نحمده ونصلي على رسوله
الكريم. أما بعد، أيها الحضور الكريم، اليوم هو أول جمعة من
شهر جمادى الأولى. في خطبة اليوم سنتحدث عن الأذان والمسجد. ولكن قبل ذلك، سنتناول
بإيجاز المناسبات الوطنية والدولية لهذا الأسبوع.
اليوم
هو اليوم ..... من شهر ..... الميلادي. ومن بين المناسبات هذا الأسبوع: .....
أيها الحاضرون، من أهم أمور الصلاة الأذان والمسجد. إقامة الأذان
عمل ذو فضل عظيم. عن فضل ومكانة الأذان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ
يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا
إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ
وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»
[صحيح البخاري ١/٢٢٢-٢٢٣؛ صحيح مسلم ١/٣٢٥، ٤٥١]
وفي حديث آخر قال:
يَغْفِرُ
اللهُ لِلْمُؤَذِّنِ مُنْتَهَى أَذَانِهِ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ
وَيَابِسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ]مسند أحمد ٢/١٣٦؛ مجمع الزوائد ١/٣٢٥؛ صحيح الترغيب ١/٥٧. الحديث
صحيح [
"لَسْنَا
جَمِيعًا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نَكُونَ مُؤَذِّنِينَ، وَلَكِنَّ أَجْرًا
وَفَضْلًا عَظِيمًا مُعَدٌّ لَنَا مَعَ الأَذَانِ. فَعَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ مَا
يَقُولُهُ المُؤَذِّنُ بِمَحَبَّةٍ مِنَ القَلْبِ وَخُشُوعٍ وَإِيمَانٍ رَسِيح.
وَنَحْنُ نُسَمِّي هَذَا عَادَةً 'رَدَّ الأَذَانِ'. فَعَلَى المُسْلِمِ
السَّامِعِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ المُؤَذِّنُ. وَقَدْ وَرَدَتْ فِي
هَذَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فِي حَدِيثٍ: «إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ
الْمُؤَذِّنُ».[صحيح البخاري ١/٢٢١؛ صحيح مسلم ١/٢٢٨]
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ،
فَلَمَّا أَنْ سَكَتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ
مِثْلَ مَا قَالَ هَذَا يَقِينًا (مِنْ قَلْبِهِ) دَخَلَ الْجَنَّةَ».[مسند
أحمد ٢/٣٥٢؛ صحيح الترغيب والترهيب ١/٦٢، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ]
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أُمِرْنَا أَنْ نَقُولَ عِنْدَ سَمَاعِ «حَيَّ
عَلَى الصَّلَاةِ» وَ «حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ»: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللَّهِ». [صحيح مسلم ١/٢٨٩]"
"أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ انْتِهَاءِ الأَذَانِ بِقِرَاءَةِ
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدُعَاءِ الْوَسِيلَةِ. وَمَعْنَى كَلِمَةِ (الْوَسِيلَةِ):
الْقُرْبَةُ. وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ أَقْرَبُ
الْمَنَازِلِ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ خُصِّصَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ
لِعَبْدٍ وَاحِدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم:
«إِذَا
سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ،
فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،
ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا
تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا
هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة]صحيح مسلم ٢/٢٨٨ [
وَقَدْ عَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيغَةَ
طَلَبِ الْوَسِيلَةِ. قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم:
«مَنْ
قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ
وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ
لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ]صحيح البخاري ١/٢٢٢، ٤/١٧٤٩[
بَعْدَ طَلَبِ الْوَسِيلَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
عَلَّمَنَا أَنْ نَدْعُوَ لِحَاجَاتِنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمِنْ
أَوْقَاتِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ الْوَقْتُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ،
فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ لَا يُرَدُّ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَا
يُرَدُّ الدُّعَاءُ (وَفِي رِوَايَةٍ: الدَّعْوَةُ) بَيْنَ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ، فَادْعُوا]سنن الترمذي ١/٥١٥-٥١٦؛ سنن أبي داود ١/١٤٤؛ مجمع الزوائد ١/٣٣٤.
وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ["
"وَفِي
حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفُضُّونَنَا
(يَتَفَضَّلُونَ عَلَيْنَا) بِالأَجْرِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قُلْ
كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ]سُنن أبي
داود ١/١٤٤؛ صحيح الترغيب والترهيب ١/٦٢، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ[
أَيُّهَا الْحَاضِرُونَ، لِإِجَابَةِ الأَذَانِ طَرِيقَانِ:
بِاللِّسَانِ وَبِالْعَمَلِ. وَالْإِجَابَةُ بِالْعَمَلِ هِيَ الْأَصْلُ.
