আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

18/01/2025, 06:33:16 AM عربي

علامة رحمة الله القرانبي

News Image

علامة رحمة الله القرانبي

الدكتور خُندكار أ.ن.م. عبد الله جاهِگير
أستاذ
قسم الحديث والدراسات الإسلامية
الجامعة الإسلامية، كوشتيا

  1. النشأة والنسب
    وُلد محمد رحمة الله كيرانبي في الأول من جمادى الأولى سنة 1233 هـ، الموافق 8/9 مارس 1818 م، في قرية «كيرانة» أو «كايرانا» التابعة لمنطقة مظفر نجر الواقعة قرب العاصمة الهندية دلهي. كان اسم والده خليل الرحمن. وهو من نسل الخليفة الراشد الثالث، ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه. جده الرابع والعشرون عبد الرحمن بن عبد العزيز جاء أول مرة إلى الهند مع السلطان محمود غزنوي واستقر في منطقة بانباث. جد عبد الله السابع عبد الكريم كان طبيباً مشهوراً، وقد عالج مرضاً معقداً للإمبراطور المغولي أكبر بنجاح. كُرّم من الإمبراطور بأراضٍ زراعية كثيرة في قرية كيرانة، ومنذ ذلك الحين استقروا هناك. خلال حكم المغول، تولى كثير من أفراد هذا النسب مناصب إدارية رفيعة. كما كانوا مشهورين في العلوم الإسلامية والطب.

(د. مالكابي، محمد أحمد، مقدمة المحرر، إظهار الحق (الرياض، الرئاسة العامة: دار الإفتاء، 1989) 1/15؛ عبد الله إبراهيم أنصاري، مقدمة، إظهار الحق (بيروت، المكتبة العصرية، ت.ب.) 2/5-6؛ د. مهر علي، المواجهات المسلمة لنشأة التنصيرية في البنغال وشمال الهند (بحث)، مركز الدراسات، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المجلة السنوية، العدد الأول، محرّم 1403 (1982)، ص. 80.)

٢. التعليم واكتساب العلم
كان والد رحمة الله، وعمه، والكثير من أفراد أسرته من بين العلماء المشهورين في الهند في ذلك الوقت. كانوا مشهورين في العلم والتقوى والمال والهيبة. تحت إشرافهم بدأ رحمة الله مسيرته العلمية. أتم حفظ القرآن الكريم في سن الثانية عشرة. بالإضافة إلى ذلك، تلقى تعليماً في مختلف فروع العلم الإسلامي، وأتقن اللغات العربية والفارسية والأردية.

بعد ذلك، توجه إلى دلهي، العاصمة السياسية والثقافية للهند آنذاك، لطلب التعليم العالي. التحق بمدرسة العالم المشهور محمد حيات (المدرسة)، حيث تلقى تعليماً متقدماً (كانت المدارس آنذاك مراكز التعليم العالي، ما يعادل الجامعات حالياً. وكلمة "سكول" في أوروبا كانت تُستخدم لهذا المعنى ولا تزال كذلك). في هذه المدرسة وغيرها من مدارس العلماء في دلهي، تعمق في مختلف فروع العلوم الإسلامية. لم تقف رغبة رحمة الله في التعلم عند هذا الحد، بل بعد إتمام دراسته في دلهي، توجه إلى لكناو، الذي كان أيضاً مركزاً بارزاً للعلم الإسلامي. درس عند العالم الفقيه المشهور المفتي سعد الله، ودرس الأدب الفارسي عند الإمام بخشي صاحبي، وتعلم الطب عند الطبيب المعروف محمد فايز، كما درس الرياضيات والهندسة عند بعض العلماء المشهورين في ذلك الوقت.

بعد اكتسابه معرفة واسعة في مختلف فروع العلم الإسلامي والعلوم الدنيوية من أساتذة لكناو ودلهي، عاد رحمة الله إلى مسقط رأسه كيرانة. هناك أسس مدرسة (جامعة) وأصبح مشهوراً بعلمه. بدأ العديد من الطلاب الموهوبين من مناطق مختلفة في التسجيل للدراسة في مدرسته. ومن هؤلاء الذين رافقوه في نشر التعليم الإسلامي ومقاومة المبشرين المسيحيين وحركة مقاومة الحكم البريطاني، والذين قدموا مساهمات بارزة في نهضة المسلمين في الهند من خلال كتاباتهم وخطاباتهم وأنشطتهم التعليمية. وكان من بينهم العلامة الشيخ عبد الوهاب، الذي أسس أول جامعة إسلامية في مدراس، وهي "البقيَّة الصالحة"، التي تعتبر اليوم أكبر مؤسسة تعليمية إسلامية في مدراس.

(د. مالكابي، المرجع السابق، ١/١٦؛ عبد الله إبراهيم أنصاري، المرجع السابق، ٢/٦-٧)

٣. الحالة السياسية والاجتماعية في الهند آنذاك ونشاطات المبشرين المسيحيين الخبيثة

كانت معركة بلاسي في عام ١٧٥٧م نقطة تحول في تاريخ سقوط البنغال، وشكلت منعطفاً في تاريخ الإسلام والمسيحية. لقد كانت المنافسة والصراع بين الإسلام والمسيحية قائمة منذ البداية، وكان ميزان القوة في صالح الإسلام دائماً. ومع ضعف المسلمين السياسي وتشتتهم، اتحدت أوروبا المسيحية وشنّت منذ عام ١٠٩٥م وعلى مدى قرنين تقريباً ما عُرف بالحملات الصليبية الكبرى، لكنها لم تتمكن من تغيير الواقع، رغم أن قادة الصليبيين كانوا واثقين بعد الانتصارات الأولية من أن الإسلام سيتم القضاء عليه خلال سنوات قليلة. لكن النتيجة كانت عكس ذلك، حيث بدأ الأتراك العثمانيون يتقدمون تدريجياً داخل أوروبا، كما توسع انتشار الإسلام في بلدان الشرق الأقصى بسرعة.

في القرن الثامن عشر، ومع ضعف الدولة العثمانية، وبدايةً من معركة بلاسي عام ١٧٥٧م، تمكن الأوروبيون المسيحيون لأول مرة من السيطرة السياسية والاقتصادية على دولة إسلامية. واعتبر المبشرون المسيحيون ذلك بداية الانتصار العظيم للمسيحية، وظنوا أن الإسلام سيختفي قريباً وتخلف المسيحية مكانه. وبحماس كبير بدأوا بحملات ضد الإسلام ونشر المسيحية. من جهة، كانت شركة الهند الشرقية البريطانية توسع سيطرتها في مناطق أخرى من الهند، ومن جهة أخرى بدأ المبشرون المسيحيون في الوصول إلى الهند. في عام ١٧٩٣م وصل وليام كاري (William Carey)، المبشر المعمداني، إلى كلكتا. وقبل نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت الحملات التبشيرية منظمة بشكل واضح، وأُنشئت عدة بعثات لنشر المسيحية البروتستانتية تحت سيطرة الكنيسة الإنجليزية، منها:

١. جمعية المبشرين المعمدانيين (The Baptist Missionary Society)
٢. جمعية المبشرين الكنسية (The Church Missionary Society)
٣. جمعية المبشرين بلندن (The London Missionary Society)
٤. بعثة الكنيسة الحرة في اسكتلندا (The Free Church of Scotland Mission)
٥. جمعية نشر الإنجيل (Society for the Propagation of the Gospel)

وقد أُنشئت الجمعية البريطانية والخارجية للكتاب المقدس (British and Foreign Bible Society) لدعم هذه الجمعيات والهيئات مالياً وكتابياً وسياسياً. وكان كثير من موظفي شركة الهند الشرقية ومسؤولي الإدارة البريطانية متحمسين جداً لتحويل الهنود المسلمين والهندوس إلى المسيحية بأي طريقة ممكنة، واعتبروا ذلك أمراً مهماً لاستمرار الحكم البريطاني في الهند، ولذلك سعوا لذلك بقوة في إنجلترا. وهكذا بدأ انتشار المسيحية في البنغال والهند بحماس وغلو غير مسبوقين. (د. موهر علي، المصدر، ص. ٦٧-٧١)

