في الإسلام، هناك ضوابط محددة لاستخدام الملابس. أول وأهم مبدأ
ذُكر في هذه الآية هو ستر "العورة" أو الأجزاء الخاصة من الجسم. هذا هو
الهدف الرئيسي من اللباس. في الشريعة الإسلامية، العورة بالنسبة للرجل هي ما بين
السرة والركبة. يجب تغطية هذا الجزء من الجسم أمام الآخرين باستثناء الزوجة.
هناك أربع مراحل لعورة المرأة التي يجب تغطيتها. في المرحلة
الأولى، لا يوجد حجاب أو ضوابط ملابس بين الزوجين. في المرحلة الثانية، يجب على
المرأة المسلمة أن تغطي ما بين السرة والركبة أمام النساء المسلمات الأخريات. في
المرحلة الثالثة، يمكن للمرأة المسلمة أن تظهر وجهها ورأسها ورقبتها وذراعيها
وساقيها أمام أقاربها الذكور "المحارم" الذين يحرمون عليها الزواج بهم
إلى الأبد، ولكن يجب عليها تغطية باقي جسدها.
المرحلة الرابعة والعامة لملابس المرأة المسلمة هي أمام الرجال
الآخرين. يجب على النساء تغطية أجسادهن بالكامل أمام جميع الأقارب وغير الأقارب من
الرجال باستثناء أقارب "المحارم" المقربين. وفي هذا الصدد، يقول الله
تعالى في سورة النور (الآية 31):
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ -
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
وَلَا يُبْدِيْنَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِيْنَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي
الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِيْنَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِيْنَ
مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
فَقَدِ
اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْمَرْأَةِ
الْمُسْلِمَةِ جَمِيعَ جَسَدِهَا أَمَامَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَغَيْرِ
الْمَحَارِمِ، بِاسْتِثْنَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ حَيْثُ وَقَعَ
الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ سَتْرَ
الْوَجْهِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ فَرْضًا، وَآخَرُونَ قَالُوا بِوُجُوبِ سَتْرِهِ
مَعَ إِبْقَاءِ الْعَيْنَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ. أَمَّا بَقِيَّةُ الْجَسَدِ مِنَ
الرَّأْسِ إِلَى الْقَدَمِ فَإِجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِهِ.
وَقَدْ بَلَغَتِ الْجَهَالَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا
الْأَمْرِ مَبْلَغًا عَظِيمًا، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحِجَابَ أَمْرٌ
نَفْسِيٌّ أَوْ شَخْصِيٌّ، وَأَنَّهُ لَا تَوْجَدُ ضَوَابِطُ شَرْعِيَّةٌ
مُحَدَّدَةٌ لِهِ. بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ يَعْتَبِرُونَ آرَاءَ الْعُلَمَاءِ
وَالدُّعَاةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ تَعَصُّبًا وَتَطَرُّفًا. وَهَذَا الْجَهْلُ
لَيْسَ إِلَّا كُفْرًا بِكِتَابِ اللهِ وَتَكْذِيبًا لِأَحْكَامِهِ.
إِنَّ التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى لِلْغَرَبِ يَقُودُنَا إِلَى
الْهَلَاكِ. فَقَدْ فَقَدَ أَهْلُ الْغَرَبِ السَّكِينَةَ فِي حَيَاتِهِمُ
الْفَرْدِيَّةِ وَالْأُسْرِيَّةِ بِسَبَبِ الْوُقَاحَةِ وَالْفَحْشَاءِ. وَهَذَا
أَدَّى إِلَى انْهِيَارِ الْكِيَانِ الْأُسْرِيِّ فِي الْمَجْتَمَعَاتِ
الْغَرْبِيَّةِ، حَيْثُ يَعِيشُ الْآلَافُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
كَالْحَيَوَانَاتِ دُونَ زَوَاجٍ، وَقَدِ انْخَفَضَ مُعَدَّلُ الْوِلَادَاتِ
بِشَكْلٍ حَادٍّ، حَتَّى أَصْبَحَ الْجِنْسُ الْأَبْيَضُ فِي طَرِيقِهِ
لِلزَّوَالِ فِي غُضُونِ قُرُونٍ. وَسَبَبُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ انْتِشَارُ
الْوُقَاحَةِ وَالسُّفُورِ بِاسْمِ حُرِّيَّةِ الْمَرْأَةِ.
