আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

08/03/2025, 04:23:51 AM عربي

النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)سياق المظهر - نظير

News Image

النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)سياق المظهر - نظير

ادعاء علم الغيب للرسول (صلى الله عليه وسلم) بمصطلح آخر هو وصفه بـ "حاضر ناظر". كلمتان عربيتان: "حاضر" تعني موجودًا، و"ناظر" تعني الرائي أو المراقب أو الحافظ. "حاضر ناظر" يُقصد به "الموجود دائمًا والعليم بكل شيء أو الرائي لكل شيء". أي أنه دائمًا موجود في كل مكان ويرى كل شيء. وبطبيعة الحال، من يكون دائمًا موجودًا في كل مكان ويرى كل شيء فهو عالم بكل شيء ومالك لكل علم غيبي في كل العصور والأماكن. وبالتالي، الذين يدعون أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) "حاضر ناظر" يقولون إنه ليس فقط عالم بكل شيء، بل أيضًا موجود في كل مكان.

هنا أيضًا عدة ملاحظات:

أولًا: هذا الوصف ينطبق فقط على الله تعالى. لأن الله قد أكد مرارًا في القرآن أنه مع العبد أينما كان، وهو قريب من العبد... إلخ. لم يرد في القرآن أو الأحاديث ولو إشارة خفيفة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) دائمًا مع الأمة، أو مع جميع الناس، أو قريب منهم، أو موجود في كل مكان، أو يرى كل شيء. لا يوجد آية قرآنية، ولا حتى حديث ضعيف يُفهم منه هذا المعنى بوضوح. لم يُذكر في أي حديث صحيح أو ضعيف أو موضوع أنه قال: "أنا حاضر ناظر". ومع ذلك، يُنسب إليه هذا الكلام الباطل. حتى الصحابة أو التابعين أو الأئمة لم يقولوا قط: "الرسول (صلى الله عليه وسلم) حاضر ناظر".

ثانيًا: لقد ذُكر في القرآن والأحاديث مرارًا وتكرارًا وبكل وضوح وبلا أي لبس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس لديه علم الغيب. وادعاء أنه "حاضر ناظر" يتناقض صراحة مع كل هذه الآيات والأحاديث الواضحة التي تنفي ذلك.

ثالثًا: في العديد من الأحاديث، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) إن صلاة الأمة وسلامها تُبلغ إليه في قبره. أما القول بأنه "حاضر ناظر" فيعني أن كل هذه الأحاديث كاذبة، وأن صلاة الأمة وسلامها لا تصل إليه، بل هو الذي يحضر عندهم! وبالتالي، فإن الذين يزعمون هذا لا يكتفون بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بل يتهمونه هو نفسه بالكذب – نعوذ بالله!

رابعًا: الذين يعتقدون بعلم الغيب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووجوده الدائم في كل مكان لم يقتصروا على اعتبار هذا مجرد رأي في فضائله ومنزلته، بل جعلوه جزءًا من إيمان المؤمن.

سبق أن ذكرنا أن أكثر من عشرة من الصحابة رضي الله عنهم رووا أحاديث تبين أن الله تعالى لم يكلف رسوله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بمشقة الحضور في كل مكان في الكون أو مراقبة جميع أعمال الأمة وتغيراتها. وكذلك أكد القرآن في مواضع عديدة أن الله تعالى ذكر أن رسوله لم يكن حاضرًا أو شاهدًا على الأمم السابقة.

يقول الله تعالى:
"ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ"
(سورة آل عمران: 44)

ويقول تعالى:
"وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ... وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا"
(سورة القصص: 44-46)

ويقول تعالى:
"ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ"
(سورة يوسف: 102)

ومن لديه أدنى معرفة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة وآرائهم يدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدَّعِ في حياته أنه حاضرٌ ناظرٌ في كل زمان ومكان، يراقب كل أفعال الأمة. وكذلك لم يخطر ببال الصحابة قط مثل هذا الاعتقاد.