توزعت جهود التحويل الديني في عدة اتجاهات، منها: إنشاء عدد لا يحصى من المدارس والمؤسسات التبشيرية، إغلاق المؤسسات التعليمية الإسلامية، مصادرة أوقاف المؤسسات الإسلامية، إزالة التعليم الإسلامي من المناهج الرسمية بحجة العلمانية، إعطاء اللغة الإنجليزية مكانة اللغة الرسمية، تقديم معلومات مشوهة ومعادية للإسلام في مواضيع التاريخ والفلسفة، دعم عملاء مزيفين كغلام أحمد القادياني وغيرهم لتشويه الإسلام، وغيرها. وكان أخطر ما في الأمر تأليف كتب تهجم على الإسلام والقرآن الكريم والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) باللغات البنغالية والأردية والفارسية، وتوزيعها على المسلمين، مع المطالبة العلنية والصريحة بتحويل المسلمين إلى المسيحية، والضغط الشخصي، وإقامة مناظرات علنية مع العلماء المسلمين. (د. مالكابي، المصدر، ١/١٣-١٥)

وبدأ منذ بداية القرن التاسع عشر، في جميع المناطق التي خضعت لنفوذ شركة الهند الشرقية في البنغال والهند، قيام المبشرين المسيحيين بالتجمعات العامة، والتوزيع العلني للكتب، والهجوم على الإسلام في الأسواق والمساجد والمدارس الإسلامية وجميع أماكن التجمع. وقد أدت أكاذيبهم إلى أن انخدع بعض المسلمين في البداية وتحولوا إلى المسيحية، وكان القساوسة يلقبون هؤلاء بألقاب إسلامية مثل "مولوي" و"شيخ" لتعزيز حملاتهم. وأحياناً كان القساوسة يجبرون الناس على اعتناق المسيحية، خصوصاً عندما كان العامة يجهلون الإسلام والمسيحية ولا يستطيعون الرد على الدعاوى. (د. موهر علي، المصدر، ص. ٧٠-٧٧؛ عبد الله إبراهيم أنصاري، المصدر، ٢/٧)

اشتدت الأكاذيب والهجمات على الإسلام بعد قدوم السيد فاندر. ففي العقد الثاني من القرن التاسع عشر، أُنشئت في بازل بسويسرا "المدرسة التبشيرية في بازل" لتدريب المبشرين المسيحيين، حيث كانوا يدرسون اللاهوت المسيحي إلى جانب اللغة العربية والقرآن والدراسات الإسلامية وتاريخ الإسلام. بعد تخرجه عام ١٨٢٥م، عمل كارل غوتاليب فاندر في التبشير في جورجيا الروسية وفارس، وتعلم الفارسية خلالها. وفي عام ١٨٢٩م كتب كتابه "ميزان الحق" باللغة الألمانية، الذي جمع فيه الأكاذيب والتشويهات والهجمات التقليدية ضد الإسلام من قبل القساوسة المسيحيين. نُشر الكتاب بالإنجليزية عام ١٨٣٣م، وترجم إلى الفارسية عام ١٨٣٥م. كما ألف كتابين آخرين بالفرسية هما "مفتاح الأسرار" و"طريق الحياة" بنفس الغرض والطريقة. في عام ١٨٣٥م أوقفت الحكومة الروسية التبشير في جورجيا، فعاد فاندر إلى بازل، ثم جاء إلى الهند عام ١٨٣٩م. ومع وصوله تصاعدت الهجمات ضد الإسلام، وبدأ يوزع كتبه بالأردية والفارسية في أوساط المسلمين الهنود، إلى جانب استمراره في الهجوم الشفهي. (د. موهر علي، المصدر، ص. ٧٧-٨٠)

٤. الشيخ رحمة الله في مواجهة دعايات المبشرين

في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها المسلمون الهنود، كان من بين العلماء المسلمين الذين رفعوا القلم لمقاومة دعايات المبشرين المسيحيين الشيخ رحمة الله. لقد أصابه القلق بسبب انتشار وعمق وشدة دعايات المبشرين المسيحيين. وبعد أن أدرك أهمية هذا الموضوع، تخلى عن مهامه التدريسية وكرّس نفسه لمقاومة المبشرين من خلال الكتابة والخطب والمناظرات. حصل على إتقان استثنائي في هذا المجال من خلال دراسة موسعة للكتب الأصلية المكتوبة بالإنجليزية والعربية والفارسية والأردية المتعلقة بالدين المسيحي.

ساعده في ذلك طبيب مسلم اسمه الدكتور عزير خان، المولود في بيهار، والذي أنهى تعليمه الثانوي في مورشيداباد ببنغلاديش، ثم درس الطب في كلية الطب في كلكتا. خلال تلك الفترة، تأثر بشدة من انتشار نشاطات المبشرين المسيحيين في كلية الطب وفي كل مكان. في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، سافر إلى إنجلترا لمتابعة دراسته الطبية العليا، حيث أتقن الإنجليزية واليونانية. واستغل وجوده في إنجلترا لدراسة العديد من الكتب القيمة المعاصرة للباحثين الإنجليز في الدين المسيحي والكتاب المقدس، وأحضر بعض هذه الكتب معه إلى الهند. ومن بين هذه الكتب:

(١) "مقدمة لدراسة نقدية ومعرفة الكتاب المقدس" من تأليف ت. هـ. هورن.
(٢) "حياة يسوع" من تأليف د. ف. شتراوس.
(٣) "مصداقية تاريخ الإنجيل" من تأليف ناثانييل لاردر.
(٤) "ملاحظات عملية وشرح للكتاب المقدس" من تأليف ج. د. أويلي ور. مانت.
(٥) "تعليق على الكتاب المقدس" من تأليف م. هنري وت. سكوت.

عاد إلى وطنه في عام ١٨٣٢ بعد حصوله على تعليم عالي في لندن. وبعد عودته، بدأ بالتدريس في كلية الطب في أغرا في علم العقاقير. تأثر بشدة بجهود الشيخ رحمة الله في مقاومة دعايات المبشرين، وقدم له المساعدة من خلال تزويده بالمعلومات والكتب التي جمعها، مما أغنى معرفة الشيخ رحمة الله. بدأ الشيخ رحمة الله في تأليف العديد من الكتب الأصلية باللغة الأردية والفارسية والعربية بين عامي ١٨٥٢ و١٨٥٧، أي خلال خمس سنوات، للدفاع ضد دعايات المبشرين. تؤكد مؤلفاته على عمق واتساع معرفته في الدراسات المقارنة للدين، وخاصة فيما يتعلق بالدين اليهودي والمسيحي، وكان بلا شك من أبرز الخبراء في هذا المجال في العالم الإسلامي. (د. مهر علي، المصدر المذكور، ص. ٨٠-٨٢)

بجانب الجهود الكتابية، أسس مركز تدريب لتأهيل الدعاة المسلمين لمواجهة أنشطة المبشرين المسيحيين. خرج من هذا المركز دعاة تلقوا التدريب وساهموا فيما بعد بشكل بارز في مقاومة دعايات المبشرين وفي الثورة الهندية الأولى وفي أنشطة الدعوة الإسلامية المختلفة. كما كان يسعى إلى توعية الناس من خلال الخطب والنقاشات.