وَهَا هِيَ الدَّعَوَاتُ تُرَفَعُ لِإِقْنَاعِ الْمَرْأَةِ
الْمُسْلِمَةِ بِالسَّيْرِ فِي نَفْسِ هَذَا الطَّرِيقِ الْمَزْلَقِ. فَنَرَى
الرَّجُلَ يَلْبَسُ مَلَابِسَ مُحْتَشِمَةً تُغَطِّي جَسَدَهُ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى
قَدَمَيْهِ، وَبِجَانِبِهِ تَقِفُ الْمَرْأَةُ وَجَسَدُهَا مُعْرًى بِأَكْثَرِ
أَجْزَائِهِ! إِنْ كَانَتِ الْمَلَابِسُ الْمُحْتَشِمَةُ تُنَافِي الْحُرِّيَّةَ،
أَفَلَيْسَ هَذَا الرَّجُلُ غَيْرَ حُرٍّ؟! أَوَ لَيْسَ تَحْتَ سَيْطَرَةِ
الْمَرْأَةِ الَّتِي بِجَانِبِهِ؟! إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْفَظَ
حُرِّيَّتَهُ وَأَدَبَهُ وَهُوَ يُغَطِّي جَسَدَهُ بالكامل، فَلِمَاذَا لَا
تَسْتَطِيعُ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؟! هَلْ يُوجَدُ أَيُّ نَفْعٍ جَسَدِيٍّ أَوْ
نَفْسِيٍّ أَوِ اجْتِمَاعِيٍّ لِكَشْفِ الْمَرْأَةِ جَسَدَهَا؟! إِنَّ الْهُدَفَ
الْوَحِيدَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ إِشْبَاعُ نَظَرِ الْأَشْخَاصِ الْوُقِحِينَ ذَوِي
الْأَخْلَاقِ الْحَيَوَانِيَّةِ، الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ بِمُخْتَلِفِ الْحُجَجِ
وَالْأَعْذَارِ أَنْ يُجَرُّوا الْمَرْأَةَ إِلَى السُّفُورِ وَيَسْلُبُوهَا
أُنُوثَتَهَا وَحَيَاءَهَا.
وَفْقًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ
الْمُسْلِمَةِ بِشَعْرٍ مَكْشُوفٍ أَوْ أُذُنَيْنِ أَوْ عُنُقٍ أَوْ يَدَيْنِ أَوْ
ذِرَاعَيْنِ أَوْ أَيِّ عُضْوٍ آخَرَ مِنْ جَسَدِهَا أَمَامَ الرِّجَالِ
الْأَجَانِبِ أَوْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي
الْبَيْتِ، هُوَ حَرَامٌ شَدِيدٌ كَحُرْمَةِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ
وَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ الْكَبِيرَةِ. وَكَما أَنَّ سَتْرَ جَسَدِهَا فَرْضٌ
عَلَيْهَا، فَإِنَّ إِلْزَامَهَا بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ فَرْضٌ عَلَى زَوْجِهَا
أَوْ وَالِيهَا أَيْضًا.
وَنَرَى فِي الْمُجْتَمَعِ كَثِيرِينَ مِنَ الْمُتَّقِينَ
الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ (وهي وَاجِبَةٌ)
وَيَلْبَسُونَ الطَّاقِيَّةَ (وهي سُنَّةٌ)، بَيْنَمَا تَخْرُجُ زَوْجَاتُهُمْ
وَبَنَاتُهُمْ بِشُعُورٍ مَكْشُوفَةٍ وَأَجْسَادٍ مُعْرِّيَةٍ! وَتَرْكُ
الْفَرِيضَةِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْوَاجِبِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ النَّافِلَةِ،
هُوَ كَمَثَلِ مَنْ يَلْبَسُ الْعِمَامَةَ وَهُوَ عَارٍ! وَكَثِيرٌ مِنَّا وَقَعَ
فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّاذَّةِ مِنَ التَّقْوَى!
