أنواع الشرك
اليوم هو الجمعة الرابعة من شهر ربيع الأول عام …… الهجري. اليوم سنناقش أنواع الشرك، إن شاء الله. ولكن قبل ذلك، سنتناول بإيجاز المناسبات الوطنية والدولية لهذا الأسبوع.
من خلال ما ورد في القرآن والحديث، نرى أن
من أبرز معتقدات وأعمال المشركين الشرك في قدرة الله. فاعتقاد أن أحدًا غير الله العظيم يمكنه، دون أسباب دنيوية وبمحض إرادته، أن يجلب الخير أو الشر بشكل خارق للعادة، أو أن يتدخل في أمور مثل الحياة، الموت، الغنى، الفقر، الصحة، المرض، الرزق وغيرها، يُعد شركًا في الربوبية. النصارى الضالون يعتقدون مثل هذا الاعتقاد بشأن عيسى (عليه السلام). وكذلك كان مشركو العرب يعتقدون عن آلهتهم مثل هذا الاعتقاد.
كانوا يؤمنون بالله العظيم كالرب القادر الوحيد، لكنهم كانوا يعتقدون أن الله منّ على عباده المحبوبين ببعض القدرات الخارقة. وبفضل هذه القوة، يمكنهم التأثير في إدارة العالم أو في خير الناس وشرهم. في الواقع، كانوا يتخذون المعجزات والكرامات ومسؤوليات الملائكة واستجابة الدعاء كحجج لهم. بناءً على هذا الاعتقاد، كان مشركو العرب يقولون في التلبية أثناء الحج والعمرة:
لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ إِلا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ
"لبيك، لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك."
أي: "أجيبك، لا شريك لك إلا شريكًا جعلته شريكًا لك. هذا الشريك مملوك لك، هو وكل ما يملكه تحت سيطرتك." [صحيح مسلم ٢/٨٤٣؛ تفسير الطبري ١٣/٧٨-٧٩]
في القرآن الكريم، قد أُعلن مرارًا وتكرارًا في آيات عديدة أن الله لم يمنح أحدًا أي قدرة خارقة أو إلهية، ولا ملكية ولا شراكة. إليكم بعض الآيات:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ
"قُلْ: ادْعُوا الَّذِينَ تَزْعُمُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ." [سورة سبأ: ٢٢]
هذا الأمر ينطبق على جميع معبودات المشركين دون استثناء. سواء كانت أصنامًا، أو تماثيل، أو كواكب، أو ملائكة، أو أنبياء، أو أولياء، أو جنًّا، أو أيًّا ممن يعبدهم المشركون. فليس لأحد منهم أدنى ملك في السماوات أو الأرض، ولا شركة لهما في شيء، ولا يحتاج الله إلى معونة أحد، ولا يُعينه أحد بأي شكل. ويقول الله تعالى:
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم." [سورة فاطر: ٢]
وسنناقش المزيد من الآيات في هذا الموضوع في الفقرات القادمة إن شاء الله.
من أنواع الشرك: الشرك في علم الله. من جوانب الربوبية لله تعالى علمه المطلق الذي لا حدود له ولا مثيل له. ومن صفاته سبحانه "عالم الغيب". كان مشركو العرب يعتقدون أن العرافين يعلمون الغيب، بينما اعتقد النصارى أن عيسى (عليه السلام) يملك علم جميع غيوب الله. وقد رد القرآن على هذا الشرك مرارًا، مؤكدًا أن علم الغيب محصور بالله وحده. يقول تعالى:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
"قل: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله." [سورة النمل: ٦٥]
إن الله تعالى يُطلع أنبياءه ورسله على بعض علم الغيب بالوحي، لكن هذا العلم ليس كليًا ولا شاملاً. لذلك سيُعلن جميع الرسل يوم القيامة أنهم لا يملكون علم الغيب، وأن الله وحده هو العليم بالغيب. يقول تعالى:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم؟ قالوا لا علم لنا، إنك أنت علام الغيوب." [سورة المائدة: ١٠٩]
وفي مواضع أخرى من القرآن، أمر الله نبيه محمدًا ﷺ أن يُبلغ الناس أنه لا يملك علم الغيب. قال تعالى:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
"قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون." [سورة الأعراف: ١٨٨]
للأسف، وقع بعض أفراد الأمة الإسلامية في هذا النوع من الشرك المتعلق بالقدرة والعلم، خاصة فيما يتعلق بالأنبياء والأولياء. في الواقع، فإن الدعايات الكاذبة والتفسيرات المغلوطة التي نشرها الشيعة هي التي ساهمت في انتشار هذه المعتقدات. يدعي الشيعة أن أئمتهم يمتلكون قدرات غيبية وعلمًا شاملًا في إدارة الكون، وأن سلطة الربوبية الفعلية هي بأيديهم. وبما أنهم ينسبون هذه الصفات للأئمة، فلا يمكنهم استثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الدعاوى، لذلك ينسبون إليه أيضًا مثل هذه الصفات.
