أهمية وفضائل الصلاة
اليوم هو الجمعة الثالث من شهر ربيع الثاني سنة …… هجرية. اليوم سنتحدث -إن شاء الله- عن أهمية الصلاة وفضلها.
بعد الإيمان، فإن أعظم فريضة على المؤمنين والمؤمنات هي أداء الصلوات الخمس المفروضة في أوقاتها. في اللغة العربية، الصلاة تعني الدعاء. وفي المصطلح الإسلامي، الصلاة هي ذكر الله والدعاء بطريقة محددة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال الركوع والسجود. لم يُعطَ أي عبادة في القرآن والسنة أهمية أكثر من الصلاة. فقد أمر الله بالصلاة في حوالي ثمانين موضعًا في القرآن، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضلها في أحاديث لا تُحصى.
لقد رأينا سابقًا في مناقشة التوحيد أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام. الصلاة فريضة لا بديل لها. لقد يسر الإسلام جميع الأحكام. فالمريض يمكنه قضاء الصوم لاحقًا، والعاجز تمامًا يمكنه دفع الفدية أو الكفارة. لكن الصلاة ليس لها هذا الحكم. بل تم التيسير فيها بطريقة أخرى، وهي أن يؤديها المؤمن حسب استطاعته. إذا أمكن، فبالكيفية الكاملة، وإلا فقائمًا، أو جالسًا، أو مضطجعًا، أو حتى أثناء الجري أو الركوب في المركبة، مرتديًا الثياب أو عاريًا... بأي طريقة ممكنة، يجب على المؤمن أن يحضر بين يدي ربه. إذا كان لا يعرف سورة أو قراءة أو دعاء، فيكفيه أن يقول "الله أكبر" أو يسبح ويهلل لأداء الصلاة. لا بديل لأداء الصلاة في وقتها بأي حال من الأحوال. ما دام العقل حاضرًا، فإن واجب المؤمن هو أداء الصلاة في وقتها.
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
"حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا، فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ." (سورة البقرة: ٢٣٨-٢٣٩)
نَعُدُّ الصَّلَاةَ مَسْئُولِيَّةً،
بَيْنَمَا هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فُرْصَةٌ. أَعْطَانَا اللَّهُ فُرْصَةَ مُكَالَمَتِهِ خَمْسَ مَرَّاتٍ يَوْمِيًّا، وَتَعْبِيرِ قُلُوبِنَا لَهُ، وَكَسْبِ رَحْمَتِهِ وَبَرَكَتِهِ. الصَّلَاةُ هِيَ مِفْتَاحُ كُلِّ نَجَاحٍ.
يَقُولُ اللَّهُ:
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ." (سورة المؤمنون: ١-٢)
وَيَقُولُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
"قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى." (سورة الأعلى: ١٤-١٥)
الصَّلَاةُ هِيَ:
الطَّرِيقُ الْوَحِيدُ لِكَمَالِ الْإِنْسَانِ. تُهَذِّبُ الصَّلَاةُ الْإِنْسَانَ وَتَرْفَعُهُ إِلَى ذُرْوَةِ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ. بِالصَّلَاةِ، يَتَذَكَّرُ الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ، فَيَكْتَسِبُ الْقُوَّةَ النَّفْسِيَّةَ وَالتَّوَازُنَ، وَيَتَغَلَّبُ عَلَى ضَعْفِهِ الْبَشَرِيِّ. كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ:
"إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ." (سورة المعارج: ١٩-٢٢)
الصلاة هي من أهم وسائل مغفرة الذنوب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا".
[صحيح البخاري ١/١٩٧، صحيح مسلم ١/٤٦٢]
الصلاة هي الفارق بين المؤمن والكافر. من ترك الصلاة فقد دخل في زمرة الكفار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ".
[صحيح البخاري ١/١٩٧، صحيح مسلم ١/٤٦٢]
وفي حديث آخر:
"مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ".
[صحيح مسلم ١/٨٨]
من ترك الصلاة متعمدًا مع اعتقاده بوجوبها فهو على خطر عظيم، وقد اختلف الفقهاء في كفره. لكن الصحابة والتابعين كانوا يرون تارك الصلاة كافرًا. قال عبد الله بن شقيق:
"كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ".
[صحيح ابن حبان ٤/٣٢٣، صحيح الترغيب للألباني ١/١٣٧، ١٣٩]
"من بين الأئمة الأربعة، يرى الإمام أحمد بن حنبل أن المسلم لا يكفر بارتكاب المعاصي ما دام يعترف بحرمتها، إلا في حالة ترك الصلاة. فمن ترك صلاة فرضٍ واحدةٍ متعمدًا – مع اعتقاده بوجوبها – يُعتبر مرتدًا. بينما يرى الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي أن تارك الصلاة لا يُحكم بكفره مباشرةً، لكن يعاقب بالسجن أو الإعدام."