وَالسُّؤَالُ الْأَهَمُّ: لِمَاذَا نَعْصِي أَمْرَ اللهِ
وَرَسُولِهِ؟ إِنَّ الِاحْتِشَامَ فِي اللِّبَاسِ وَسَتْرَ الْجَسَدِ لَا يَضُرُّ
بِمَصَالِحِ الْمَرْأَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَا يَعُوقُهَا عَنْ أَيِّ عَمَلٍ
أَوْ حَاجَةٍ، وَلَا يُنْقِصُ مِنْ مَكَانَتِهَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ أَوِ
الْأُسْرِيَّةِ. بَلْ عَلَى الْعَكْسِ، فَإِنَّهَا تَكْسَبُ مَزِيدًا مِنَ
الْإِكْرَامِ وَالْوَقَارِ، وَتَنَالُ عَطَاءَ اللهِ وَرَحْمَتَهُ وَبَرَكَتَهُ.
وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ (الآيَةُ 59):
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ
أَدْنَى أَنْ يُّعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
فَفِي
هَذِهِ الْآيَةِ يَذْكُرُ اللهُ سَبَبَ الْحِجَابِ إِلَى جَانِبِ تَوْجِيهِهِ.
فَالْمَرْأَةُ الْمُحْتَشِمَةُ تُعْرَفُ بِأَدَبِهَا وَعِفَّتِهَا، وَعَادَةً مَا
يَتَوَقَّفُ الْفُسَّاقُ وَغَيْرُ الْأَخْلَاقِيِّينَ عَنْ مُؤَاذَاتِهَا. إِذَا
نَظَرْنَا إِلَى كَثِيرٍ مِنْ حَوَادِثِ الِاغْتِصَابِ وَالْإِيذَاءِ وَالْحُمُوضِ
فِي مُجْتَمَعِنَا أَوْ أَيِّ مُجْتَمَعٍ آخَرَ، نَجِدُ أَنَّ الْفَتَيَاتِ
اللَّاتِي يَرْعَيْنَ قَوَاعِدَ الْحِجَابِ يَنْعَمْنَ بِحِمَايَةٍ أَكْبَرَ مِنْ
مُلَاحَقَةِ الْمُتَسَكِّعِينَ وَالْكَلِمَاتِ الْبَذِئَةِ وَرَمْيِ الْحُمُوضِ
وَالِاغْتِصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَذِيَّةِ. حَتَّى أَقْسَى الْقُلُوبِ
وَأَشْرَسِهَا قَدْ تَتَرَدَّدُ فِي مُؤَاذَاةِ امْرَأَةٍ مُحْتَشِمَةٍ، فَفِي
زَاوِيَةٍ خَفِيَّةٍ مِنْ قَلْبِهِ يَبْقَى شُعُورٌ مِنَ الْإِجْلَالِ نَحْوَهَا.
كَثِيرٌ مِنَّا وَاعُونَ بِاللِّبَاسِ السُّنِّيِّ لِلرِّجَالِ،
لَكِنَّنَا غَيْرُ مُهْتَمِّينَ بِالشَّكْلِ السُّنِّيِّ لِلِبَاسِ النِّسَاءِ.
إِنَّ السَّارِي فِي الْأَصْلِ هُوَ لِبَاسٌ هِنْدِيٌّ. فَخَارِجَ بَنْغْلَادِيشَ،
حَتَّى الْمُسْلِمَاتُ فِي الْهِنْدِ لَا يَلْبَسْنَ السَّارِي وَيَعْتَبِرْنَهُ
لِبَاسًا هِنْدُوسِيًّا. لَا تَسْتَطِيعُ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ بِأَيِّ حَالٍ
أَنْ تَحْفَظَ فَرْضَ الْحِجَابِ وَهِيَ تَلْبَسُ السَّارِي. كَانَتْ زَوْجَاتُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابِيَّاتُ يَلْبَسْنَ
دَائِمًا ثَلَاثَ قِطَعٍ مِنَ الْمَلَابِسِ حَتَّى فِي الْبَيْتِ: (1) قَمِيصٌ
أَوْ ثَوْبٌ طَوِيلٌ بِأَكْمَامٍ طَوِيلَةٍ يُغَطِّي الْقَدَمَيْنِ، (2) إِزَارٌ
أَوْ سَرَاوِيلٌ وَاسِعَةٌ، (3) وَخِمَارٌ كَبِيرٌ مِثْلَ الشَّالِ. وَكَانَتْ
إِذَا خَرَجَتْ تَلْبَسُ فَوْقَ ذَلِكَ جِلْبَابًا أَوْ عَبَاءَةً كَبِيرَةً.