لقد رأينا أن الله تعالى قد أكد مرارًا وتكرارًا أن علم الغيب لا يعلمه إلا هو، ولم يرد في القرآن أو السنة أي نص صريح يفيد بأن الله قد منح علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لأئمة أهل البيت. لكن الشيعة اخترعوا قصصًا خيالية حول أئمتهم والأولياء، وجعلوها أدلتهم. وبسبب تأثيرهم، انتشرت هذه المعتقدات حتى في المجتمع السني.
قال الملا علي القاري:
«اعلم أن الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يعلمون من الأمور الغيبية إلا ما أطلعهم الله عليه في بعض الأحيان. وقد صرح علماء المذهب الحنفي بأن الاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الغيب كفر.»
[الملا علي القاري: شرح الفقه الأكبر، ص 253]
من أنواع الشرك التي وقع فيها المشركون: دعاء غير الله والاستغاثة به في الأمور الغيبية. فقد نهى القرآن الكريم مرارًا عن دعاء غير الله، وأمر بدعاء الله وحده. وفي موضع يبين الله بطلان دعاء غير الله، فيقول سبحانه:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا
"قُلْ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ، أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ؟ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ؟ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا." [سورة فاطر: ٤٠]
حجة القرآن واضحة: فالعقل والمنطق يقتضيان أن الخالق وحده هو المستحق للعبادة والدعاء. ولو أن الله -تعالى- أوحى صراحةً بأنه لا يحتاج إلى العبادة، أو أمر بعدم دعائه مباشرةً، واللجوء إلى غيره، لكان هناك مجال للتبرير. لكن المشركين لم يقدموا أي دليل على ذلك. بل كل الكتب السماوية أكدت أن الدعاء يجب أن يكون لله وحده، وأنه لا أحد سواه قادر على جلب الضر أو دفعه.
في الآية السابقة، بيَّن الله الحقيقة المريرة لشرك المشركين: إنهم لا يتبادلون إلا وعودًا زائفة نابعة من الخيال والأوهام. فهم يختلقون تفسيرات مزعومة لكلام الله، أو حججًا واهية، أو قصصًا خيالية ليدعموا ضلالهم: "إذا دعوتم هؤلاء سيرضى الله"، "هم ينجونكم"، "سيشفعون لكم في الآخرة"، أو "فلان دعا الشيخ الفلاني فنجاه!" - كل هذه وعود كاذبة لا أساس لها إلا الخداع.
للأسف، حتى في المجتمع الإسلامي، يعتمد كثيرون على مثل هذه الأساطير والإشاعات، فيلجأون عند الأزمات إلى مشايخ أو أولياء - أحياءً أو أمواتًا - طالبين منهم العون الغيبي! بينما نحن نُجدِّد كل يوم في صلاتنا العهد مع الله:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
"إياك نعبد وإياك نستعين." [سورة الفاتحة: ٥]
يجب أن نحب عباد الله الصالحين، وندعو لهم، ونصاحب الأحياء منهم، ونسألهم الدعاء، وزيارة قبور الموتى لإلقاء السلام والدعاء لهم. لكن الاعتقاد بأن لديهم قدرة خارقة على تقديم المساعدة، أو أنهم يسمعون النداء من بعيد - هذا شرك في الربوبية، كما أن دعاءهم بهذه الطريقة شرك في العبادة.
كثيرًا ما ننخدع بحكايات الكرامات. مثلًا: يقال إن خادمًا لشيخ ما وقع في خطر في البحر أو الغابة، فجاء الشيخ وأنقذه! عندها نظن أن هذا الشيخ - أو كل الصالحين - يملكون هذه القدرة!
معظم هذه القصص لا أساس لها. أحيانًا يتخذ الشيطان هيئة الأولياء ليضل الناس إلى الشرك. وأحيانًا أخرى قد يُظهر الله كرامة حقيقية لبعض الصالحين. لكننا رأينا أن الأمم السابقة وقعت في الشرك حين اعتبروا المعجزات والكرامات قوة ذاتية للأنبياء والأولياء، بينما أكد القرآن أنها تحدث فقط بمشيئة الله، وليست قدرة خاصة بهم.
انظر إلى هذا المثال:
كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب يومًا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فصرخ فجأة: "يا سارية، الجبل!" (أي: استند إلى الجبل!). في ذلك الوقت، كان القائد سارية بن زُنيم يقاتل في العراق مع جيشه على وشك الهزيمة. فسمع صوت عمر رضي الله عنه من المسافة البعيدة، فاتخذ الجبل حصنًا له وحوّل ظهره إليه، فانتصر على الأعداء. [الإصابة ٣/٣٦، تهذيب الأسماء ٢/٣٣٠، تاريخ ابن كثير ٥/٢١٠]
بعد أشهر، في ٢٦ ذي الحجة سنة ٢٣ هـ، بينما كان عمر رضي الله عنه يؤم الناس في صلاة الفجر بالمسجد النبوي، طعنه مجوسي يُدعى أبو لؤلؤة عدة طعنات من الخلف. سقط عمر مغشيًا عليه، وعندما أفاق سأل: "من طعنني؟" فأخبروه أن القاتل كافر. فقال: "الحمد لله الذي لم يجعل موتي بيد مدعٍ للإيمان!". وتوفي بعد ثلاثة أيام. [تاريخ ابن كثير ٥/٢١٧-٢١٨]
أن عمر رضي الله عنه استطاع أن يدرك حالة ساحة المعركة على بعد مئات الأميال، لكنه لم يستطع رؤية العدو الذي كان على بعد خطوات منه! وهذا يثبت أن الكرامة ليست قوة دائمة يمتلكها الشخص، بل هي معجزة يمنحها الله تكريمًا له في لحظة معينة. ولا تعني أنه يملك هذه القوة دائمًا أو أنه قادر على فعلها متى شاء.
وقد وقع اليهود والنصارى في نوع من الشرك يتمثل في الغلو في تقديس العلماء والرهبان. يقول الله تعالى:
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون." [سورة التوبة: ٣١]
وقد اتخذ اليهود والنصارى علماءهم وأولياءهم كـ"أرباب" بطريقتين:
الاعتقاد بأنهم يملكون قدرات خارقة، خاصة بعد الموت، حيث يعتقدون أنهم يمنحون البركات أو الضرر أو حتى يديرون الكون!
الممارسات الشركية مثل النذور للأضرحة، تقديم القرابين، بناء المعابد حول قبورهم، والسعي لجلب "البركة" من الأماكن المرتبطة بهم.
وهذه الحقائق مدعومة بالتاريخ والأحاديث النبوية.
ثانيًا:
كانوا يعتقدون في "عصمة" البابوات والرهبان (أي عدم قدرتهم على الخطأ)، ويظنون أنهم يتلقون "الكشف" و"الإلهام" و"العلم اللدني" بوحي من الروح القدس! فكل قانون أو فتوى يصدرونها تكون نهائية ولا تحتمل الخطأ. ويعتقدون أن العامة لا يمكنهم فهم النصوص الدينية بأنفسهم، فليس المهم ما يقوله الإنجيل، بل تفسير البابا أو رجال الدين!
يجب احترام العلماء والأولياء وطاعتهم في المعروف، لكن لا يجوز أبدًا وضعهم مكان الله أو رسول الله ﷺ.