بالإضافة إلى هذه الخدمات، تبنى طريقة المناظرة العلنية لصد دعايات القساوسة المسيحيين. كان المبشرون المسيحيون متعجرفين تجاه المعرفة الإسلامية والمسيحية، وكانوا يروجون علنًا أمام المسلمين من جميع الطبقات أن علماء المسلمين لا يجرؤون على مناظرتهم، وأنهم لا يستطيعون الفوز في أي مناظرة، وأنه لا يوجد عالم مسلم لديه القدرة على الوقوف أمامهم... وهكذا. كان لهذه الدعايات تأثير سلبي عميق على عامة المسلمين. أدرك الشيخ رحمة الله أن الطريقة الأكثر فعالية لإزالة هذا التأثير السلبي هي المناظرة العلنية. لذلك، وجه دعوة رسمية عبر الرسائل إلى كل القساوسة والدعاة البارزين في الهند، ومن بينهم السيد فاندر، لتحديهم. دخل في مناظرات علنية عديدة معهم وحقق فيها النصر. ومن أشهر وأهم هذه المناظرات كانت مناظرته مع السيد فاندر. (د. مهر علي، المصدر المذكور، ص. ٨٠؛ د. ملكاوي، المصدر المذكور، ١/٣٤-٣٥؛ عبد الله إبراهيم الأنصاري، المصدر المذكور ٢/٨)

كان السيد فاندَر يعمل في نشر الدين المسيحي في أغرا وجميع مناطق شمال الهند التي كانت تحت السيطرة الإنجليزية. كان يشنّ حملات علنية ضد الإسلام في الأسواق، والمساجد، والمدارس الدينية، وفي التجمعات العامة المختلفة، وكان يطالب المسلمين العاديين بقوة اعتناق الدين المسيحي. قام العلامة رحمة الله بدعوته للمشاركة في مناظرة علنية عبر رسالة خطية. بدأ تبادل الرسائل بينهما في 23 مارس 1854م وانتهى في 8 أبريل من نفس العام، وتم اتخاذ قرار نهائي بشأن المناظرة.

من مراسلات السيد فاندر يتضح أنه كان مترددًا في البداية، وحاول تفادي المناظرة بوضع شروط صعبة، من بينها: إذا خسر الطرف، عليه أن يعتنق دين الطرف الآخر. إذا لم يستطع السيد فاندر الإجابة على الأسئلة، فسيعتنق الإسلام، وإذا لم يستطع العلامة رحمة الله الإجابة، فسيتبنى المسيحية. وافق رحمة الله على جميع الشروط وأبدى رغبته في المشاركة.

تم اتخاذ القرار النهائي ببدء المناظرة بحضور السيد فاندر وبمساعدة القس ت. ف. فرينش (T. V. French)، الذي درس في جامعة أكسفورد وجاء إلى الهند للعمل في الحركة التبشيرية وكان يعمل مع السيد فاندر في أغرا. وكان الدكتور عُزير خان يساعد العلامة رحمة الله.

قرر الطرفان أن تبدأ المناظرة في ساحة مدرسة التبشير المسيحية في أغباراباد أو أغرا يوم الإثنين 10 أبريل 1854م، وتتناول الموضوعات الخمسة التالية:

  1. إبطال الأحكام السابقة بسبب ظهور الإسلام

  2. تحريف الإنجيل

  3. ألوهية يسوع والمثالثية

  4. معجزات القرآن

  5. نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم)

تم اختيار خمسة قضاة للفصل في المناظرة، ثلاثة من المسيحيين واثنان من المسلمين:

  1. القاضي الإنجليزي في محكمة أغرا العليا، السيد موزلي سميث (Mosley Smith)

  2. سكرتير خزينة الولاية، السيد جورج كريستيان (George Christian)

  3. سكرتير حاكم أغرا، السيد وليم موير (William Muir)

  4. المفتي رياض الدين

  5. محرر صحيفة الأوردو في أغرا، المنشّي خادم علي

بدأت المناظرة في الوقت والمكان المحددين بحضور أكثر من خمسمائة مسلم وهندي ومسؤولين وصحفيين من شركة الهند الشرقية البريطانية. كان موضوع اليوم الأول "الإبطال والتحريف". يدّعي القساوسة دائمًا أن كلام الله لا يمكن إبطاله أو تغييره، وأن الأحكام التي شرعها الله لا يمكن أن تُلغى، لأن ذلك يُعد دليلاً على جهل الله. أما المسلمون فيعتقدون أن أحكام الشرائع السابقة يمكن إبطالها بأحكام الشرائع اللاحقة، وهذا ليس جهلاً بل إكمالاً. لا يُبطَل الإيمان أو الأخبار أو المعتقدات، لكن من الممكن إلغاء الأحكام المتعلقة بالأحكام العملية حسب مقتضيات الزمن والمجتمع.

خلال النقاش، تفوق العلامة رحمة الله والدكتور عزير خان بوضوح، وأثبتا من خلال معتقدات المسيحيين واقتباسات الإنجيل أن الأحكام الإلهية السابقة قد أُبطلت بواسطة الأحكام اللاحقة. في مرحلة ما، صمت السيد فاندر والسيد فرينش ووصفوا الإبطال بأنه "تكملة". حينها قال الدكتور عزير خان: "عموماً، أيها القساوسة، وخاصة أنت يا سيد فاندر، في كتابك ‘ميزان الحق’ تدعي أن أحكام الله لا يمكن إبطالها، والآن ثبت أن ذلك ممكن وقد حدث بالفعل. وبإثبات نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) ثبت أيضًا إبطال أحكام الإنجيل." فشل السيد فاندر ورفيقه في الرد على هذه الأدلة. وأثناء ذروة اليأس اعترف السيد فاندر بإمكانية الإبطال قائلاً: "في رأينا، الإمكانية شيء والواقع شيء آخر."

(المصدر: د. مهر علي، المرجع ص. 80-82)

ثم بدأ الطرفان في مناقشة موضوع "التحريف". قدم الشيخ رحمته الله ورفيقه أدلة مؤكدة على وقوع التحريف في مواضع مختلفة من الإنجيل. في مرحلة ما اضطر السيد فاندر للاعتراف بأن هناك تحريفًا في بعض أجزاء الإنجيل. أقروا علنًا أن هناك سبعة أمور أساسية تم إدخال التحريف والتزوير عليها في النص الأصلي للإنجيل. ومن بينها الدليل الرئيسي على التثليث في رسالة يوحنا الأولى، الإصحاح الخامس، الآيات 7-8، حيث قيل:

"For there are three that bear record in heaven, the Father, the Word, and the Holy Ghost; and these three are one. 8. And there are three that bear witness in earth, the spirit, and the water, and the blood: and these three agree in one."

"لأنه هناك ثلاثة يشهدون في السماء: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد. ٨ وهناك ثلاثة يشهدون على الأرض: الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة يتفقون في واحد."

وقد أقروا أن هذه الكلمات مزورة ومضافة لاحقًا.

كما أقروا أيضًا بأن هناك أكثر من 40,000 خطأ ناسخ (erratum) واختلافات في القراءات في الإنجيل، بحيث لم يعد من الممكن معرفة النص الأصلي في تلك المواضع. وقالوا أيضًا أن عدد هذه الأخطاء قد يتجاوز مائة وخمسين ألفًا حسب بعض الباحثين. ومع ذلك، ادعى السيد فاندر أن هذه التحريفات الجزئية لا تلغي صحة الإنجيل ككل ولا تفسد قبوله.

في هذه المرحلة، طلب الحاضرون رأي القضاة. فقال المفتي رياض الدين: "إذا ثبت تزوير أو تحريف أجزاء من أي وثيقة، فيعتبر النص كاملاً غير مقبول قانونيًا وباطل." ثم سأل الحاضرون القاضي الإنجليزي، السيد موسلي سميث، عن رأيه، لكنه أبقى صمته ولم يدل بأي تعليق. وهكذا انكشف الحق للحاضرين، وتحقق برهان كلام الشيخ رحمته الله، وانتهى نقاش اليوم الأول.

انتشرت أخبار هزيمة القساوسة في النقاش بين المسلمين، مما أثار حماسة واسعة في الجمهور المسلم، فحضر أكثر من ألف شخص في اليوم الثاني للنقاش.

في بداية اليوم الثاني، فشل السيد فاندر ورفيقه في تقديم أي معلومات جديدة، بل اعترفوا مرارًا وتكرارًا بوجود آلاف الأخطاء الناسخة واختلافات القراءات والتغيرات والإضافات في الإنجيل، سواء عمدية أو غير عمدية. كما ادعوا أن هذه التغييرات لم تؤثر على تعاليم الإنجيل الأصلية مثل ألوهية المسيح، التثليث، أو كفارة خطايا البشرية بدم المسيح.

وفي هذه المرحلة، قال أحد العلماء المسلمين للسيد فاندر: "الأمر المدهش هو أن هناك تحريفًا في الكتاب، ولكن هذا لا يثبت أن الكتاب معيب أو ناقص!"