أدلتهم التي يستدلون بها على هذا الرأي كالتالي:

بطبيعة الحال، لا يستطيعون تقديم أي نص صريح أو غير قابل للتأويل من القرآن الكريم أو الحديث الشريف كدليل. وإنما يعتمدون على تفسيرات وتأويلات لبعض الآيات والأحاديث كحجج. ومن بين أدلتهم:

الدليل الأول: ورد في القرآن الكريم في مواضع عديدة وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بـ "شاهد" و"شهيد". وهاتان الكلمتان تعنيان "الشاهد"، "الدليل"، "الحاضر" (witness, evidence, present) إلخ. وقد فسر المفسرون منذ عصر الصحابة وحتى القرون التالية هذه الكلمات بأن الله أرسل نبيه الحبيب صلى الله عليه وسلم ليكون شهيدًا على تبليغ الدين، فمن قبل دعوته كان شاهدًا لهم، ومن رفضها كان شاهدًا عليهم. كما أنه وأمته شهداء على أن الأنبياء السابقين بلغوا رسالاتهم. وقال بعضهم: إنه أرسل شاهدًا على وحدانية الله ودليلاً عليها.

ويجدر الذكر أن المؤمنين أيضًا وُصفوا في مواضع عديدة بأنهم "شهداء" على البشرية، كما وصف الله نفسه في مواضع بأنه "شهيد".

أما الذين يدعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالم بكل الغيوب أو "حاضر ناظر"، فإنهم يأخذون بهذه الكلمة "القابلة للتأويل" ويحملونها معنى خاصًا، ثم يلغون جميع النصوص الصريحة في القرآن بناءً على هذا التأويل. يقولون: "شاهد" تعني حاضرًا، فهو إذًا موجود في كل مكان! أو إذا كان "شاهدًا" بمعنى الشهادة، فلا بد أن يكون حاضرًا في كل مكان؛ لأنه لا يمكن الشهادة دون رؤية! وهكذا يصير -بحسب زعمهم- دائم الحضور في كل زمان ومكان، أو "حاضرًا ناظرًا"، وعالمًا بكل الأمور الغيبية في كل الأماكن!

في تفسيرهم ودعواهم هذه عدة ملاحظات بارزة:

أولاً: إنهم في تفسير هذه الآيات لم يأخذوا بتفسير الصحابة ولا التابعين ولا المفسرين المتقدمين، بل فسروها وفق أهوائهم، وألغوا تفسير السلف الصالح.

ثانياً: اتخذوا تفسيراً لكلمة تحتمل معاني متعددة وجعلوه أصلاً عقدياً، ثم أبطلوا بناءً عليه نصوص القرآن والحديث الصريحة التي لا تحتمل التأويل وفق أهوائهم. فقد اختاروا معنى لا يوجد له أي دليل صريح في آية أو حديث، ولم يقل به صحابي ولا تابعي ولا إمام من الأئمة.

ثالثاً: تفسيرهم ودعواهم هذه باطلة من الأساس. فطبقاً لتفسيرهم، يجب أن يدَّعي كل مسلم أنه يملك علم الغيب وأنه حاضر ناظر! لأن القرآن وصف المؤمنين أيضاً بأنهم "شهداء" أي شهود أو حاضران، وذكر مراراً أنهم سيشهدون يوم القيامة على جميع الأمم السابقة والبشرية جمعاء. ولا يمكن الشهادة دون حضور! فحسب تفسيرهم ودعواهم، يجب القول بأن كل مؤمن كان موجوداً في كل مكان منذ بدء الخليقة، يرى كل شيء ويسمعه! لأنه كيف يشهدون على البشرية دون أن يروا؟!

الدليل الثاني: يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ"
(سورة الأحزاب: 6)

كلمة "أولى" مشتقة من "الولاية" التي تعني القرب، الصداقة، الحماية، الرعاية وغير ذلك. ومن يحصل على الولاية يسمى "ولي" أي صديق، قريب أو حامي. و"أولى" تعني "أكثر ولاية" أي أكثر قرباً، أحق، أجدر أو أكثر مسؤولية.

والمقصود هنا القرب المعنوي في المحبة، المسؤولية، العلاقة والقرابة. فالمؤمنون يعتبرون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب إليهم من أنفسهم، وأحب إليهم، وأحق بالطاعة والاتباع. ومن مظاهر هذه القربى أن زوجاته أمهات المؤمنين. كما أن حب النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته لأمته أكثر من حب الأقارب. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بنفسه حيث روى جابر وأبو هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي (فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ، عَلَيَّ قَضَاؤُهُ) فَأَنَا مَوْلَاهُ"

لكن المدعين للحضور والنظور يزعمون أن المقصود هنا القرب المادي، وبالتالي فهو حاضر عند كل مؤمن!