التوكل على غير الله شرك:
التوكل يعني اتخاذ وكيل والاعتماد عليه. فمن يعتقد أن "فلانًا" يرعاه وينقذه في الأزمات، أو يبدأ أعماله بذكر اسمه (كالنذر له أو التبرك به) - فهذا شرك. وقد أكد القرآن مرارًا أن التوكل يجب أن يكون على الله وحده، وأنه الكافي كـ"وكيل". يقول تعالى:
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
"وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين." [سورة المائدة: ٢٣]
التذبيح أو النذر أو التبرك باسم غير الله شرك. بعض الذين يذبحون أو ينذرون عند القبور يعتقدون أنهم يذكرون اسم الله فقط، وأنهم يقصدون وجه الله، لكنهم فقط يجلبون الذبيحة إلى ضريح الولي "ليصل ثوابها إليه". هنا السؤال: إذا كان القصد لله وحده، فلماذا لا يذبحون في أي مكان ويدعون الله أن يصل الثواب للولي؟ لماذا التعب في إحضار الذبيحة إلى الضريح؟ الجواب واضح: إنهم يريدون إرضاء الله والولي الميت معًا!
وبهذا يُشرك بالله في عبادة النذر. يقول الله تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ." [سورة الأنعام: ١٦٢-١٦٣]
السجود لغير الله شرك. كان المشركون يسجدون للشمس والقمر والأصنام. فنهاهم الله بقوله:
لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
"لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون." [سورة فصلت: ٣٧]
كان أهل فارس والروم يسجدون لملوكهم وعلمائهم احترامًا. حتى أن بعض الصحابة اقترحوا السجود للنبي ﷺ تكريمًا، فمنعهم بشدة وقال: "لا يصلح السجود إلا لله". [انظر: د. عبد الله الجاهنجير، العقيدة الإسلامية من القرآن والسنة، ص ٣٥٣-٥٢٢]
محبة الأنبياء والأولياء واجبة، لكن الغلو في ذلك يصير شركًا. العلاج هو التمسك بالسنة: كما تعامل الصحابة مع النبي ﷺ وغيره من الصالحين - بالحب دون عبادة. قال ﷺ:
"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي فله الجنة."
لقد علّمنا النبي ﷺ أن نحب الأنبياء والأولياء ونوقرهم، لكنه لم يطلب منهم المساعدة في الشدائد قط، ولم يعلّمنا ذلك. بل أوصانا بدعاء الله وحده في كل حال.
صحابته وتابعوهم قدّسوا رسول الله ﷺ وأحبوه حبًا عظيمًا. في حياته طلبوا دعاءه، وبعد وفاته زاروا قبره وسلموا عليه، لكنهم:
لم يدعوه أبدًا أو يقولوا: "يا رسول الله، ادع لنا من قبرك".
لم يجتمعوا عند قبره ليدعوا الله.
لم يسجدوا لقبره أو ينذروا باسمه.
لم يصرخوا به في الشدائد طلبًا للنجاة.
كما حذّر النبي ﷺ من الشرك في الاعتقاد بنحس الأيام والنجوم والحيوانات، فقال:
الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ
"التشاؤم بالطير شرك، التشاؤم بالطير شرك، التشاؤم بالطير شرك." [رواه الترمذي ٤/١٦٠، ابن حبان ١٣/٤٩١، والحاكم ١/٦٤، وصححوه]
الشيطان يريد أن يجعل المؤمن من أهل النار الأبدية، وأكبر سلاح له هو الشرك. لقد رأينا أن كل الذنوب يمكن أن تُغتفر، وكل العصاة لهم أمل في الجنة، إلا المشرك. لا أمل له في المغفرة ولا في الجنة.
أيها الحاضرون، يمكن فقدان كل شيء إلا الإيمان! لحماية إيماننا، يجب علينا:
قراءة القرآن الكريم بتدبر وفهم.
دراسة كتب الحديث الصحيحة مرارًا.
التمسك بسنة النبي ﷺ والصحابة كالغريق يتشبث بالخشبة.
اللهم احفظ إيماننا. آمين.
[د. خوندكار عبد الله جهانغير، كتاب "خطب الإسلام"، ص 119-126]