فقال الشيخ رحمته الله: "الفرق بيننا وبين السيد فاندر في مجرد لفظ. نحن قلنا أن كلمات الله المنزل في الإنجيل قد تم تغييرها، أو زيادتها، أو تحريفها في بعض المواضع. وأنت تعترف بهذا ولكن تسميها أخطاء ناسخ. وأنتم تقولون أن هذه الأخطاء لا تفسد صحة الكتاب أو تجعله ناقصًا."

ثم قال الشيخ رحمته الله: "مهمتنا انتهت هنا. لقد أثبتنا وجود التحريف في الإنجيل، وأن أي قول في الإنجيل لا يمكن قبوله كحقيقة أو كلام الله إلا بعد التحقق من كونه غير محرف. الآن مسؤولية السيد فاندر والسيد فرنش أن يثبتوا أن ما في الإنجيل غير محرف."

في نهاية اليوم الثاني، أصبح السيد فاندر خائفًا وقرر إغلاق باب النقاش، رغم أن الأطراف اتفقت مسبقًا على مناقشة خمسة مواضيع.

لكنه وضع شرطًا جديدًا على الشيخ رحمته الله، وهو أنه لن يحضر النقاش المقبل إلا إذا اعترف الشيخ أن النصوص الأصلية في العهدين القديم والجديد خالية من التحريف، وخاصة أن جميع أقوال الإنجيل حول ألوهية المسيح والتثليث صحيحة وغير محرفة.

وقال إنه لا يمكن التحدث في هذا الموضوع بالعقل أو المنطق، بل يجب قبول كل ما في الإنجيل حرفيًا كحقيقة.

فأجاب الشيخ رحمته الله: "لقد أثبتنا وجود التحريف والتزوير في الإنجيل، وأنتم اعترفتم بأن النص الأصلي تحرف في 7 أو 8 مواضع، كما اعترفتم بأكثر من 40,000 خطأ ناسخ. ما تسميه أنت أخطاء ناسخ نسميه نحن تحريف. إذن اتفقنا في المبدأ. فكيف يمكنكم بعد ذلك أن تقولوا إن النص الأصلي في الإنجيل غير محرف؟"

كان الهدف الوحيد من تقديم هذا الشرط الغريب هو أن يحمي السيد فاندر نفسه من الإذلال أمام الجميع أثناء المناظرة مع الشيخ رحمه الله. وقد فهم الشيخ رحمه الله هدف هذا الشرط الغريب. ولهذا قال في نهاية اليوم الثاني من المناظرة إنه مستعد للحضور للنقاش مع السيد فاندر لمدة شهرين متتاليين. في هذه الحالة، لم يبق لدى السيد فاندر ورفيقه أي شيء ليقولوه، واضطروا إلى الصمت التام. (الدكتور المالكاوي، المرجع نفسه، 1/34-36؛ الدكتور مهر علي، المرجع نفسه، ص. 82).

تم تنظيم تسجيل فوري لتفاصيل مجريات المناظرة. كان السيد عبد الله أكبرآبادي مترجم الدولة التابع للسلطات البريطانية. حضر يومي المناظرة وسجل التفاصيل بالكامل باللغة الأردية. نشرها على جزأين. في الجزء الأول جمع المراسلات التي جرت بين الشيخ رحمه الله والقساوسة قبل وبعد المناظرة باللغة الفارسية، وأطلق عليه اسم "المراسلات الدينية". أما الجزء الثاني، فقد دوّن مجريات اليومين بالكامل باللغة الأردية، وأسماه "المناظرات الدينية"، ثم ترجم هذا الجزء إلى الفارسية أيضاً. وبعد فترة وجيزة من المناظرة، نُشرت هاتان المؤلفتان في أغرا في سنة 1270 هـ (1854 م).

كما حضر العالم الشيخ عزير الدين ابن شرف الدين هذه المناظرة، ودوّن تفاصيلها على مدى يومين باللغة الفارسية، وجمع كذلك المراسلات التي جرت بين الطرفين قبل وبعد المناظرة. سماه كتابه "الباحث الشريف في إثبات النسخ والتحريف". أمر الأمير ميرى فخر الدين ابن سراج الدين بهادر شاه، نجل الإمبراطور المغولي البهادر شاه، بطباعة هذا الكتاب ونشره. وتم طباعته في مطبعة "فخر المطابع" بدلهي سنة 1270 هـ (1854 م).

بعد الهزيمة العلنية للسيد فاندر أمام آلاف الناس، لجأ إلى الكذب ليغطي على ذلك. أعد بياناً لتفاصيل هذه المناظرة التي استمرت يومين، وأضاف في هذا البيان الكثير من الحذف والإضافة على كلمات الطرفين، وصدّره في عام 1855 م ووزعه في عدة أماكن في الهند، خاصة في الأماكن التي لم يحضر فيها الناس المناظرة. ولهذا السبب، أضاف السيد عبد الله أكبرآبادي شهادات وتوقيعات الحاضرين مع كتابه. وبالمثل، أرفق الشيخ عزير الدين ابن فخر الدين مراجعة على تحريفات فاندر مع كتابه "الباحث الشريف" مع شهادات وتوقيعات الحاضرين. (الدكتور المالكاوي، المرجع نفسه، 1/35-36).

٥. حرب الاستقلال الهندية عام 1857 وهجرة الشيخ رحمة الله

بعد ثلاث سنوات فقط من عقد المناظرة، بدأت أول حرب استقلال للهند في عام 1857 والمعروفة بثورة السيباهي. في الواقع، من أبرز صفات الكهنة المسيحيين والكنيسة المسيحية هي عدم التسامح مع الأديان الأخرى، وإظهار العداء تجاهها، والإكراه على تغيير الدين، وقتل أتباع الديانات الأخرى، والتعذيب أو الحرق وهم أحياء. منذ أن منح الإمبراطور الروماني قسطنطين (312-337 م) المسيحية المكانة الرسمية، وحتى العصر الحديث، يعتبر التاريخ المسيحي الممتد لما يقرب من ألفي سنة تاريخًا دمويًا من العنف الديني. لقد أظهر الكهنة المسيحيون والكنيسة دائمًا "عدم التسامح المطلق" تجاه الأديان الأخرى وحتى المسيحيين المختلفين في العقيدة. وحتى بعد تأسيس "العلمانية" في أوروبا، حاول الأوروبيون بكل الوسائل فرض تغيير الدين بالقوة في المستعمرات التي أسسوها تحت ذرائع مختلفة. لقد أبدوا العداء تجاه الأديان الأخرى باسم نشر الإنجيل، وحاولوا القضاء على كل الأديان الأخرى والعقائد المختلفة واعتبروها "هرطقة". (د. خوندكار عبد الله جهانجير، الأديان وتمثيلها، دكا، ذا إندبندنت، 22/11/2006، ص 7)

تاريخ الاستعمار البريطاني للهند مرتبط بنفس السياق. من بداية القرن التاسع عشر وحتى أكثر من نصف قرن، قام الحكام والمبشرون المسيحيون بإظهار العداء تجاه الإسلام والهندوسية، والإساءة إلى المشاعر الدينية، ومحاولات الإكراه أو التلاعب لتغيير الدين. وكان هذا السبب الرئيسي لاندلاع أول حرب استقلال هندية عام 1857 (ثورة السيباهي). (د. موهر علي، المرجع نفسه، ص 83) وكان العلامة رحمة الله كيرانبي من أبرز قادة هذه الثورة. تمكنت السلطات البريطانية من قمع الثورة بقسوة وحشية. وبعد قمع الثوار، قتلت بلا رحمة العديد من العلماء والمسلمين الأبرياء تحت مسميات المحاكمات. كما سجنوا الكثيرين ونفوا آخرين إلى أندامان. أصبحوا متحمسين جدًا لمعاقبة الشيخ رحمة الله، وأعلنوا مكافأة قدرها ألف روبية لمن يلقمه. وكان هذا مبلغًا كبيرًا في ذلك الوقت. كما صادروا ممتلكاته وباعوها بالمزاد العلني بمبلغ 1420 روبية. علاوة على ذلك، أعلنوا حظر نشر وطباعة وجمع وقراءة جميع مؤلفاته، واعتبروا ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. (د. المالكاوي، المرجع نفسه، 1/21؛ د. موهر علي، المرجع نفسه، ص 83)

يثبت هذا الأمر في النهاية أن الغضب البريطاني من رحمة الله كان في الأصل غضبًا دينيًا. رغم أن رحمة الله شارك في حرب الاستقلال، لم يكتب عنها شيئًا. كانت كتاباته موجهة أساسًا ضد التشويه الذي قام به الكهنة المسيحيون. في الواقع، كانت السلطات البريطانية تريد أن تخمد صوت رحمة الله إلى الأبد بذريعة الثورة ضد افتراءات الكهنة المسيحيين وتزويرهم. لكن مشيئة الله كانت مختلفة.

