المناظرة والمناظرة والمشاكسة والبحث
كلمة "بَحَث" أو "بَهَس" من الكلمات المألوفة لدينا. إذا سألت أي شخص في بلدنا عن معناها، فسيقول إنها تعني "المناظرة الدينية" أو مشاحنات المتدينين. لكن في الأصل العربي، "بَحَث" لا تعني المشاجرة، بل تعني "الاستقصاء" أو البحث. الفرق بين البحث والمناظرة واضح جدًا. البحث يعني السعي لمعرفة الحقيقة أو المعلومات الصحيحة حول موضوع ما.
في هذه الحالة، لا يكون للباحث أو "الباحِث" رأي أو قرار مسبق. إذا كان لديه رأي مسبق، فلن يكون باحثًا. بل كل باحِث يسعى لاكتشاف الحقيقة ويقبلها إذا عرفها. أما في المناظرة، فإن كل مناظر أو "باحِث" لديه رأي أو موقف مسبق، ويحاول إثبات صحة رأيه بالحجج والبراهين.
لقد رأينا أن كلمة "بَحَث" في بنغلاديش أو شبه القارة الهندية تعني المناظرة. بهذا المعنى، لا يوجد استخدام لهذه الكلمة في القرآن أو الحديث. حتى في العربية الحديثة، لا تُستخدم كلمة "بَحَث" بهذا المعنى. الكلمتان الشائعتان في العربية للمناظرة هما "مُجَادَلَة" و"مُنَاظَرَة". في القرآن والحديث، استُخدمت كلمة "مُجَادَلَة" أو "جِدَال" للدلالة على الجدال أو الخصومة الكلامية. في العصر الحديث، كلمة "مُنَاظَرَة" هي الأكثر شيوعًا للمناظرة، وكانت تُستخدم بهذا المعنى في العصور القديمة أيضًا.
من القرآن والسنة نرى أن الإسلام يشجع على طلب العلم والبحث والاستقصاء، وينهى عن الجدال والمشاحنة. لا يوجد تشجيع أو توجيه للمسلمين للانخراط في "بَحَث" أو مناظرات مع بعضهم البعض؛ بل على العكس، فهي ممنوعة بشدة. ومع ذلك، فقد أُذِنَ بالجدال مع غير المسلمين بشرط أن يكون بأحسن أسلوب. يقول الله تعالى:
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم." (العنكبوت: 46)
ويقول تعالى:
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن." (النحل: 125)
وفي حديث عن النبي ﷺ أنه قال:
مَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا"من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة، ومن تركه وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها." (الترغيب والترهيب)