هَذِهِ هِيَ الْمَلَابِسُ السُّنِّيَّةُ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ. بِهَذِهِ
الْمَلَابِسِ يُمْكِنُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُؤَدِّيَ فَرْضَ الْحِجَابِ
بِسُهُولَةٍ.
فِي الْبُلْدَانِ الْغَرْبِيَّةِ مِثْلَ أُورُوبَّا وَأَمْرِيكَا
وَيَابَانَ وَأُسْتُرَالِيَا، نَرَى آلَافًا مِنَ الشَّابَّاتِ غَيْرِ
الْمُسْلِمَاتِ يُسْلِمْنَ وَيَبْدَأْنَ بِلُبْسِ الْبُورْكِينِي أَوِ الْحِجَابِ
وَيُغَطِّينَ جَسَدَهُنَّ بِكَامِلِهِ. جَمِيعُهُنَّ يَقُلْنَ: إِنَّ اللِّبَاسَ
الْإِسْلَامِيَّ هُوَ الْأَكْثَرُ مُلَاءَمَةً لِلطَّبِيعَةِ النِّسَائِيَّةِ. فِي
السُّفُورِ وَالْوُقَاحَةِ قَلَقٌ نَفْسِيٌّ وَضِيقٌ، أَمَّا فِي الْحِجَابِ
الْإِسْلَامِيِّ فَقَدْ وَجَدْنَ رِضًا نَفْسِيًّا وَسَكِينَةً وَسَعَادَةً لَا
تُقَارَنُ.
لَيْسَ الْحِجَابُ الْإِسْلَامِيُّ حَجْرًا أَوْ سَجْنًا. فَمُنْذُ
عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ، وَالْمُسْلِمَاتُ يَشْتَرِكْنَ فِي الْأَنْشِطَةِ الدِّينِيَّةِ
وَالْأُسْرِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ بِزِيِّهِنَّ
الْإِسْلَامِيِّ الْمُحْتَشِمِ. إِنَّ الْحِجَابَ الْإِسْلَامِيَّ نِظَامٌ
شَامِلٌ. إِنَّهُ بِمَثَابَةِ مُصْطَلَحٍ يَجْمَعُ تَعَالِيمَ الْإِسْلَامِ
الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي تَهْدِفُ إِلَى بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ طَاهِرٍ وَأُسَرٍ
مُتَمَاسِكَةٍ قَائِمَةٍ عَلَى الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ. وَلَهُ جَوَانِبُ
مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا:
1.
الْاِمْتِنَاعُ عَنْ
كُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ قَدْ يُعِينُ عَلَى انْتِشَارِ الْفَحْشَاءِ فِي
الْمُجْتَمَعِ.
2.
مُعَاقَبَةُ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ عَلَى نَشْرِ الْفَحْشَاءِ أَوِ التَّسْهِيلِ لِانْتِشَارِهَا.
3.
تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ
عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصِّدْقِ، وَإِبْعَادُهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يَحُثُّ عَلَى
الْفَحْشَاءِ أَوْ يُثِيرُ الشَّهَوَاتِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ.
4.
طَلَبُ الْإِذْنِ قَبْلَ
دُخُولِ بُيُوتِ الْآخَرِينَ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
5.
لُبْسُ الزِّيِّ
الْمُحْتَشِمِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
6.
مَنْعُ الِاخْتِلَاطِ
الْعَشْوَائِيِّ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
7.