اختفى الشيخ رحمة الله هاربًا وهاجر إلى مكة عبر اليمن. وصل إلى مكة في عام 1858 م (1274 هـ) بعد حرب الاستقلال. بعد أيام قليلة، تعرف كبار العلماء في مكة، من بينهم الإمام الشيخ أحمد يني دهلوي، وشريف مكة عبد الله بن عون، وغيرهم من العلماء والشخصيات البارزة، على الشيخ رحمة الله. ورحبوا به بصدق وسمحوا له بالتدريس في المسجد الحرام. (عبد الله إبراهيم أنصاري، المرجع 2/11-12؛ د. المالكاوي، المرجع 1/21)

6. رحلة إسطنبول وتأليف "إظهار الحق"

كان القس الدكتور فاندر متكبراً جداً حول معرفته بالدين المسيحي والإسلام، وكذلك حول كتبه التي ألفها مثل "ميزان الحق" وغيرها. لقد أثارت أقواله الكبيرة إعجاب الحكام الإنجليز والمبشرين المسيحيين في الهند. كانوا يظنون أن السيد فاندر لا جواب له حقاً، ولا يوجد عالم مسلم يستطيع الوقوف أمامه. ولهذا كان لديهم احترام خاص وتقدير وحب له، ونظموا المناظرات بحماس شديد لرؤية انتصاره المؤكد. لكن في المناظرة هُزموا أمام الشيخ رحمت الله واعترفوا علناً بأن الإنجيل يحتوي على بعض التحريف والتزوير، رغم أنه أكد أن المعنى الأساسي للكتاب المقدس لم يتغير بسبب هذه التحريفات، لكن هذا لم يرضِ المسيحيين الحاضرين. أصبح السيد فاندر غير مقبول في المجتمع المسيحي الهندي. ثم عاد إلى أوروبا، وبعد فترة في ألمانيا وسويسرا وإنجلترا، أرسله الكنيسة إلى إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، مركز الخلافة الإسلامية آنذاك، لنشر المسيحية. وصل إلى تركيا عام 1858م. (د. مالكابي، المصدر السابق، 1/43؛ د. محرز علي، المصدر السابق، ص 82، رومية 3/7).

كان بولس الرسول، مؤسس المسيحية الثلاثية، يعلم ويقر بأنه كان يكذب لأجل مجد الله. قال:
"For if the truth of God hath more abounded through my lie unto his glory; why yet am I also judged as a sinner?"
"فإن كانت حقيقة الله قد ازدادت من خلال كذبي لمجده، فلماذا أُدان أنا أيضاً كخاطئ؟"
استناداً إلى هذا المبدأ، اعتبر بعض آباء الكنيسة تحريف الإنجيل "عملاً صالحاً" من أجل إظهار الحق أو مجد الله. في كتاب "إظهار الحق" سترى القارئ العديد من الأمثلة على هذا النوع من التحريف والكذب من قبل آباء الكنيسة.

اتبع القس الدكتور فاندر نفس المنهج، فاستعمل الكذب "لمجد الله" و"لجعل كلام الله مقبولاً بين الناس". وكان يروج في تركيا بين المسلمين أنه هزم شيخ رحمت الله وغيره من العلماء الهنود في المناظرات العلنية، وأن المسلمين في الهند اعتنقوا المسيحية بالجماعات، وأن المساجد تحولت إلى كنائس. ولهذا يجب على المسلمين في تركيا اتباع مثال المسلمين الهنود واعتناق المسيحية بالجماعات. وكان ينشر هذه الأكاذيب في أماكن مختلفة في تركيا بألوان متعددة. (د. مالكابي، المصدر السابق، 1/43؛ د. محرز علي، المصدر السابق، ص 83).

تأثر المسلمون العاديون في تركيا، بل حتى الخليفة عبد العزيز خان (تولى الحكم 1277-1293 هـ / 1860-1876 م) بهذا الأمر، وأمر مسؤول مكة بجمع معلومات دقيقة من الحجاج الهنود، خاصة عن مناظرة السيد فاندر مع شيخ رحمت الله. أُبلغ الخليفة أن شيخ رحمت الله موجود في مكة، فوجه بإرسال الشيخ ضيفاً رسمياً مكرماً إلى إسطنبول. وصل شيخ رحمت الله إلى تركيا أواخر ديسمبر 1863م (رجب 1280 هـ). وبعد أيام قليلة من وصوله، هرب الدكتور فاندر من تركيا خفية عن الجميع، ثم توفي في لندن في ديسمبر 1865م. (د. محرز علي، المصدر السابق، ص 84؛ د. مالكابي، المصدر السابق، 1/43-44).

يحاول بعض القساوسة المسيحيين تزييف هذه الحقيقة المخزية عن هروب الدكتور فاندر. فذكر القس العربي السيد باراكة في كتاب "راية الصليب" أن السلطان عبد العزيز طلب من فاندر الجلوس في مناظرة مع شيخ رحمت الله في تركيا، لكن فاندر توفي قبل وصول الشيخ. من المعلومات السابقة يتضح كذب هذا الادعاء. في الحقيقة توفي فاندر بعد سنتين من وصول شيخ رحمت الله إلى تركيا، وهاجر فاندر في يناير 1864م بعيد وصول الشيخ بفترة قصيرة. هرب فاندر ليجنب نفسه الذل والهزيمة في المناظرة. (د. مالكابي، المصدر السابق، 1/44).

استقبل السلطان عبد العزيز خان شيخ رحمت الله بتكريم عظيم، وطلب منه في حضور كبار الموظفين والعلماء أن يشرح لهم حركة الاستقلال الهندية، ووحشية المسيحيين ضد المسلمين، وحالة الإفك المسيحي، ودور علماء المسلمين في مواجهة هذه الأكاذيب، وخاصة مناظرة الشيخ مع السيد فاندر. وبعد سماع كل ذلك، غضب السلطان من المبشرين المسيحيين، وقرر حظر نشاطهم وإغلاق مراكزهم في تركيا.

على النقيض من ذلك، ازداد احترام السلطان للشيخ رحمه الله. فقد كان رئيس الوزراء خير الدين باشا التونسي، والشيخ الإسلام مفتي الدولة السيد أحمد أسعد المدني، وغيرهم من كبار المسؤولين الحكوميين يرافقونه تقريباً يومياً بعد صلاة العشاء للقاء الشيخ رحمه الله. واعترافاً بجهوده في نشر الإسلام وصد الشائعات المعادية للإسلام، منح السلطان له لقب الدولة التركي "بسام مجيدي" وميدالية، وخصص له راتباً شهرياً مقداره خمسمائة عملة ذهبية تركية. والأهم من ذلك، عينه عضواً في مجلس إدارة شؤون مكة المكرمة.

وفي مجال الدراسات المقارنة للأديان، ولا سيما التحليل النظري للمسيحية، تقديراً لمعرفة الشيخ رحمه الله الفريدة، طلب منه السلطان عبد العزيز خان ورئيس الوزراء خير الدين باشا تأليف كتاب أصلي وموثق في هذا المجال. وطلبوا منه أن يبقى في تركيا كمقيم رسمي للدولة طوال مدة تأليفه للكتاب. وقد سبق أن طلب الإمام العلامة السيد أحمد يني الدهلاني، أحد علماء مكة وإمام المسجد الحرام، منه ذلك. بناءً على هذه الطلبات، شرع الشيخ رحمه الله في تأليف الكتاب في 16 من رجب سنة 1280 هـ (26/12/1863 م). وفي نهاية شهر ذي الحجة من نفس السنة (بداية يونيو 1864 م)، أنهى هذا الكتاب القيّم خلال ستة أشهر فقط.