وقد حذر النبي ﷺ من عاقبة ترك الصلاة المفروضة فقال:
«لَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ».
[سنن الترمذي ٥/١٤، صحيح الترغيب للألباني ١/١٣٧]
فما أشدَّ هذا المصير!
فمن خرج من ذمة الله ورسوله لا يُعتبر من الأمة، ولا يُرجى له مغفرةٌ ولا شفاعة. وقد قال ﷺ:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ... وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ».
وأكد ﷺ أن الصلاة أول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة:
«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ. وَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ قَالَ اللهُ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكْمَلُ بِهَا».
[المستدرك للحاكم ٤/٤٤، مجمع الزوائد للهيثمي ١/٢٩٥، صحيح الترغيب ١/١٣٨-١٣٩]
"الصلوات الخمس المفروضة يجب أداؤها في المسجد مع الجماعة. وفقًا للمذهب الحنفي، فإن صلاة الجماعة واجبة على الرجال للصلوات الخمس، وقد ذكرت كتب المذهب الحنفي القديمة أن صلاة الجماعة واجب، وبعض المتأخرين كتبوا أنها سنة مؤكدة بدرجة الواجب. أما في المذاهب الأخرى، فصلاة الجماعة فرض. أجمع أئمة المسلمين وفقهاؤهم على أن من يتخلف عن صلاة الجماعة بلا عذرٍ ويصلي منفردًا فهو آثم."
لكن اختلفوا في صحة صلاته من عدمها. تُظهر الأحاديث النبوية أن صلاة الجماعة من أعظم الطاعات، بينما التخلف عنها من الكبائر العظيمة، حتى أن النبي ﷺ هَمَّ بإحراق بيوت المتخلفين. لم يكن النبي ﷺ ولا الصحابة يتخلفون عن الجماعة إلا لعذرٍ شديد، ورأوا التخلف عنها من علامات النفاق. قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ... وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ».
[سنن الترمذي ٢/٢٦٩، صحيح الترغيب للألباني ١/٩٠]
وقال النبي ﷺ:
«مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ».
[صحيح مسلم ١/٤٥٣]
"كما أن ترك صلاة الجماعة جريمةٌ عظيمةٌ وذنبٌ كبير، فإن أداءها فيه أجرٌ عظيم وبركات لا تُحصى."
قال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
[سنن الترمذي ١/٤٢٢، سنن ابن ماجه ١/٢٦٠، صحيح الترغيب للألباني ١/١٠٢]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ كَامِلَةٍ».
وفي حديث آخر:
«مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ».
[صحيح البخاري ١/٢٣١-٢٣٢، صحيح مسلم ١/٤٥٠]
"كما أن الفروض أعظم العبادات، فإن النوافل من أفضل القربات وسبل رضوان الله."
كثيرًا ما نهمل النوافل ولا نعطيها حقها، فترك الفرائض والاكتفاء بالنوافل نفاق، وإهمال النوافل والاقتصار على الفرائض تقصيرٌ كبير في الدين. لقد رأينا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته اهتمامًا بالغًا بجميع النوافل.
"كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين على النوافل من صلاة وصيام وقراءة قرآن وذكر وصدقات وغيرها. البعض يقول: 'فلان يصلي نوافل كثيرة لكنه يترك الفرائض، فما فائدة النوافل؟' هذا تزيين للشيطان! من يترك الفرائض عمدًا ويقتصر على النوافل فهو آثم، لكن هل نرتكب نحن خطيئةً أخرى برد فعل خاطئ؟ أما من اجتهد في الفرائض والنوافل معًا ووقع تقصير في الفرائض، فإن الله يكملها بنوافله."
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».
[صحيح البخاري، كتاب الرقاق، رقم ٦٥٠٢]
"ومن أعظم النوافل: صلاة الليل (قيام الليل وتهجد)، وصلاة الضحى."
سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ فقال:
«عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً».
[سنن الترمذي ٢/٧، صحيح الترغيب ١/٩٨]
وقال للصحابي ربيعة بن كعب حين طلب مرافقته في الجنة:
«فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».
[صحيح مسلم ١/٣٥٣]
أهمية قيام الليل:
قالت عائشة رضي الله عنها:
«لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُهُ، وَإِنْ مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا».
[سنن أبي داود ٢/٣٢، صحيح الترغيب ١/١٥٣]
فضل صلاة الضحى:
قال صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ (صلاة الضحى)، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ».
[سنن الترمذي ٢/٤٨١، صحيح الترغيب ١/١١١]