تَزْوِيجُ الْأَبْنَاءِ
وَالْبَنَاتِ فِي وَقْتِهِمُ الْمُنَاسِبِ.
8.
الْعَمَلُ عَلَى
الْحِفَاظِ عَلَى الْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْحَيَاةِ
الزَّوْجِيَّةِ.
فَقَدْ
تَضَمَّنَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَالْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْكَثِيرَ مِنَ
الْأَحْكَامِ وَالتَّفْصِيلَاتِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِيعِ، وَخَاصَّةً فِي سُورَةِ
النُّورِ. أَنْصَحُ الْإِخْوَةَ الْمُصَلِّينَ الْحَاضِرِينَ بِدِرَاسَةِ سُورَةِ
النُّورِ فِي ضَوْءِ تَفْسِيرٍ أَوْ عِدَّةِ تَفَاسِيرَ. وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ
الْمُخْتَصَرَةِ سَنَخْتِمُ بِبَعْضِ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ الْإِسْلَامِيِّ.
فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
فَمِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ وَالأَحَادِيثِ نَعْلَمُ أَنَّ إِرْسَالَ الثَّوْبِ أَسْفَلَ
الْكَعْبَيْنِ جُرْمٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَإِذَا
اقْتَرَنَ بِالْكِبْرِ وَالْبَطَرِ كَانَ ذَنْبًا أَعْظَمَ، وَصَاحِبُهُ مَحْرُومٌ
مِنْ نَظَرِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ.
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا رَأَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ
أَرْسَلَ ثَوْبَهُ تَحْتَ كَعْبَيْهِ يَتْبَعُهُ مُسْرِعًا وَيَأْمُرُهُ
بِرَفْعِهِ. وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يُرْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ لِعُذْرٍ فِي
أَرْجُلِهِمْ، وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ فِي هَذَا كِبْرٌ. فَكَانَ
ﷺ يَأْمُرُهُمْ بِالرَّفْعِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَلَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ
يَسْتَحْيِي مِنْ رَفْعِ الثَّوْبِ كَمَا نَسْتَحْيِي نَحْنُ الْيَوْمَ. فَقَالَ
ﷺ: "اِرْفَعُوا إِزَارَكُمْ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ
فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكُمْ وَإِرْسَالَهُ فَإِنَّهُ مِنَ الْكِبْرِ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ
أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ ﷺ: "لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ". فَالتَّهَاوِي
غَيْرُ الْعَمْدِ لَيْسَ فِيهِ إِثْمٌ، أَمَّا تَعَمُّدُ إِرْسَالِ السَّرَاوِيلِ
أَوِ الْإِزَارِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ هَذِهِ
الأَحَادِيثِ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْحَالِ غَيْرُ
مَقْبُولَةٍ.
وَنَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَوَّرَةِ
أَوِ الَّتِي عَلَيْهَا رُمُوزٌ دِينِيَّةٌ. وَأَمَرَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ لِبَاسِ
الرِّجَالِ وَلِبَاسِ النِّسَاءِ، وَقَالَ: "لَعَنَ اللهُ الرَّجُلَ يَلْبَسُ
لِبَاسَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبَاسَ الرَّجُلِ".
وَفِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أَمَرَ ﷺ الْمُؤْمِنِينَ بِمُخَالَفَةِ
الْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ وَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ، حَتَّى فِي أَلْوَانِ
الثِّيَابِ وَصِفَاتِهَا. وَحَثَّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ فِي
قَصَّةِ الثَّوْبِ وَطُولِ الْكُمِّ وَطَرِيقَةِ اللُّبْسِ وَاللَّوْنِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ.
فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقُولَ: "هَلْ فِي هَذَا
اللِّبَاسِ إِثْمٌ؟" بَلِ الْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ: "هَلْ فِيهِ أَجْرٌ
وَاقْتِدَاءٌ بِالسُّنَّةِ؟" فَلُبْسُ مَا أَحَبَّهُ الرَّسُولُ ﷺ يُعْطِينَا
أَجْرَ الِاتِّبَاعِ، وَيُنِيرُ قُلُوبَنَا بِمَحَبَّتِهِ، وَيُقَوِينَا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
فَلِكَسْبِ
هَذَا الْأَجْرِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبَرَكَةِ، لَا نَحْتَاجُ إِلَى مُشَقَّةٍ
زَائِدَةٍ فِي الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ أَوِ التَّسْبِيحِ أَوِ الذِّكْرِ أَوْ
صَرْفِ الْوَقْتِ أَوِ الْمَالِ. فَأَنَا مُلْزَمٌ بِلُبْسِ الثَّوْبِ عَلَى أَيِّ
حَالٍ. فَلِمَاذَا أَحْرِمُ نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الْفُرْصَةِ؟ أَلِهَوَى
النَّفْسِ؟ أَمْ مَاذَا سَأَكْسِبُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ أَلِأَنِّي
مَأْخُوذٌ بِثَقَافَةِ الْغَرَبِ فَلَا أَسْتَطِيعُ التَّخَلِّي عَنْ
تَقْلِيدِهِمْ؟ قَدْ نَتَمَاوَلُ بِالْحُجَجِ فِي الدُّنْيَا لِنَتَجَنَّبَ
السُّنَّةَ، وَلَكِنْ أَلَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ نَتَفَكَّرَ فِيمَا
سَيَنْفَعُنَا فِي الْآخِرَةِ؟
وَمِنْ مَسْؤُولِيَّاتِ الْوَالِدَيْنِ تَرْبِيَةُ الْأَطْفَالِ
وَالْمُرَاهِقِينَ عَلَى آدَابِ الْإِسْلَامِ وَقِيمِهِ. فَعَلَيْهِمْ
حِمَايَتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا حَرُمَ أَوْ نُهِيَ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ.
وَيَجِبُ أَنْ يُبْعِدُوهُمْ عَنِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ
وَالْمَلَابِسِ وَالْأَقْوَالِ الْمَكْرُوهَةِ أَوِ الْمُحَرَّمَةِ، حَتَّى
يَكْرَهُوهَا وَلَا يَشْعُرُوا بِأَيِّ انْجِذَابٍ نَحْوَهَا. وَلِهَذَا فَحَرَامٌ
عَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يُلْبِسُوا أَطْفَالَهُمْ مَا حُرِّمَ عَلَى الْكِبَارِ.
حَتَّى بَعْضُ الْوَالِدَيْنِ الْمُتَدَيِّنِينَ يُلْبِسُونَ
أَوْلَادَهُمْ مَلَابِسَ تُنَافِي الْقِيمَ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَالْمَلَابِسِ
الضَّيِّقَةِ، أَوْ مَلَابِسِ الْكَافِرَاتِ وَالْكَفَرَةِ، أَوْ مَلَابِسَ لَا
تُغَطِّي الْعَوْرَةَ، أَوْ مَلَابِسَ مُصَوَّرَةٍ. وَيَظُنُّونَ: «إِنَّهُمْ
صِغَارٌ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ». أَيُّهَا الْحَاضِرُونَ، لَا إِثْمَ
عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ الْإِثْمَ عَلَيْكُمْ! وَخَاصَّةً أَنَّ حُبَّ هَذِهِ
الْمَلَابِسِ يَتَرَسَّخُ فِي قُلُوبِهِمْ بِالتَّدْرِيجِ، وَتَزُولُ الْكَرَاهِيَةُ
نَحْوَ ذُنُوبِ أَصْحَابِهَا. فَحِينَ يَكْبُرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ
التَّخَلِّيَ عَنْهَا، وَسَيُكْتَبُ لَكُمْ مِثْلُ ذُنُوبِهِمْ.
[لِلتَّعَرُّفِ عَلَى الْأَحْكَامِ التَّفْصِيلِيَّةِ
لِلْمَلَابِسِ، يُرْجَى قِرَاءَةُ كِتَابِ: «الْمَلَابِسُ وَالْحِجَابُ
وَالزِّينَةُ فِي ضَوْءِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ» لِلْكَاتِبِ.]
اللَّهُمَّ اهْدِنَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَوَفِّقْنَا
لِلنَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. آمِينَ.