بعد الانتهاء من تأليف الكتاب، سلّم النسخة العربية المكتوبة بخط اليد لرئيس الوزراء خير الدين باشا. قرأ رئيس الوزراء المقدمة ولاحظ أن اسم الإمام العلامة السيد أحمد بن يني الدهلاني، الذي طلب تأليف الكتاب، مذكور فيها، لكن أسماء السلطان أو رئيس الوزراء لم تُذكر. فسأله متعجباً: "أنا والخليفة طلبنا منك، فلماذا لم تذكر أسمائنا؟ ليس من أجل المدح أو الظهور، ولكن على الأقل يجب ذكر اسم الخليفة للاعتراف بمساهمته." أجابه الشيخ رحمه الله قائلاً: "موضوع هذا الكتاب ديني حساس جداً، ويجب أن يتم العمل فيه لوجه الله وحده. لذلك، من الأفضل عدم ذكر أسماء الخلفاء أو الحكام أو الوزراء أو مدحهم. كما أن العلامة الدهلاني هو أول من شجعني على الكتابة في هذا الموضوع، لذا ذكرت اسمه فقط." وقد سرّ رئيس الوزراء والسلطان كثيراً بهذه الصراحة، مما زاد من مكانة الشيخ رحمه الله في أعينهم.

وبأمر السلطان، تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لطباعة ونشر الكتاب بسرعة. كما أمر السلطان بترجمة الكتاب إلى عدة لغات أوروبية، حيث تم تنظيم ترجمته إلى تسع لغات منها الألمانية والفرنسية والإنجليزية والتركية.

كان للشيخ العلامة رحمه الله محبة وولاء كبيران من السلطان التركي عبد العزيز خان (حكم: 1277-1293 هـ / 1860-1876 م) والسلطان عبد الحميد الثاني (حكم: 1293-1328 هـ / 1876-1910 م). وقد طلبا منه الإقامة الدائمة في إسطنبول بمكانة رسمية. لكن الشيخ رحمه الله كان يفضل خدمة العلم الإسلامي في مكة المكرمة على المناصب الرسمية في عاصمة الخلافة، فأعلن عدم قدرته على الإقامة في إسطنبول وعاد إلى مكة. بعد أول زيارة له في 1863-1864، قام بعدة زيارات أخرى إلى تركيا كمقيم رسمي للدولة. كما منح الخليفة عبد الحميد الثاني الشيخ رحمه الله العديد من الأوسمة والهدايا والتكريمات، وأطلق عليه لقب "عماد الحرمين الشريفين"، وأهداه سيفاً من ذهب خالص مكتوب عليه عبارات مدح.

٧. تأسيس أول مدرسة في شبه الجزيرة العربية
في ذلك الوقت، كانت منظومة التعليم في شبه الجزيرة العربية متخلفة مقارنة بنظام التعليم الإسلامي في الهند. كان نظام التعليم في الجزيرة العربية يعتمد بشكل أساسي على المساجد. لم يكن هناك أي "مدرسة" أو "معهد" منظّم ومنهجي في شبه الجزيرة العربية عدا بعض حلقات التدريس في المساجد التي كانت تقتصر على قراءة بعض الكتب. ولم يكن هناك منهج دراسي محدد لتلك الحلقات التعليمية القائمة على المساجد. كان العلماء يدرسون بعض الكتب مع الطلاب المهتمين.

كان ضعف منظومة التعليم في مكة المكرمة، أرض الحجاز المقدسة، يزعج و يقلق الشيخ رحمت الله. فسعى جاهداً لمعالجة هذا النقص. بمبادرته الشخصية، أسس في شهر ربيع الأول عام 1285 هـ (يوليو 1868 م) مدرسة في بيت أحد الأشخاص المرموقين من الهنود في مكة. كانت المدرسة تعرف آنذاك باسم "المدرسة الهندية" (المدرسة الهندية) وأيضاً "مدرسة الشيخ رحمت الله" أو "مدرسة رحمت الله".

بسبب ضيق المكان، لم يستطع الشيخ رحمت الله تطوير المدرسة بالشكل المناسب. وفي هذه الظروف، وصلت إلى مكة في عام 1289 هـ (1873 م) امرأة بُغالية غنية تُدعى صولت النساء بيغوم لأداء فريضة الحج. وكان الشيخ رحمت الله هو أشهر العلماء الهنود المقيمين في مكة حينها. طلبت هذه السيدة من الشيخ رحمت الله مساعدتها في إنشاء مسافر خانة أو رباط للفقراء الحجاج. فشجعها الشيخ رحمت الله على إنشاء مدرسة بدلاً من ذلك.

وافقت السيدة على هذا المقترح، ووكّلت الشيخ رحمت الله مسؤولية إنشاء المدرسة. بشرط دعمها، اشترى الشيخ رحمت الله الأرض اللازمة ونقل المدرسة إلى ذلك الموقع. في يوم الأربعاء 15 شعبان 1290 هـ (8 أكتوبر 1873 م) تم افتتاح المدرسة في المبنى الجديد. وبناءً على اسم المتبرعة، سماها الشيخ رحمت الله "المدرسة الصولتية".

ظل الشيخ رحمت الله مديراً ومعلماً رئيسياً للمدرسة طوال ما يقارب العقدين من الزمن حتى وفاته.

كانت هذه المدرسة أول مدرسة في مكة، ولم تكن فقط مكة أو الحجاز، بل كانت أول مدرسة نظامية في تاريخ شبه الجزيرة العربية كلها، وفي تاريخ السعودية الحالية أيضاً.

كان لإسهام هذه المدرسة في تاريخ التعليم والحضارة في شبه الجزيرة العربية، وخاصة في تاريخ نشر التعليم في مكة والحجاز، أثر لا يُنسى ولا يُضاهى. واستمرت هذه المدرسة مركزاً رئيسياً للتعليم والحركة التعليمية في الحجاز والسعودية لأكثر من نصف قرن لاحقاً.

٨. الوفاة
رغب الحاكمون الإنجليز في الهند والمبشرون المسيحيون في إسكات صوت الشيخ رحمت الله. لقد حققوا انتصارات عسكرية مؤقتة وظنوا أنهم من خلالها سيتمكنون من إيقافه. لكن مشيئة الله كانت مختلفة. حفظ الله هذا المجاهد العظيم باللسان والقلم والسيف، وأكرمه دينيًا وسياسيًا واجتماعيًا كأحد أعظم العلماء في العالم الإسلامي آنذاك، ومنحه حياة طويلة مليئة بالعمل.

بعد مساهماته المتعددة التي لا تُنسى في نشر التعليم، والدعوة إلى الإسلام، وردع الحملات المسيحية الكاذبة، وخدمة الإسلام بصورة عامة، توفي عن عمر يناهز حوالي 75 عامًا في يوم الجمعة 22 رمضان 1308 هـ (1 مايو 1891 م) في مكة المكرمة، ودُفن في مقبرة المعلاة بالقرب من قبر أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها.

(د. مهر علي، المصدر، ص. 84؛ د. ملكاوي، المصدر، 1/21؛ عبد الله إبراهيم الأنصاري، المصدر 2/22-23)

٩. المؤلفات
كان العلامة رحمة الله يسافر في مناطق مختلفة من الهند لإلقاء المحاضرات العامة والتواصل الجماهيري لمواجهة دعاية القساوسة المسيحيين. كما كان يعمل على تدريب الدعاة. بالإضافة إلى هذه الأعمال، ألف العديد من الكتب القيمة، منها بعض الكتب التي كانت تتمحور حول العقيدة الإسلامية والفقه.

على سبيل المثال، ترجم إلى العربية كتاب "التحف الاثنا عشرية" الفارسي الذي ألفه العالم الهندي الشهير عبد العزيز المحدث الدهلوي (1746-1824م / 1159-1239هـ) والذي كان يهدف إلى تفنيد عقيدة الشيعة أو تضليلهم في الدين، كما كتب كتيباً حول رفع اليدين في الصلاة.