وهنا نرى مرة أخرى كيف يلغي هؤلاء النصوص القرآنية والحديثية الصريحة بناءً على تفسير مختلق. فهم لا يقبلون حتى تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. والأهم أن تفسيرهم هذا باطل قطعاً، لأن الآية نفسها تقول: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض"، وفي مواضع أخرى: "والأرحام بعضهم أولى ببعض". فحسب تفسيرهم، يجب القول بأن كل البشر حاضرون ناظرون، لأن كل إنسان قريب لشخص ما، وبالتالي فهو حاضر معهم دائماً ويرى كل ما يفعلونه!

وفي آية أخرى ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين هم الأقرب لإبراهيم عليه السلام (أولى). فحسب منطقهم، يجب القول أن كل المؤمنين حاضرون عند إبراهيم...!

الدليل الثالث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

"صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ (وَفِي رِوَايَةٍ: رَقِيَ الْمِنْبَرَ) فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إِمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ (وَفِي رِوَايَةٍ: أَتِمُّوا الصُّفُوفَ) فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي (وَفِي رِوَايَةٍ: خَلْفَ ظَهْرِي/مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي)، فِي الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ (وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ أَمَامِي) (وَفِي رِوَايَةٍ: أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَرُبَّمَا قَالَ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ)".

وفي هذا المعنى روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لَأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي"

من هذا الحديث نتعرف على إحدى خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمؤمنون يؤمنون بناءً على هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه. وقد يفسر البعض هذه الخاصية بناءً على "البشرية" (صفته البشرية) فيقولون أن "الرؤية" هنا تعني "التصور" أو "العلم"، لأن كلمة "رأى" في العربية قد تستعمل بمعنى "تخيل" أو "علم". أو قد يقولون أن المقصود أنه يخبر عن ذلك... إلخ. ولكن مثل هذا التأويل يعتبر تجاوزاً لحدود الوحي. بل الواجب الأخذ بظاهر النص في البشرية ورؤية ما وراء الظهر على معناه الحقيقي المعروف، والإيمان بذلك بلا تحريف. وكذلك إذا فسر أحد "الرؤية" بأنها "العلم"، وقال أن رؤية ما وراء الظهر كرؤية ما أمامه تعني علمه بالمستقبل كعلمه بالماضي، فهذا بلا شك تأويل باطل.

من يقرأ أو يسمع هذا الحديث سيشعر بوضوح أن الأمر يتعلق بالرؤية الطبيعية والبصر الحسي. فكما يرى الإنسان أمامه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى خلفه أثناء الصلاة. وتوضح الروايات المختلفة للحديث أن هذه الرؤية كانت خاصة أثناء الصلاة والركوع والسجود. ولم يرد في أي حديث أنه كان يرى هكذا في غير أوقات الصلاة.

ومع ذلك، حتى لو افترضنا أنه كان يرى أمامه وخلفه دائماً، فإن هذا الحديث لا يدل أبداً على أنه كان يرى ما وراء الحواجز، أو داخل البيوت، أو خلف الستائر، أو ما في القلوب، أو كل شيء في الأماكن البعيدة. ولو لم يكن هذا مخالفاً للقرآن والأحاديث الصحيحة، لكان بإمكاننا أن ندعي من هذا الحديث أنه كان يرى كل شيء في كل زمان ومكان. لكننا رأينا أن الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة المتواترة تنفي هذا نفياً قاطعاً. والحقيقة أن الله تعالى قد حفظ نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم من هذه المشقة والمسؤولية الشاقة.

قال ابن حجر العسقلاني:
"ظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل أن يكون ذلك واقعاً في جميع أحواله. وأغرب الداودي الشارح فحمل البعدية هنا على ما بعد الوفاة، يعني أن أعمال الأمة تعرض عليه، وكأنه لم يتأمل سياق حديث أبي هريرة حيث بين فيه سبب هذه المقالة."

الملاحظ هنا أنه حتى المفسرون الغريبون مثل الداودي (حتى القرن التاسع الهجري) كانوا يقولون في تفسير "الرؤية" هنا أنها تعني "عرض أعمال الأمة عليه"، ولم يخطر ببال أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى كل شيء من المدينة أو أنه موجود في كل مكان يرى كل شيء. ولكن مع تتابع العصور، وتدهور القيم الإسلامية، وتأثير الأديان المجاورة، وطغيان الغلو في المحبة، جاء المتأخرون الذين يدعون "علم الغيب" و"الحضور والنظور" ليفسروا قوله "أراكم" بأنه يرى الجميع في كل زمان ومكان. ونرى أن هذا التفسير ليس تحريفاً للحديث فحسب، بل هو صريح المخالفة للعديد من الآيات والأحاديث.

