حقوق الطفل
في الحياة الدنيا، من أحب الأشياء إلى الإنسان وأحد أهم مصادر السعادة هي الأبناء. ليس ذلك فحسب، بل هم أيضًا رفيق وسعادة في الحياة الآخرة. فقد ذكر القرآن الكريم في مواضع متعددة أن المؤمنين في الجنة سوف يتمتعون بصحبة أبنائهم. قال الله تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ"والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء."
لكي نجعل الأبناء مصدر سعادة حقيقية في الدنيا والآخرة، علينا مسؤوليات عديدة. فإهمال هذه المسؤوليات قد يجعل الابن مصدر حزن دائم بدلاً من الفرح. لذلك، ذكرت الشريعة الإسلامية واجبات الوالدين تجاه أبنائهم بشكل خاص.
أول هذه الواجبات هو اختيار الأب والأم الصالحين للابن. فلا ينبغي التركيز فقط على متعة أو رغبة أو مصالح دنيوية للزوجين، بل يجب النظر إلى مصلحة الأجيال القادمة عند اختيار شريك الحياة. ولهذا، أوصت الأحاديث النبوية باختيار الزوج أو الزوجة على أساس التقوى والصلاح والأخلاق.
ومن أهم واجبات الوالدين تجاه المولود: الأذان في أذنه عند الولادة، وتسميته باسم حسن، وتحنيكه (وضع شيء حلو في فمه)، والعقيقة، والختان، وغير ذلك.
فقد ورد في الحديث أن يؤذن في أذن المولود حتى يكون أول ما يسمعه هو اسم الله وعظمته وتوحيده. قال الصحابي أبو رافع:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ"رأيت رسول الله ﷺ أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة."
في الوقت الحاضر، يهمل الكثيرون هذه السنة القيمة في المستشفيات والعيادات. لذا، ينبغي للآباء والمقربين أن يكونوا واعين بهذا الأمر، كما يجب على إدارات المستشفيات والعيادات اتخاذ الترتيبات المناسبة لذلك.
في بلادنا، هناك عادة شائعة تُسمى "إطعام الأرز للطفل" (ভাত মুখে দেওয়া)، وهي ليست من الإسلام. ولكن في السنة النبوية، ورد تعليم مشابه يُسمى "التحنيك". والتحنيك هو أن يُؤتى بالمولود إلى شخص صالح في الأيام الأولى بعد الولادة، ويُمرر على فمه تمر أو عسل أو أي طعام حلو. وكان الصحابة يحنّكون أطفالهم بإحضارهم إلى رسول الله ﷺ.
ومن واجبات الوالدين تجاه الطفل اختيار اسم حسن ذي معنى جميل. في بعض الأحاديث، نجد أن الرسول ﷺ كان يسمي الأطفال عند التحنيك أو وضع شيء حلو في فمهم، بينما ورد في أحاديث أخرى أن التسمية تكون في اليوم السابع. ولكن الأهم في كل الأحوال هو جمال الاسم ومدلوله.
من خلال الأحاديث النبوية، نرى أن النبي ﷺ كان يحب الأسماء الحسنة ذات المعنى الطيب، مثل الأسماء التي تشير إلى عبودية الله (مثل عبد الله، عبد الرحمن)، وأسماء الأنبياء. وقد قال ﷺ: "إن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن". وكان يكره الأسماء التي تدعي صلاحًا أو تقوىً زائفًا، أو التي تحمل معاني سيئة أو قاسية، وغالبًا ما كان يغير مثل هذه الأسماء.
في مجتمعنا البنغلاديشي، هناك عادة سيئة للغاية وهي تشويه الأسماء. نحن نفعل ذلك بطريقتين:
تشويه الاسم نفسه: مثل تحويل "حسن" إلى "حسانيا" أو "حاسو".
حذف كلمة "عبد" من الأسماء الدينية: مثل مناداة "عبد الرحمن" أو "عبد الرزاق" بـ"الرحمن" أو "الرزاق" فقط. وهذا التشويه أخطر، وهو من الذنوب العظيمة وقد يتعارض مع العقيدة في بعض الأحيان. فما أفظع من أن يُنادى عبد الله (عبد الله) باسم "الله"، أو يُنادى عبد الرحمن (عبد الرحمن) باسم "الرحمن"! يجب علينا التخلي عن هذه العادة فورًا.
ومن واجبات الوالدين اللاحقة تجاه الطفل: العقيقة. فقد أمرت السنة النبوية في اليوم السابع بعد الولادة بما يلي:
تنظيف جسم المولود.
حلق شعره.
التصدق بوزن شعره فضة.
ذبح شاة أو خروف نيابة عنه.
وكان العرب في الجاهلية لا يعقون عن البنات، لذلك ورد في بعض الأحاديث أن العقيقة عن الأنثى شاة واحدة، وعن الذكر شاتان. وقد عقّ النبي ﷺ عن الحسن والحسين بكبش واحد لكل منهما. وقال ﷺ:
"مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ"(من رُزق بمولود وأراد أن يذبح عنه، فليذبح، عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة).
لحم العقيقة يُوزع مثل لحم الأضحية، فيأكل منه أهل البيت ويتصدق به على الفقراء. وردت السنة بأن العقيقة تكون في اليوم السابع، لكن بعض الفقهاء أجازوها بعد ذلك، والأمر فيه سعة لأنه نافلة، لكن اتباع السنة أولى.
من واجبات الوالدين المسلمين تجاه أطفالهم الختان في الوقت المناسب. ورد في السنة النبوية الأمر بختان الطفل في اليوم السابع من ولادته. ومن الناحية الصحية أيضًا، يُعتبر الختان في الأيام السبعة الأولى أفضل. لكن لا مانع من إجرائه لاحقًا. ولم يرد في الأحاديث أي توجيه أو إباحة لإقامة احتفالات بمناسبة الختان.
من المسؤوليات الأساسية للوالدين بناء شخصية الابن جسدياً وروحياً وعقلياً واجتماعياً واقتصادياً ليكون قوياً، معتمداً على نفسه ومكرماً. أول ما يجب غرسه في الأبناء هو الصدق والتقوى. عليهم تعلم العقيدة الإسلامية الصحيحة والعمل بها، واجتناب الأنانية والخداع والنفاق والرياء وإيذاء الخلق - كل ما حرمه الله. يجب أن يحبوا الصلاة والصوم والزكاة وذكر الله وخدمة الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يؤدوا هذه الواجبات بحماس.
كثيراً ما نعاقب أبنائنا بسبب غضب شخصي أو ضرر دنيوي، بينما لا نعطي الأخطاء الدينية والأخلاقية الاهتمام الكافي. لكن رسول الله ﷺ وصحابته علمونا العكس. لقد تحملوا الأذى الدنيوي والألم والغضب الشخصي، لكنهم كانوا صارمين في الأمور الدينية. لأن الضرر الدنيوي يمكن تعويضه بسهولة، بينما الانحدار الأخلاقي والديني قد يدمر الشباب في الدنيا والآخرة إلى الأبد.
تكوين الابن صالحاً تقياً هو من ناحية أداء لواجب مفروض، ومن ناحية أخرى هو الفوز العظيم في الدنيا والآخرة. قال رسول الله ﷺ:
من الجوانب الأساسية في تربية الأبناء تنشئتهم "أقوياء" في جميع الجوانب: قوة الإيمان، وقوة العقل، وقوة الجسد. قال رسول الله ﷺ:
روى الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من هذه الأحاديث نفهم أن الرماية وركوب الخيل والسباحة وأنواع الرياضة البدنية والمسابقات الرياضية أمور مشروعة في الإسلام. وتوفير هذه الأنشطة للشباب والصغار واجب أسري واجتماعي ووطني.
وفي جانب القوة الاقتصادية والاكتفاء المالي، قال النبي ﷺ:
أهم جانب في التربية هو بناء القوة الروحية والنفسية للأبناء. فالقوة الجسدية ضرورية، لكن القوة النفسية والثبات العقلي أهم بكثير، لأن العقل هو الموجه للإنسان. للأسف، كثير من الآباء المسلمين اليوم - مثل المجتمعات الغربية المنحرفة - يهملون النمو النفسي لأبنائهم. معظم الآباء منشغلون بأعمالهم وصداقاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية لدرجة أنهم لا يجدون وقتاً لأبنائهم، بينما الأبناء هم أحق الناس بوقت آبائهم وصداقتهم.
من واجب الآباء تخصيص وقت يومي للأبناء، ومعرفة مشاكلهم وأفكارهم، وقضاء وقت معهم في أنشطة ترفيهية ورياضية إسلامية. القرآن والسنة أكدا مراراً على الرحمة والعطف والمغفرة، والأبناء هم أحق الناس بهذه الصفات. بالإضافة إلى ذلك، وردت تعليمات خاصة بالعطف والحب والرعاية الشاملة لأفراد الأسرة. المودة المتبادلة والتواضع والعفو بين الزوجين يؤثران بشكل كبير على الأبناء. قال رسول الله ﷺ لعائشة رضي الله عنها:
كان رسول الله ﷺ يُحب الأطفال ويُظهر لهم عاطفة كبيرة. روى البخاري في "الأدب المفرد" أنه عندما يُهدى إليه تمر أو غيره، كان يدعو ويُعطيها لأصغر الحاضرين. وكان إذا أُحضر إليه طفل يأخذه في حجره، ويُداعبه، ويمسح رأسه بلطف. كما ورد في "المستدرك" للحاكم (بإسناد صحيح) أنه كان يلعب مع أحفاده، ويُسليهم، ويخصص لهم وقتاً كبيراً.