وأثناء إقامته في تركيا، بعد تأليف كتاب "إظهار الحق"، ألف كتاباً بعنوان "التنبيهات في إثبات الاحتياج إلى البعث والحق والجزاء" الذي يناقش فيه انحرافات الملحدين وإنكارهم للبعث في المجتمع المسلم التركي، ويدافع عن عقيدة المعاد.

المؤلفات المتبقية للعلامة رحمة الله كانت في الغالب للرد على دعاية القساوسة المسيحيين وتفنيد كتبهم المضللة. من بين هذه الكتب:

(1) إزالة الأوهام: كتاب بالفارسية ألفه الشيخ رحمة الله لتفنيد دعاية القساوسة المضللة. نُشر في دلهي سنة 1269هـ (1853م) وعدد صفحاته 564 صفحة. قام الشيخ نور محمد بترجمته إلى الأردية وسماه "دفع الأوسام".

(2) إزالة الشكوك: كتاب بالأردية أجاب فيه على أسئلة القساوسة المسيحيين. نُشر في سنة 1268هـ (1852م) وبلغ 1116 صفحة في جزأين. أثبت فيه نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وتحريف الإنجيل بالأدلة القاطعة.

(3) الإعجاز العيسوي: كتاب بالأردية ألفه في أجراء سنة 1270هـ (1853-1854م) ونُشر في 1271هـ (1854م)، بطول 773 صفحة، يثبت تحريف الإنجيل وبطلان كثير من أحكامه.

(4) أحسن الأحاديث في إبطال التثليث: كتاب ألفه سنة 1271هـ (1854م) يثبت بطلان التثليث باستخدام العقل والنقل.

(5) البرق اللامع: كتاب بالعربية يثبت بنصوص من العهدين القديم والجديد أن محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الأعظم والأخير. لم يُنشر الكتاب.

بعد حرب استقلال الهند، قام الإنجليز بمصادرة ممتلكات الشيخ رحمة الله وبيعها بالمزاد، ومنعوا قراءة ونشر وحيازة كتبه، مما أدى إلى فقدان عدة مخطوطات ثمينة، منها هذا الكتاب.

(٦) مُعَدِّلُ الإِعْوِجَاجِ فِي الْمِيزَانِ (مصحح انحناء الميزان). كتب هذا الكتاب باللغة الأردية. سبق وأن ذكرتُ كتاب الدكتور فاندر بعنوان «ميزان الحق» (مِيزَانُ الحَقِّ) وهو أخطر وأشد الكتب التي كتبها الرهبان ضد الإسلام. هذا الكتاب مليء بالكذب المتعمد وتشويه الحقائق. نُشر أول إصدار إنجليزي له عام 1833، ثم نشر ترجمته الفارسية عام 1835، وبعدها ظهرت ترجمته الأردية. اعتمد الرهبان في الهند على هذا الكتاب أساساً لنشر المسيحية والهجوم على الإسلام. بعض العلماء المسلمين في الهند كتبوا في نقد الأكاذيب والتحريفات في هذا الكتاب، منهم الشيخ أبو منصور الدهلوي في كتابه «ميزان الميزان»، والشيخ محمد الحسن في «الإستيفصار»، والشيخ رحمة الله في «إزالة الأوهام». بسبب هذه الانتقادات، أصبح فاندر حذراً وعدّل بعض معلومات كتابه وأعاد ترتيبه، ونشر الطبعة الفارسية الجديدة في أغرا عام 1849، والطبعة الأردية عام 1850. رغم التعديل، لم يتغير محتوى الكتاب ومزوراته كثيراً، لكن تغيرت اللغة والترتيب. لذلك عند مقارنة «الإستيفصار» أو «إزالة الأوهام» مع كتاب «ميزان الحق»، لن يجد القارئ تطابقاً في الصفحات أو الفصول أو الجمل، فيظن أن الحسن أو رحمة الله كتبوا ضد الكتاب بدون قراءته. لهذا السبب كتب الشيخ رحمة الله هذا الكتاب تحت عنوان «مُعَدِّلُ الإِعْوِجَاجِ فِي الْمِيزَانِ» أي «مصحح انحناء الميزان» لكشف التشويش والكذب في الطبعة الجديدة. بسبب حرب الاستقلال، لم يتمكن الشيخ رحمة الله من طباعة الكتاب، وضاعت النسخة المخطوطة في ذلك الوقت.

(٧) تَكْلِيبُ الْمَطَاعِينِ (رد على الادعاءات). كتب قس يُدعى مِرْ سْمِيث كتاباً بعنوان «تَحْقِيقُ الدِّينِ الْحَقِّ» ونشره في الهند عام 1842. كتب الشيخ محمد الحسن ردّاً على هذا الكتاب، فقام القس مِرْ سْمِيث بتعديل بعض محتويات كتابه وأعاد ترتيبه ونشر طبعة جديدة عام 1846. كتب الشيخ رحمة الله في هذا الكتاب «تَكْلِيبُ الْمَطَاعِينِ» ردّاً على ادعاءات الطبعة الجديدة وبيّن الأخطاء والزلات. هذا الكتاب أيضاً فقد مخطوطه ولم يُطبع.

(٨) مِعْيَارُ التَّحْقِيقِ (معيار التحقيق). نشر القس صفدر علي كتاباً بعنوان «تَحْقِيقُ الإِيمَانِ» (بحث في الإيمان). كتب الشيخ رحمة الله هذا الكتاب ردّاً على ذلك. هذا الكتاب أيضاً لم يُطبع وفُقدت مخطوطته.

(٩) إِظْهَارُ الْحَقِّ. كما ذكرنا سابقاً، كتب المؤلف هذا الكتاب في إسطنبول عام 1864. في مناقشة المسيحية والهجوم على الإسلام، يعتبر هذا الكتاب لا مثيل له في كشف خرافات الرهبان. منذ العصر الإسلامي الأول، كتب العديد من العلماء المسلمين كتباً في علم مقارنة الأديان وخاصة عن المسيحية. بالإضافة إلى ذلك، كتب العديد من اليهود والمسيحيين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام كتباً في هذا المجال. ومع ذلك، فإن هذا الكتاب يتميز بشموليته وعمق نقاشه ودقة معلوماته وحياده وموثوقيته وعرضه المتكامل. إلى جانب براعته العميقة في مختلف فروع المعرفة الإسلامية، حقق المؤلف معرفة عميقة بالكتب الدينية المسيحية، وعلوم العقيدة والتاريخ المسيحي، مما مكنه من تأليف هذا الكتاب الفريد. (انظر د. مالكابي، المرجع، ١/١٨-٢١؛ عبد الله إبراهيم الأنصاري، المرجع ٢/١٠).

لم يساعد هذا الكتاب فقط الجمهور المسلم والعلماء، بل استفاد منه أيضًا العديد من المسلمين الجدد المستنيرين. من بينهم الأمير العربي الشهير والأديب والناشط الاجتماعي والقائد السياسي أحمد فارس الشدياق (1887م / 1304هـ) والقس المصري الشهير لهذا القرن، الداعية وعالم المسيحية وأستاذ اللاهوت إبراهيم خليل أحمد، الذين اعتنقوا الإسلام من المسيحية. ستمنح المراجعة المختصرة القارئ فكرة واضحة عن موضوع الكتاب وأهميته.

قسّم المؤلف موضوعه إلى مقدمة وستة فصول.

(أ) المقدمة: في مقدمة طويلة تقارب نصف صفحة، ناقش باختصار بعض المبادئ الأساسية الضرورية التي ستساعد في فهم مناقشة الكتاب. من هذه الأمور:
(1) بعض المبادئ والأدب في الجدل والنقاش الديني،
(2) مصادر المعلومات الخاصة بالمسيحية التي اعتمد عليها في الكتاب، والتي تشمل الكتاب المقدس وكتب علماء المسيحية،
(3) نماذج من تحريف المعلومات والأكاذيب في كتاب ميزان الحق وغيره من كتب السيد فاندر،
(4) عادة تحريف المعلومات عند السيد فاندر وغيره من كتّاب المسيحية عند الاقتباس من الكتب الإسلامية،
(5) تعصب القساوسة المسيحيين في النقاشات بين الأديان، واستخدام الشتائم والكلمات المسيئة، ورغبة المؤلف في تحمل هذه الأمور،
(6) المبادئ المتعلقة بذكر الذنوب البغيضة للأنبياء المذكورة في الكتاب المقدس،
(7) ادعاءات القساوسة بالتفوق العلمي في العلوم الإسلامية ونماذج من جهالاتهم.