والأهم أن "الرؤية من الأمام والخلف" أو "الرؤية الغيبية" لا تدل على "الحضور الدائم في كل مكان" أو رؤية كل شيء. فقد قال الله تعالى عن الشيطان وجنوده:

"إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ"
(سورة الأعراف: 27)

فهل يدعي أحد أن استخدام الفعل المضارع "يراكم" (يَرَاكُمْ) يعني أن الشيطان وكل أتباعه يرون كل البشر في كل الأوقات والأماكن بشكل دائم؟!

الدليل الرابع: قال الإمام محمد بن أحمد القرطبي (ت 671 هـ):

"أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا رجل من الأنصار، عن المِنْهَال بنِ عمرٍو، حدثه أنه سمع سعيد بن المُسَيَّبِ يقول: ليس من يوم إلا تعرض على النبي ﷺ أمته غُدْوة وعَشيّة، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم"

يستدل بهذا القول على عقيدة "الحاضر الناظر". وهنا عدة ملاحظات:

  1. هذا القول المنسوب لسعيد بن المسيب لم يرد بسند صحيح. فقد ادعى رجل مجهول أنه سمعه من المِنْهال بن عمرو. وأي شخص لديه أدنى معرفة بعلم الحديث يعلم أن مثل هذا النقل لا يعتبر حجة عند علماء الأمة.

    (٢) في القرن السابع الهجري، نقل القرطبي هذا القول عن عبد الله بن المبارك (القرن الثاني الهجري)، لكن هذا الأثر غير موجود في مؤلفات ابن المبارك المعروفة. والمخطوطات القديمة غير الموثوقة غالباً ما كانت تحوي إضافات من النساخ. لذا يصعب الجزم بصحة نسبة هذا القول لابن المبارك.

    (٣) على كل حال، هذا القول يمثل رأياً شخصياً للتابعي سعيد بن المسيب، وليس حديثاً عن النبي ﷺ ولا عن أي صحابي.

    (٤) سبق أن رأينا - من خلال أحاديث متواترة بصحاح البخاري ومسلم وغيرهما - أن أكثر من عشرة صحابة رووا أن الله لم يكلف رسوله ﷺ بعد وفاته بمشقة مراقبة كل أعمال الأمة، بل سيجهل كثيراً من بدعهم. ولم يرد أي حديث صحيح يثبت أن أعمال الأمة تعرض عليه.

    (٥) من الواضح أن كلام ابن المسيب هذا لا يدل على أن النبي ﷺ "حاضر ناظر" بمعنى أنه موجود في كل مكان، بل المقصود أنه في روضته الشريفة وتُعرض عليه أعمال الأمة، لا أنه يحضر عندهم.

    الدليل الخامس: يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
    "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ"
    (سورة الحجرات: 7)

    يستدل البعض بهذه الآية على أن الرسول ﷺ موجود في كل مكان. بينما المعنى واضح جداً - فالخطاب موجّه للصحابة مباشرة، كما يظهر من سياق الآيات قبلها وبعدها. ولم يفهم الصحابة أبداً أن "فيكم" تعني أنه مع كل شخص أو في كل مكان.

    الدليل السادس: ورد في الحديث أن الميت بعد الدفن يسأله الملائكة عن ربه ودينه ونبيه. عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال النبي ﷺ:
    "مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ"

    وفي بعض الروايات صيغة السؤال الثالث:
    "مَا هَذَا الرَّجُلُ؟"

    يزعم أصحاب عقيدة "الحاضر الناظر" أن استخدام كلمة "هذا" (هَذَا) تدل على القرب المكاني، مما يعني أن الرسول ﷺ كان حاضراً قريباً عند السؤال! ويستنتجون من ذلك أنه موجود في كل زمان ومكان! وهذا استدلال باطل لأن:

    1. لغة العرب تستخدم "هذا" حتى للإشارة إلى البعيد المعنوي

    2. السؤال عن "هذا الرجل" يعني السؤال عن مكانته وصفته النبوية

    3. لو كان المقصود الحضور المادي لكان السؤال: "من هذا الواقف أمامك؟"

      هنا عدة ملاحظات هامة:

      أولاً: هذا الادعاء يثبت أنهم ليسوا على دراية كافية بالقرآن والحديث وقواعد اللغة العربية، أو أنهم يتعمدون إخفاء هذه المعرفة. كلمة "هذا" لا تستخدم فقط للإشارة إلى الشخص أو الشيء القريب جسدياً، بل تستخدم أيضاً للإشارة إلى ما هو قريب ذهنياً أو بعيد جسدياً وذهنياً.

      دون الحاجة إلى أمثلة أخرى، سأقتبس نفس هذه الجملة من حديث آخر رواه البخاري وغيره من المحدثين. كان عمرو بن سلمة (رضي الله عنه) من أهل البادية. عندما بدأ رسول الله ﷺ دعوته، وصلهم خبره. فكانوا يسألون القوافل عنه من صحرائهم البعيدة. يقول عمرو:

      "كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ؟ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ"

      هنا نلاحظ أن كلمة "هذا" استُخدمت للإشارة إلى محمد ﷺ وهو في مكة البعيدة. لذا فإن الاعتماد على كلمة "هذا" فقط لبناء عقيدة دينية عبر مختلف الجدليات ليس منهجاً صحيحاً.

      ثانياً: حتى لو سلمنا جدلاً بأن الرسول ﷺ يكون قريباً من الميت أثناء السؤال، فهذا لا يثبت بأي حال نظرية "الحاضر الناظر". فحياة البرزخ والعالم بعد الموت تختلف كلياً عن الحياة الدنيا وعالمها. رؤيته أو قربه في ذلك العالم تختلف جذرياً في طبيعتها عن هذا العالم. وقد قدم المحدثون الأوائل تفسيرات عديدة لهذه الرؤية أو القرب، لكن لا يوجد أي دليل على أن أحداً تخيل أن وجوده عند الموتى يعني حضوره الدائم في كل مكان.

      وهكذا نرى أن أصحاب هذا الرأي لم يقدموا آية أو حديثاً واحداً واضحاً غير قابل للتأويل لدعم أقوالهم. إنهم يفسرون بعض الآيات أو الأحاديث الغامضة أو غير ذات الصلة وفق أهوائهم، ثم يعتمدون على هذا التفسير لإبطال عدد لا يحصى من الآيات والأحاديث الصحيحة. لا شك في نوايا الكثيرين ممن يسعون بهذه التفسيرات إلى رفع مكانة الرسول ﷺ وحبهم وإجلالهم له. لكنهم بحسن نية قد نسبوا إلى الوحي ما ليس منه، وقالوا عن الرسول ﷺ ما لم يقله عن نفسه. والأهم أنهم يدعون أموراً تتطلب ليس فقط إعادة تفسير عدد لا يحصى من تعاليم القرآن والحديث، بل إعادة تفسير جميع أحداث حياة الرسول ﷺ. لأن امتلاك كل أنواع علم الغيب والحضور الدائم في كل مكان يجعل النبوة والإسراء والمعراج والهجرة والحج والعمرة وغيرها كلها بلا معنى.

      بناءً على القرآن والسنة، ومنهج الصحابة وأصول أهل السنة والجماعة، فإن واجب المؤمن هو الإيمان الكامل بكل ما ورد في الوحي. المسلم يؤمن أن عالم الغيب هو الله وحده، ولا يعلم الغيب إلا هو. كما يؤمن أن الله تعالى قد أعلم رسوله ﷺ بأمور كثيرة عن الدنيا والآخرة والجنة والنار والماضي والمستقبل، وفضله بالعلم على سائر الأنبياء والمرسلين. وقد رأينا سابقاً كيف تحققت نبوءاته الكثيرة، ونؤمن إيماناً راسخاً بتحقق ما بقي منها. لكنه لم يكن يملك من علم الغيب إلا ما أعلمه الله به. لا يتجاوز المؤمن في ذلك ما ورد في القرآن والسنة، لأن في ذلك غلواً ومنهياً عنه.

      الكلمات والأوصاف التي لم ترد في القرآن والسنة ولم يستخدمها الصحابة في وصفه ﷺ - تركها لا يضرنا، أما استخدامها فيجعلنا عرضة لمخالفة تعاليمه ومنهجه. اللهم ارزقنا الفهم الصحيح. آمين.

      د. خوندكار عبد الله جهانغير
      أستاذ قسم الحديث، الجامعة الإسلامية، كوشتيا
      رئيس مجلس أمناء مؤسسة السنة


কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD