ذنوب سالكي سبيل الله (١)
الدكتور خندكار عبد الله جاهانغير
أستاذ قسم الحديث، الجامعة الإسلامية، كوشتيا
رئيس مجلس إدارة مؤسسة السنّة
التواضع من صفات المؤمن
كثير من الناس الذين يسيرون في سبيل الله والملتزمين بالدين يقعون أحيانًا في بعض الذنوب التي تهدم العبادات، دون أن يشعروا. فهم لا يقعون في الزنا أو الكذب أو شرب الخمر أو ترك الصلاة أو الصيام، وإذا فعلوا شيئًا من ذلك فإنهم يسارعون بالتوبة والاستغفار. ولكن مع ذلك، فإنهم، عن علم أو عن جهل، يقعون في الشرك أو الكفر أو البدعة أو الحسد أو الكبر أو الطمع أو العجب أو الغيبة وغير ذلك من الذنوب.
والسبب في ذلك أن الشيطان لا ييأس أبدًا من إضلال أي إنسان، وله مناهج خاصة لكل فئة من الناس، فيسعى لإبعاد الجميع عن الدين، فإن لم يستطع، أدخلهم في المعصية تحت غطاء الدين، أو أدخلهم في "ذنوب القلب" التي تفسد الأعمال الصالحة، ويصعب على حتى المتدينين إدراكها.
ومن هذه الذنوب: الكبر أو التكبر.
وهو أن يرى الإنسان نفسه أفضل من غيره في أي مجال، أو يحتقر غيره، وهو شعور داخلي، لكنه يظهر في التصرفات.
والتكبر لا يليق إلا بالله وحده، ومن تكبر من البشر فكأنه ينازع الله في صفة من صفاته، لأنه يتكبر بنعمة من نعم الله.
الله يعطي النعم لمن يشاء، ويمنعها عمن يشاء. فمن أعطي نعمة فعليه أن يشكر الله، فإن نسب النعمة إلى نفسه واعتبرها من كسبه، بدأ التكبر. وعندها، ينقطع صلته بالله.
قد يقول قائل: نحن في الواقع لسنا متساوين؛ هناك من هو أغنى، أو أعلم، أو أجمل، أو أقوى، أو أرفع مقامًا... فكيف لا أرى نفسي أفضل من غيري؟
نقول: نعم، لكن من أين جاءت هذه النعم؟ أليست من الله؟ فإن كنت تؤمن بذلك، فلن ترى نفسك خيرًا من غيرك، بل ستقول: "الحمد لله الذي تفضل عليّ ولم يعطني ما أعطى غيري، ولو شاء لكان العكس." فعليك أن تشكر الله وتطلب منه دوام النعمة.
المؤمن لا يرى نفسه أفضل من غيره، بل يرى أنه أكثر من نال رحمة الله.
فإن رأيت إنسانًا أقل منك في المال أو العلم أو الأخلاق... فلا تزدريه. بل احترمه، فهو عبد لله مثلك. وادعُ له، فقد يكون أعز على الله منك.
قال رسول الله ﷺ:
«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»
رواه مسلم (1/93، رقم 91).
الكبر داء خفي في القلب، لا يدركه كثير من الناس، ويظنون أنفسهم متواضعين وهم في الحقيقة متكبرون. اختبر نفسك:
هل تستحي أن تخرج بلباس بسيط؟
هل تشعر بالإهانة إذا جلست في مؤخرة المجلس؟
هل تنتظر أن يبدأك الناس بالسلام أو يقدمون لك الاحترام؟
إن كان الجواب نعم، فاعلم أن في قلبك كبرًا.
لذا، يجب أن يجاهد المؤمن نفسه ليكسر هذا الكبر.
فقد كان الصحابي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، يحمل حزمة من الحطب على رأسه، فقيل له: لماذا تفعل هذا وأنت غني؟
قال: أردت أن أهين نفسي وأقتل الكبر الذي في قلبي.
وقال: سمعت النبي ﷺ يقول:
«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»
(رواه الحاكم، وقال: حديث حسن).