(ب) الفصل الأول: تعريف الكتاب المقدس. في هذا الفصل وصف المؤلف أسفار العهد القديم والجديد. قسم الفصل إلى أربعة أقسام. في القسم الأول ذكر أسماء الأسفار المقبولة والمثيرة للجدل والمشكوك فيها. في القسم الثاني ذكر تاريخ هذه الأسفار. وأثبت بالأدلة من آراء الباحثين المسيحيين أن معظم مؤلفي هذه الأسفار غير معروفين، وأنه لم يثبت أن الذين نُسبت إليهم هذه الأسفار هم فعلاً من كتبها، وأنه لا توجد مصادر تاريخية تذكر هذه الأسفار من المؤلف حتى عدة قرون أو آلاف السنين بعد ذلك.

(ج) الفصل الثاني: تحريف الكتاب المقدس. في هذا الفصل أثبت المؤلف تحريف الكتاب المقدس. وقسم الفصل إلى ثلاثة أقسام. في القسم الأول ناقش التحريف من خلال استبدال الكلمات الأصلية بكلمات أخرى، وذكر ٣٥ دليلاً على ذلك، منها ٣١ من العهد القديم و٤ من العهد الجديد. في القسم الثاني تحدث عن التحريف بإضافة كلمات زائدة في المعنى الأساسي، وذكر ٤٥ دليلاً على ذلك، منها ٢٦ من العهد القديم والباقي من العهد الجديد. في القسم الثالث ناقش التحريف بحذف كلمات من المعنى الأصلي، وذكر ٢٠ دليلاً، منها ١٥ من العهد القديم و٥ من العهد الجديد.

بعد ذلك ناقش المؤلف الادعاءات المضللة والباطلة التي يطرحها القساوسة المسيحيون مدعين نقاء الكتاب المقدس، محاولين خداع المسلمين، وبيّن بآيات وأدلة واضحة وقوية بطلان هذه الادعاءات.

(د) الفصل الثالث: النسخ. في هذا الفصل أثبت المؤلف واقع النسخ، وشرح معنى النسخ ومجاله، وبيّن بمنطق العقل والضمير واقعية وحكمة نسخ أحكام الله. ثم أثبت ذلك بأعداد كبيرة من الاقتباسات من الكتاب المقدس، حيث ذكر نحو خمسين مثالاً تثبت أن أحكام الشريعة في عهد نبي معين نسخت بأمر من نبي لاحق، وأن أحكام شريعة نبي سابق نسخت بأحكام شريعة نبي لاحق. ونفى ادعاء اليهود والمسيحيين بأن نسخ الأحكام في شريعة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أمر مستحيل، وبين بطلان هذا الادعاء.

(هـ) الفصل الرابع: تفنيد التثليث. في هذا الفصل برهن المؤلف على بطلان التثليث وعدم أساسه. وقسم الفصل إلى مقدمة وثلاثة أقسام. في المقدمة ذكر ١٢ مبدأً رئيسياً في مناقشة عقيدة التثليث و ألوهية المسيح. في القسم الأول برهن بعقل ومعرفة وضمير على بطلان التثليث. في القسم الثاني أثبت بحديث المسيح نفسه بطلان التثليث مستشهداً بـ ١٢ قولاً واضحاً للمسيح تدحض التثليث. في القسم الثالث ناقش الآيات التي يستشهد بها أتباع التثليث لإثبات ألوهية المسيح والتثليث، وأثبت أن هذه الآيات ليست واضحة أو قطعية، وأن تفسيرها الصحيح يُفند التثليث.

(و) الفصل الخامس: معجزات القرآن. في هذا الفصل برهن المؤلف أن القرآن هو كلام الله بلا شك، ورد على التضليل والتشويهات التي يصدرها القساوسة حول القرآن. وقسم الفصل إلى أربعة أقسام. في القسم الأول برهن باثني عشر دليلاً واضحاً أن القرآن كلام الله. في القسم الثاني رد على تشويهات القساوسة حول القرآن. في القسم الثالث أثبت صحة وثبات الأحاديث النبوية المروية عن أهل السنة والجماعة. في القسم الرابع رد على تشويهات القساوسة حول الأحاديث.

(ز) الفصل السادس: نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم). في هذا الفصل أثبت المؤلف نبوة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ورد على الشبهات والتشويهات. وقسم الفصل إلى قسمين. في القسم الأول برهن على نبوة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من ستة جوانب: (١) معجزاته، (٢) خلقه الفريد وسلوكه، (٣) خصائص شريعته الفريدة، (٤) ظهوره بين أمم بلا كتاب ولا نظام، (٥) ظهوره في وقت حاجة البشرية، (٦) تنبؤ الأنبياء السابقين بقدومه في الكتاب المقدس، وذكر ١٨ نبوءة عن الرسول في الكتاب المقدس، وأثبت أن نبوءاته أوضح وأثبت من نبوءات عن المسيح التي يذكرها المسيحيون. في القسم الثاني رد على ادعاءات القساوسة وتضليلهم حول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

في مجال الرد على اعتراضات القساوسة على القرآن والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، أظهر العلامة رحمة الله عليه بمقارنة هذه الاعتراضات مع أقوال واضحة في الكتاب المقدس، وأثبت أن كل اعتراض موجه للإسلام أو محمد ينطبق بكثرة أكثر على المسيح والكتاب المقدس والأنبياء المسيحيين. مثلاً، يتهم القساوسة الإسلام والجهاد، بينما في الكتاب المقدس أوامر كثيرة بالمذابح وعدم التسامح وقتل الكفار والتمييز العرقي. وكذلك يعترضون على تعدد زوجات النبي محمد، بينما في الكتاب المقدس الكثير من قصص تعدد الزوجات وعيوب كثيرة في حياة المسيح وغيرهم من الأنبياء.

مبادرة الخليفة التركي في نشر الكتاب الأصلي "إظهار الحق" وترجماته بلغات عدة أزعجت المسيحيين، الذين حاولوا إخفاء الكتاب وشراء نسخ منه لإتلافها حتى لا تصل إلى أيدي المسلمين أو غير المسلمين. لكن بفضل اهتمام السلطات التركية، لم تنجح هذه المحاولات بالكامل.

بعد نشر الترجمة الإنجليزية الأولى، علقت صحيفة لندن تايمز قائلة: "لو استمر المسلمون في قراءة هذا الكتاب، فسيتوقف انتشار المسيحية إلى الأبد في المجتمع الإسلامي، ولن يعتنق المسيحية أحد بل سيتمسك الجميع بالإسلام بقوة."

وهذا ما حدث بالفعل. ألهب الكتاب إيمان كثير من المسلمين، وألهم غير المسلمين نحو الإيمان، وقدم مصادر ودوافع للباحثين المسلمين، وحث الكثيرين على مواجهة دعاة المسيحية والقساوسة.

مثال بارز هو داعية الإسلام والمنطق الشهير أحمد ديدات (رحمه الله)، الذي قرأ الكتاب صدفة فكان نقطة تحول في حياته. قال:
"My discovery of the book ‘IZHARUL HAQ’ was the turning point in my life. After a short while, I could invite the trainee missionaries of Adams Mission College and cause them to perspire under the collar until they developed a respect for Islam and its Holy Apostle.”
(أحمد ديدات، IS THE BIBLE GOD’S WORD، الرياض، دار النشر الإسلامية العالمية، ص ٦٢)

نسأل الله أن يجزي المجاهد العلامة رحمه الله كيرانبي أفضل الجزاء نيابة عن الله والإسلام والأمة الإسلامية، وأن ييسر وصول مؤلفاته، وخصوصاً كتابه الثمين "إظهار الحق"، إلى أيدي كل الباحثين عن الحق في العالم. آمين.



কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD