الآية نلاحظ أن القرآن قد استعمل كلمة "الوسيلة" ثم عقبها بعبارة "أيهم أقرب"، مما يدل بوضوح على أن الوسيلة والقرب مترادفان، وأن ابتغاء الوسيلة يعني السعي إلى القرب.
وقال تعالى أيضًا:
ثم استشهد الإمام الطبري بأشعار الجاهليين لبيان أن معنى الوسيلة هو القرب، ثم نقل عن الصحابة والتابعين مثل عبد الله بن عباس، وأبي وائل، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، ومجاهد، والحسن البصري، وعبد الله بن كثير، والسدي الكبير، وابن زيد رحمهم الله، أن الجميع فسروا الآية بنفس المعنى: "ابتغوا إليه الوسيلة" أي: تقربوا إليه بطاعته والقيام بالأعمال التي تُرضيه.
يمكن أن يكون التوسل إلى الله تعالى أثناء الدعاء بعدة صور، منها:
التوسل بأسماء الله وصفاته.
التوسل بالأعمال الصالحة.
التوسل بدعاء شخص صالح.
التوسل بجاه أو حق شخص ما.
[رواه ابن حبان في صحيحه (3/253)، والحاكم في المستدرك (1/690)، وأحمد في المسند (1/391، 452)، والهيثمي في مجمع الزوائد (10/136، 186)]
وقد أوردتُ العديد من هذه الأدعية في كتابي "راهِ ولاية".
👉 ونرى هنا أنه قد توسل إلى الله بالإيمان والشهادة. ويجوز الدعاء بأنواع من التوسل المشروعة، مثل:
اللهم، إني مذنب، ولكن عملتُ هذا العمل لوجهك، فبحقه تقبل دعائي.
اللهم، لا عمل لي أتشفع به إليك، لكني تلفظتُ باسم حبيبك ﷺ بإيمان، فبحقه تقبل دعائي.
اللهم، ليس لي عمل، ولكن في قلبي محبة لسنة نبيك ﷺ، فبحق هذه المحبة اغفر لي.
اللهم، لا أملك شيئًا، ولكن أحب الصالحين السائرين في طريقك، وأرجو أن أكون منهم، فبحق محبتهم تقبل دعائي.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، (يا محمد) إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ (يا محمد إني أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى اللهِ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتِيْ) (فَيُجْلِيْ لِيْ عَنْ بَصَرِي) اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ (وشَفِّعْنِي فِيْهِ) (اللهم شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِيْ فِيْ نَفْسِيْ)».
(رواه الترمذي: ٥/٥٦٩، والحاكم: ١/٧٠٠، ٧٠٧، والنسائي في الكبرى: ٦/١٦٨–١٦٩. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وصححه الحاكم وغيرهم).
يتبين من الحديث أن عمر رضي الله عنه كان يتوسل بدعاء العباس رضي الله عنه، كما كانوا يتوسلون بدعاء النبي ﷺ في حياته، فلما توفي، توسلوا بدعاء عمه العباس رضي الله عنه.
رابعًا: التوسل بذات شخص أو بجاهه أو بحقه عند الدعاء
النوع الرابع من التوسل في الدعاء إلى الله هو التوسل بذات شخصٍ معين، أو بجاهه، أو بحقه، كأن يقول الداعي: "اللهم إني أسألك بجاه فلان، أو بحق فلان، أو بحرمة فلان"، سواء كان نبيًا أو وليًا، حيًا أو ميتًا.
يُفهم من هذا أن التوسل بالنبي ﷺ لا يقتصر على حياته فقط، بل يجوز بعد وفاته أيضًا. ولم يُنقل في الأحاديث الصحيحة ولا عن الصحابة والتابعين أنهم توسلوا بأي ملك أو نبي أو صحابي أو تابعي أو ولي سوى النبي ﷺ. لكن العلماء القائلين بجواز هذا التوسل اعتبروا غيره كالنبي ﷺ في الفضل، فأجازوا التوسل بأي أحدٍ منهم.
وقد قال بعض العلماء بجواز التوسل بذات النبي ﷺ فقط دون غيره، واعتبروا التوسل بغيره بعد وفاته من سوء الأدب مع النبي ﷺ، لأنه إن جاز بعد وفاته فالتوسل به أولى وأحق، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره.
ومن العلماء من رأى أن التوسل بجاه أو حق أي شخص حي أو ميت غير جائز مطلقًا، وقالوا: لا يوجد دليل صحيح صريح عن النبي ﷺ أو الصحابة والتابعين يدل على جواز هذا النوع من التوسل. كما أنه لا يمكن الجزم بأن فلانًا له جاه أو حق عند الله إلا من ثبت ذلك في الوحي.