فَإِجَابَةُ الأَذَانِ عَمَلِيًّا هِيَ الْحُضُورُ إِلَى الْمَسْجِدِ لِأَدَاءِ
الصَّلَاةِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي
بَيْتِهِ، قَائِلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي
إِلَى الْمَسْجِدِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَجِبْ» أَيْ:
أَجِبْ دَعْوَةَ الْمُؤَذِّنِ وَاحْضُرْ إِلَى جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ]صحيح مسلم
١/٤٥٢[
الْمَسَاجِدُ هِيَ أَحَبُّ الْأَمَاكِنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَحَبُّ
الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ
أَسْوَاقُهَا]صحيح مسلم ١/٤٦٤[
بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ أَوِ الْمُسَاهَمَةُ فِي بِنَائِهَا مِنَ
الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْعَظِيمَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ
بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي
الْجَنَّةِ]صحيح البخاري ١/١٧٢؛ صحيح مسلم ١/٣٧٨، ٤/٢٢٨٧[
وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى نَظَافَةِ الْمَسَاجِدِ
وَطِيبِهَا. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
«أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي
الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ]سُنن الترمذي
٢/٤٨٩-٤٩٠؛ سُنن أبي داود ١/١٢٤؛ سُنن ابن ماجه ١/٢٤٩-٢٥٠؛ السلسلة الصحيحة ٦/٢٢٣["
"المَسَاجِدُ
لِلْعِبَادَةِ. النَّجَاةُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ
فِيهَا. أَمَّا إِذَا بُنِيَتْ لِلْفَخْرِ وَالْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهَا سَبَبٌ
لِلْهَلَاكِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ». ]سُنن أبي
داود ١/١٢٣؛ سُنن النسائي ٢/٣٢؛ صحيح أبي داود ١/٤٤٩، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ[
فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، أَغْلَبُنَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْإِثْمِ
بِشَأْنِ الْمَسَاجِدِ. فَلِزِيَادَةِ بَهْرَجَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِطَلَبِ
بَعْضِ الْمَالِ، نُعَيِّنُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ أَشْخَاصًا فُسَّاقًا مِنَ
الْمُجْتَمَعِ - غَيْرَ الْمُصَلِّينَ، وَآكِلِي الرِّبَا، وَالْمُرْتَشِينَ،
وَمُتَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ - أَعْضَاءً فِي لِجْنَةِ الْمَسْجِدِ
وَمَسْؤُولِينَ فِيهِ. نَتَّبِعُ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصَ. وَمِنَ الْوَاجِبِ
دَعْوَةُ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ إِلَى طَرِيقِ الدِّينِ وَتَشْجِيعُهُمْ عَلَى الْحُضُورِ
إِلَى الْمَسْجِدِ. لَكِنَّنَا لَا نَذْهَبُ إِلَيْهِمْ لِلدَّعْوَةِ، بَلْ
نَذْهَبُ لِطَلَبِ الصَّدَقَاتِ وَنُتَسَاهَلُ مَعَهُمْ فِي ذُنُوبِهِمْ.
نُوَصِّلُ لَهُمْ رَسَالَةً ضِمْنِيَّةً أَنَّهُ إِذَا قَدَّمُوا بَعْضَ الْمَالِ
لِلْمَسْجِدِ، فَسَتُغْفَرُ ذُنُوبُهُمْ هَذِهِ بِسُهُولَةٍ! وَاللَّهُ تَعَالَى
يَصِفُ عُمَّارَ الْمَسَاجِدِ فِي قَوْلِهِ:
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ
إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾]سورة التوبة:
١٨[
مَا الْفَائِدَةُ مِنْ بَهْرَجَةِ الْمَسْجِدِ؟ كَانَ مَسْجِدُ
نَبِيِّكَ الْعَظِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ كُوخٍ
مُتَوَاضِعٍ. كَانَ يُمْتَلِئُ بِالْمَاءِ وَالطِّينِ إِذَا هَطَلَتِ
الْأَمْطَارُ، وَكَانَ الطِّينُ يَلْصَقُ بِجَسَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبِينِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. الْأَمْرُ الْأَسَاسِيُّ هُوَ
أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ بُنِيَ تَحْتَ إِشْرَافِ أَشْخَاصٍ أَتْقِيَاءَ
بِأَمْوَالٍ حَلَالٍ، وَخَلْفَ إِمَامٍ عَالِمٍ صَالِحٍ. إِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ
الْمَسْجِدِ مَكَانًا مُرِيحًا لِلْعِبَادَةِ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ، فَهُوَ أَمْرٌ
جَيِّدٌ. لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَرْكُضَ وَرَاءَ البَهْرَجَةِ وَحْدَهَا."
"حِفْظُ
طَهَارَةِ الْمَسْجِدِ أَمْرٌ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ. فَدُخُولُ الصِّبْيَانِ
الصِّغَارِ جِدًّا إِلَيْهِ، وَالْخُصُومَاتُ وَالْجِدَالُ فِيهِ، وَبَيْعٌ
وَشِرَاءٌ فِيهِ، وَالْبَحْثُ عَنْ ضَالَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ
وَالْأَعْمَالِ، جَمِيعُهَا مُمْنُوعٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا
رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ
اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا:
لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ... فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». ]صحيح مسلم
١/٣٩٧؛ سنن الترمذي ٣/٦١٠ [
وَفِي حَدِيثٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا قَدْ رُوِيَ:
«جَنِّبُوا
مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ، وَحُدُودَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ
وَبَيْعَكُمْ، وَجَمِّرُوهَا يَوْمَ جُمُعِكُمْ، وَاجْعَلُوا عَلَى أَبْوَابِهَا
مَطَاهِرَكُمْ». ]مجمع الزوائد ٢/٢٥-٢٦؛ ضعيف الترغيب ١/٤٧، وَسَنَدُ الْحَدِيثِ
ضَعِيفٌ جِدًّا[
كَمَا يَجِبُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَسَاجِدُ مُعَطَّرَةً، يَجِبُ
أَيْضًا أَنْ يَحْضُرَ الْمَرْءُ إِلَيْهَا بِبَدَنٍ وَقَلْبٍ طَاهِرَيْنِ
مُعَطَّرَيْنِ. وَيُحَرَّمُ الْحُضُورُ إِلَى الْمَسْجِدِ بِبَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ
ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ أَوْ إِيزَاءِ الْمُصَلِّينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ
أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ... الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ ... فَلَا
يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا». ]صحيح البخاري
١/٢٩٢-٢٩٣؛ صحيح مسلم ١/٣٩٣-٣٩٥["
"نَعْلَمُ
أَنَّ الرَّائِحَةَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَجْسَادِ المُدَخِّنِينَ هِيَ أَكْثَرُ
إِيزَاءً وَإِيذَاءً مِنْ رَائِحَةِ البَصَلِ وَالثُّومِ، خُصُوصًا لِغَيْرِ
المُدَخِّنِينَ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى طَرِيقِ رِضَاهُ.
مِنْ حُقُوقِ المَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ المَرْءُ قَبْلَ الجُلُوسِ
فِيهِ عِنْدَ دُخُولِهِ. فَدُخُولُ المَسْجِدِ وَالجُلُوسُ مِنْ دُونِ أَدَاءِ
أَيِّ صَلَاةٍ يُخَالِفُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. إِنَّ أَدَاءَ رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ هُوَ
أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةٌ مِنْ
سُنَنِهِ. كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ
إِمَّا أَنْ يَقِفَ لِلصَّلَاةِ فِي الجَمَاعَةِ أَوْ لِإِلْقَاءِ الخُطْبَةِ،
وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ لِيَجْلِسَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى
الأَقَلِّ. كَانَ بَابُ بَيْتِهِ يُفْضِي إِلَى المَسْجِدِ. وَكَانَ إِذَا عَادَ
مِنْ سَفَرٍ، دَخَلَ المَسْجِدَ أَوَّلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَلَسَ فِيهِ،
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ. [صحيح البخاري ١/١٧٠، ٤/١٦٠٤؛ صحيح
مسلم ٤/٢١٢٣]
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
دَخَلْتُ
الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْ النَّاسِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ
تَجْلِسَ؟» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ
جُلُوسٌ. قَالَ: «فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى
يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ». ]صحيح البخاري ١/١٧٠، ٣٩١؛ صحيح مسلم ١/٤٩٥[
تُسَمَّى هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ «تَحِيَّةَ المَسْجِدِ».
وَ«التَّحِيَّةُ» تعني السَّلَامُ. فَعِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ يَصِيرُ عَلَى
المُسْلِمِ سَلَامٌ أَوْ تَحِيَّةٌ لِلمَسْجِدِ، وَهِيَ أَدَاءُ بَعْضِ
الصَّلَوَاتِ قَبْلَ الجُلُوسِ. فِي بِلَادِنَا، يُؤَدَّى «تَحِيَّةُ المَسْجِدِ»
فَقَطْ يَوْمَ الجُمُعَةِ. وَيَجْلِسُ بَعْضُ النَّاسِ أَوَّلًا عِنْدَ
دُخُولِهِمُ المَسْجِدَ، ثُمَّ يَقُومُونَ لِأَدَاءِ «تَحِيَّةِ المَسْجِدِ».
وَحَالُ هَذَا الفِعْلِ كَحَالِ مَنْ يَجْلِسُ فِي مَجْلِسٍ وَيَتَحَدَّثُ
قَلِيلًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ."
"الْمَقْصِودُ
مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ هُوَ أَدَاءُ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ الْجُلُوسِ
فِيهِ عِنْدَ الدُّخُولِ. إِذَا دَخَلَ الْمَرْءُ الْمَسْجِدَ وَوَقَفَ
مُبَاشَرَةً فِي الصَّفِّ لِلْجَمَاعَةِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، فَقَدْ أَدَّى
السُّنَّةَ. وَإِذَا بَدَأَ فِي أَدَاءِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ أَوِ السُّنَنِ
الزَّائِدَةِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، فَقَدْ حَصَلَ عَلَى أَصْلِ سُنَّةِ تَحِيَّةِ
الْمَسْجِدِ. وَإِلَّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، يَجِبُ
أَدَاءُ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَقَلِّ. إِذَا جَلَسَ
فِي الْمَسْجِدِ مِنْ دُونِ أَدَاءِ أَيِّ صَلَاةٍ، فَقَدْ حُرِمْنَا أَجْرَ
هَذِهِ السُّنَّةِ.
الْمَسْجِدُ هُوَ مَأْوَى الْمُؤْمِنِينَ. وَالْمُواظَبَةُ عَلَى
الذَّهَابِ إِلَى الْمَسْجِدِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِيمَانِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا
رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ». ]سُنن الترمذي
٥/٢٧٧، وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ[
يَجِبُ أَنْ نُحِبَّ الْمَسْجِدَ كَأَحَبِّ الْأَمَاكِنِ
إِلَيْنَا. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بِحَيْثُ يَشْعُرُ
بِأَعْظَمِ السَّكِينَةِ وَالسُّرُورِ حِينَ يَأْتِي إِلَى الْمَسْجِدِ. حَتَّى
وَهُوَ فِي مَكَانِ عَمَلِهِ أَوْ بَيْنَ أَصْدِقَائِهِ أَوْ أَهْلِهِ، سَيَظَلُّ
قَلْبُهُ مُشْتَاقًا لِلذَّهَابِ إِلَى الْمَسْجِدِ. إِذَا اسْتَطَاعَ الْمَرْءُ
أَنْ يَحْصُلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْقَلْبِ، فَفِيهِ الْبُشْرَى الْعُظْمَى:
ظِلُّ عَرْشِ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ... وَرَجُلٌ
قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ». ]صحيح البخاري ١/٢٣٤، ٢/٥١٧، ٥/٢٣٧٧، ٦/٢٤٩٦؛ صحيح مسلم ٢/٧١٥[
قَلْبُ الْمُؤْمِنِ سَيَكُونُ مُرْتَبِطًا بِالْمَسَاجِدِ.
النَّاسُ مَنْشَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ، وَلَكِنْ قُلُوبُهُمْ تَكُونُ فِي
بُيُوتِهِمْ. حِينَ يَأْتُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ فِي الْبَيْتِ، تَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ. وَكَذَلِكَ هُوَ حَالُ الْمُؤْمِنِ: حَتَّى فِي خِضَمِّ الْعَمَلِ
أَوْ بَيْنَ أَهْلِهِ، يَظَلُّ قَلْبُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأُذُنُهُ صَوَتُ
الْأَذَانِ، وَعَيْنُهُ عَلَى السَّاعَةِ. حِينَ يَأْتِي إِلَى الْمَسْجِدِ،
تَطْمَئِنُّ نَفْسُهُ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا
تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا
تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ
إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ». ]سُنن ابن ماجه ١/٢٦٢؛ المستدرك على الصحيحين ١/٣٣٢؛ صحيح الترغيب
والترهيب ١/٧٨، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ[
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْمَسْجِدُ
بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ بَيْتَهُ
بِالرَّوْحِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ، إِلَى رِضْوَانِ
اللَّهِ، إِلَى الْجَنَّةِ». ]مجمع الزوائد ٢/٢٢، وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ[
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَ قُلُوبَنَا مُتَوَجِّهَةً نَحْوَ الْمَسَاجِدِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا لَنَا. آمِينَ."
الكتاب: خطبة الإسلام
الدكتور خندقر عبدالله جهانجير راه..