ذنوب سالكي سبيل الله (٢)
الحسد والبغضاء والكراهية وآثارهما المدمرة
بقلم: الدكتور خوندكر عبد الله جهانجير
أستاذ قسم الحديث، الجامعة الإسلامية، كوشتيا
رئيس مجلس أمناء مؤسسة السنة
كثير من الناس الذين يجتهدون في اتباع طريق الله ويحرصون على الدين يقعون أحيانًا في هذه الذنوب المدمرة للعبادات. كثير من المسلمين الواعين لا يقعون أبدًا في ذنوب مثل الزنا أو الكذب أو شرب الخمر أو ترك الصلاة أو الصوم، وإذا فعلوا شيئًا من ذلك يتوبون ويستغفرون بصدق. لكنهم يقعون -عن علم أو جهل- في ذنوب أخرى مثل الشرك أو الكفر أو البدعة أو الحسد أو الكبر أو الطمع أو الرضا عن النفس أو الغيبة.
والسبب في ذلك أن الشيطان لا ييأس أبدًا من أي إنسان، فهو دائمًا يسعى لإضلال كل شخص بطريقة ما. لديه منهج خاص لكل فئة من الناس، فهو يريد أن يجعل الجميع كفارًا بلا دين، وإذا لم يستطع ذلك، فإنه يوقعهم في الذنوب تحت غطاء "الدين"، أو يوقعهم في ذنوب القلب التي تدمر أعمال الصالحين، والتي يصعب أحيانًا على المتدينين إدراك خطورتها.
الحسد والبغضاء والكراهية:
من أقذر وأخطر أعمال القلب: البغضاء والكراهية وتمني الشر والعداوة المتبادلة. وجود هذه الصفات في القلب يلوثه ويثقله ويبعده عن ذكر الله، والأهم من ذلك أنها تدمر الأعمال الصالحة الأخرى.
من خلال الأحاديث النبوية، نتعلم عاقبتين خطيرتين للحسد والبغضاء والعداوة بين المسلمين:
الحرمان من مغفرة الله الخاصة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلاَّ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا." (رواه مسلم)
وفي حديث آخر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يَطَّلِعُ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ." (صححه الألباني)
تدمير الأعمال الصالحة والدين:
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ." (رواه الترمذي وحسنه الألباني)
وفي حديث آخر ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه:
"إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ." (رواه أبو داود)
الفرق بين كراهية الظلم وبين الحسد والكبر:
هنا نقطة مهمة قد تسبب إشكالًا: نحن نعلم أن كراهية الشرك والكفر والبدعة والمعاصي وكراهية من يفعلها أو ينشرها هو واجب إيماني ضروري. فكيف نوفق بين هذا الواجب وبين الحفاظ على القلب من الحقد؟
الشيطان يستغل هذه النقطة كمصيدة لكثير من المسلمين المتدينين، فيوقعهم في ذنوب خطيرة مثل الحسد والعداوة والرضا عن النفس والكبر.
للتخلص من هذا الفخ، يجب أن نتذكر النقاط التالية:
كراهية المعصية يجب أن تكون وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم:
يجب أن نكره الذنوب بنفس الدرجة التي كرهها النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن نكرهها بطريقة شخصية أو متطرفة. كثير من المتدينين يهملون كراهية الذنوب الكبرى (مثل الشرك والكفر)، لكنهم يتشددون في أمور ليست بذنوب، أو في أمور مختلف فيها بين العلماء، مما يؤدي إلى الحسد والعداوة.
الكراهية يجب أن تكون عقائدية وإيمانية، وليست شخصية:
أنا أكره الذنب نفسه، وأعتبر الشخص المخطئ مخطئًا، لكني أدعو له أن يهديه الله.
الكراهية لا تعني الحسد:
الكراهية هنا مصحوبة بالمحبة، مثل كراهية الأم لوسخ طفلها مع حبها له.
الكراهية لا تعني الكبر:
لا يجوز أن أعتبر نفسي أفضل من الآخرين، لأني لا أعلم هل تقبلت أعمالي أم لا، ولا أعلم ما مصيري ومصير ذلك الشخص.
الانشغال بذنوب النفس بدلًا عن ذنوب الآخرين:
يجب أن نكون مشغولين بذنوبنا وبذكر الله، لا بذنوب الآخرين. التفكير الدائم في أخطاء الناس يؤدي إلى الرضا عن النفس والكبر.