واستدلوا بقول عمر رضي الله عنه حين توسل بالعباس رضي الله عنه عند الاستسقاء، ولم يتوسل بالنبي ﷺ، وقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"، ولو كان التوسل بذات النبي ﷺ بعد وفاته جائزًا، لما عدل عمر عنه إلى العباس.
قال شاه ولي الله الدهلوي في "البلاغ المبين" (ص: ٣١) بعد ذكر هذا الحديث: "يتبين من هذا أن التوسل بالميت مخالف للشريعة، ولو كان جائزًا لقال عمر رضي الله عنه: اللهم إنا نتوسل إليك بروح نبيك الكريم كما كنا نتوسل به في حياته، لكنه لم يقل ذلك، فدل على أن التوسل بالميت غير جائز."
واتفق الأئمة الثلاثة: الإمام أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد رحمهم الله، على أن التوسل بحق أحدٍ مكروه. قال العلامة ابن أبي العز الحنفي:
قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم: يُكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام، ونحو ذلك.(شرح العقيدة الطحاوية، ص: ٢٣٧)
وقال العلامة علاء الدين الكاساني [ت: ٥٨٧هـ]:
ويُكره للرجل أن يقول في دعائه: أسألك بحق أنبيائك ورسلك، وبحق فلان؛ لأنه لا حق لأحدٍ على الله.(بدائع الصنائع ٥/١٢٦)
علمًا بأن التوسل بالذوات ليس من الشرك، لأنه لا يتضمن دعاء غير الله، بل الدعاء يُوجَّه إلى الله وحده، وإنما هو خلاف في الجواز وعدمه، لا في التوحيد والشرك. فلذا لسنا بصدد بحث الشرك في هذه المسألة، بل الخلاف محصور في الجواز أو الكراهة.
وعند مراجعة تاريخ أمة الإسلام يمكن فهم سياق هذا الرأي. فعندما اجتاح التتار بلاد المسلمين، تمزقت الأمة تمامًا، وشهد العالم الإسلامي ركودًا في الإدارة المركزية والتعليم وسائر مناحي الحياة. باستثناء بعض العواصم الكبرى، انتشرت الجهالة والخرافات وتأثير الأديان السابقة أو المجاورة، وتأثير الباطنية والشيعة، مما أدى إلى انتشار الشرك والكفر.
وفي هذا العصر المظلم من تاريخ الأمة، بذل الصوفية والدراويش والمشايخ المخلصون جهودًا كبيرة في نشر تعاليم الإسلام بين العامة، رغم بعدهم عن الشهرة والدعوة العلنية. وكان الناس يذهبون إلى صحبتهم ويتعلمون منهم التوحيد والرسالة والإيمان والإسلام وأحكام الدين، ويحاولون تزكية أنفسهم. وكان لهؤلاء المشايخ دور عظيم في بناء الإيمان والأخلاق لدى عامة الناس.
ومن هذا المنطلق، رأى بعض العلماء أن صحبة الأولياء والمشايخ من الأعمال الصالحة التي يُتقرب بها إلى الله عز وجل.
لكن، وبسبب الجهل والدعاية الكاذبة من أصحاب المصالح، بدأ هذا المفهوم يُستخدم تدريجيًا بمعناه الشركي. فكما كان مشركو العرب يعبدون الملائكة والأنبياء والأولياء وغيرهم من المخلوقات بزعم أنهم يقربونهم إلى الله، كذلك بدأ بعض الناس يعبدون المشايخ والأولياء، ظنًا منهم أن ذلك وسيلة للتقرب إلى الله. وبدأ بعضهم يعتقد أن الوسيلة تعني "الواسطة" أو "الوسيط"، وأن المشايخ والأولياء يتوسطون بين الله وعباده، وأنه لا يمكن نيل رضا الله أو رحمته بدون وساطتهم. فانتشرت في المجتمعات الإسلامية مثل هذه المعتقدات الشركية، ومن هذه المعتقدات ما يلي:
١. اعتبار صحبة الشيخ وسيلة إلى قرب الله:
إن هذه الفكرة في أصلها متوافقة مع الإسلام؛ فقد شجعت النصوص القرآنية والحديثية على مصاحبة المؤمنين المتقين الصالحين. وقد رأينا أن الوسيلة تعني العمل الصالح، ووفقاً لتوجيهات القرآن والحديث فإن مصاحبة هؤلاء المتقين، وزيارتهم، ومحبتهم في الله تُعتبر من الأعمال الصالحة العظيمة التي تُعد من الوسائل إلى نيل قرب الله تعالى.
لكن هناك أمرين يجب ملاحظتهما:
أولاً: لم يُذكر في القرآن والحديث منصب خاص باسم "الشيخ"، بل الذي ذُكر هو: العالم، الصادق، التقي، الصالح، العامل بالطاعات من الفرائض والنوافل، المتبع للسنة، وما إلى ذلك من الأوصاف. فإن لم تكن هذه الصفات الظاهرة موجودة فيمن يُطلق عليه اسم "الشيخ"، فصحبته لا تكون وسيلة إلى قرب الله، بل وسيلة إلى قرب الشيطان، ولو كان يُدعى بـ "الشيخ" أو "المرشد" أو "الولي" أو غيرها من الألقاب. أما إن وُجدت فيه الصفات المذكورة في القرآن والحديث، سواء تسمى "شيخًا" أم لا، فإن صحبته تُعد وسيلة إلى قرب الله تعالى.
وقد ناقشنا بالتفصيل أهمية المشيخة والمريدية، وضرورتها، وطريقتها المطابقة للسنة، والمفاهيم الخاطئة عنها في كتابي إحياء السنن و راهِ وِلاية. ونحث القارئ الكريم على قراءة هذين الكتابين.
ثانياً: في الحقيقة، عمل المؤمن هو الوسيلة، لا شخص آخر ولا عمله. فهنا تعتبر مصاحبة الصالحين بقصد رضا الله عملاً صالحاً ووسيلة. فلا يُعد شخص ما وسيلة لمؤمن بمعناه الإسلامي، بل إن أعمال المؤمن هي وسيلته. حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون وسيلة لأحد إلا إذا آمن به واتبعه. ففي هذه الحالة، يكون إيمان المؤمن واتباعه للشريعة هما الوسيلة، وبهذا ينال قرب الله، ويرضى الله عنه، وقد يكرمه حينها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، أو صحبته في الجنة، ونحو ذلك.
من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالوسيلة: الاعتقاد بأن صحبة الشيخ هي الوسيلة الوحيدة لنيل قرب الله. مع أن من بين الأعمال الصالحة المستحبة العديدة، تُعدّ مصاحبة العباد الصالحين عملاً صالحًا هامًا، إلا أن الأساس في الدين – وفقًا لتوجيهات القرآن والحديث – هو الإيمان والالتزام بالأحكام الواجبة والفرائض والسنن للإسلام. أما الصحبة الصالحة فهي عون على أداء هذه العبادات.
ويمكن للمؤمن أن ينال الصحبة الحقيقية أيضًا من خلال المداومة على تلاوة القرآن ودراسته، وقراءة الحديث والسيرة والشمائل، ودراسة سير الصحابة رضوان الله عليهم.
ومن المفاهيم الخاطئة الأخرى في هذا الباب: الاعتقاد بأن ولاية الشيخ سبب لنجاة المريد. ونتيجة لهذا الاعتقاد، يظن البعض أن مهما كان عملي، فإن شيخي – كونه وليًا عظيمًا – سوف ينقذني. وهذا الاعتقاد مخالف لتوجيهات القرآن والحديث.
أولاً: لا يمكن الجزم بمن هو الولي الحقيقي، فضلًا عن الجزم بمن هو من أهل الجنة. فحكمنا يكون بناءً على الظاهر من الأعمال، ونتخذ الصحبة بناءً عليها.
ثانيًا: لقد كرر النبي ﷺ مرارًا أنه لا يستطيع أن يخلّص أحدًا من أهله أو أصحابه أو غيرهم إلا بإذن الله. فكل إنسان لا بد أن ينال رضا الله ونجاته من خلال أعماله الصالحة. في الحقيقة، أعمال المؤمن الصالحة هي وسيلته إلى النجاة. من خلال صحبة الشيخ، يتعلم المؤمن السلوك إلى الله، ويتحفز، ويعمل بنفسه لينال قرب الله.
الأساس في هذا الاعتقاد الفاسد هو الظن بأن الله أعطى بعض الناس الحق المطلق أو الإذن المفتوح في الشفاعة، وأنهم يستطيعون أن ينقذوا الكفار والمشركين والفاسقين والمتمردين كيفما شاؤوا. لكن الحقيقة أن الاعتقاد بأن شفاعة أحد تُقبل من دون إذن الله، أو أن الله منح أحدًا الحق في الشفاعة المطلقة، هو شرك في ربوبية الله.
وهذا الاعتقاد في أصله مشابه لمعتقد مشركي العرب فيما يتعلق بالشفاعة.