توحيد الإيمان (٦)
أسباب اعتراض الكفار
من المناقشة السابقة يبرز سؤال في أذهاننا بطبيعة الحال. وهو: لماذا كانوا يرفضون بعناد عبادة الله وحده رغم إيمانهم بأن الله هو الخالق الوحيد والرب القدير؟ ولماذا كانوا ينزعجون من ذكر الله وحده؟
من القرآن والحديث نستنتج أنهم كانوا يتصورون الله كالملوك والدنيويين. كانوا يعتقدون أن الملائكة والأنبياء وبعض عباد الله المخلصين قد نالوا محبة الله ورضاه من خلال عبادتهم وطاعتهم. وبالتالي، فقد منحهم الله مكانة خاصة وحقوقًا معينة تؤهلهم للألوهية، أي الاستحقاق للعبادة والخضوع المطلق.
كما يمنح الملك الدنيوي خادمه المفضل جزءًا من مملكته، كذلك - حسب زعمهم - منح الله هؤلاء بعض السلطات في إدارة الكون. لا قدرة لهم خارج إرادة الله، ولكن كما لا يتدخل الملك في شؤون حكامه المحليين، كذلك الله لا يتدخل في أعمال هؤلاء؛ لأنه هو الذي جعلهم شركاء في الألوهية والربوبية بمحض إرادته.
لذلك كانوا يعتقدون أن دعاء الله مباشرة أو عبادته وحده يعني إنكار حقوق هؤلاء المقربين وإهانتهم. ولا يمكن التقرب إلى الله إلا عبر وساطتهم، تمامًا كما لا يمكن التقدم بطلب إلى الملك إلا عبر القنوات الرسمية. ودون وساطتهم، لا يمكن نيل القرب من الله.
وكانوا يعتقدون أن لهؤلاء "الأولياء" حقوقًا خاصة عند الله، مما يمكنهم من الشفاعة السريعة لقضاء الحوائج. لذلك، إذا دعوهم، يحصلون على الاستجابة أسرع مما لو دعوا الله مباشرة.
والملاحظ هنا أن ادعاءاتهم ومعتقداتهم تتعارض مع العقل والمنطق. فإذا كان الله هو الخالق الوحيد والرب القدير، فلماذا يعلن الإنسان عجزه أمام غير الله؟
كما أن كل ادعاءاتهم تدور حول الله. فهم يقولون إن الله منح فلانًا السلطة، أو أنه أعطى الملائكة والأنبياء وبعض البشر خاصية الألوهية والربوبية. وإذا كان لديهم هذه السلطات والحقوق، فدعاء الله مباشرة دونهم يغضب الله! وهذا الادعاء يحتاج إلى دليل من الوحي. لذلك طالبهم القرآن مرارًا بدليل من الكتب السماوية، لكنهم لم يتمكنوا من تقديم أي دليل. كل ما فعلوه هو تحريف بعض المصطلحات الوحيانية.
في الكتب السابقة، ذكر الله محبته للعباد الصالحين والأنبياء والملائكة. كما ذكر موضوع الشفاعة للمتقين، وكذلك المعجزات والكرامات. لكن المشركين حرفوا هذه المفاهيم ليبرروا شركهم.
كانت حجتهم كالتالي:
الله يحب فلانًا.
لأنه يحبه، فقد جعله شريكًا في الربوبية والألوهية، أو أعطاه بعض السلطات في إدارة الكون.
والدليل على هذه السلطات هو معجزاتهم وكراماتهم.
بما أن الله أعطاهم هذه السلطات، فلا يمكن التقرب إلى الله دون وساطتهم.
بما أن لهم حق الشفاعة، فلا بد من التوجه إليهم لقضاء الحاجات.
إذا دعوا الله مباشرة دونهم، أو ذكروا عظمة الله دون ذكرهم، فإن ذلك إهانة لهم لا تغتفر.
بناءً على هذه الحجج، كانوا يخوّفون دعاة التوحيد. فقالوا: إذا استمررتم في رفض عبادة هؤلاء المقربين، فسوف يضرونكم! وكانت فكرتهم في التخويف كالتالي:
الدعوة لعبادة الله وحده تعني الإساءة إلى هؤلاء المقربين!
هذه الإساءة تغضبهم، وبالتالي يعاقبونكم! لأن الله أعطاهم هذه السلطة!
وهنا نلاحظ أسلوب القرآن في تقديم الحجة. كان المشركون يخوّفون الرسول صلى الله عليه وسلم بأن دعوته لعبادة الله وحده تعني الإساءة إلى مقربيهم، مما سيجعلهم يعاقبونه.
والسؤال هو: إذا أراد الله لي خيرًا، فهل يستطيعون منعه؟ وإذا أراد لي ضرًا، فهل يستطيعون دفعه؟ الجواب في الحالتين: لا. فلماذا ندعوهم؟ الله وحده كافٍ لعبده.
وهكذا نرى أن المشركين اعتمدوا على أوهام باطلة لتبرير شركهم، وهي أن الله يحب هؤلاء العباد، لذا فقد أعطاهم سلطة، ودعاء الله دونهم إهانة لهم. كل حججهم باطلة ولا أساس لها سوى التحريف.
قال شاه ولي الله الدهلوي: "كل نبي بين لأمته حقيقة الشرك بيانًا واضحًا. ولكن عندما يموت أصحابه وحملة دينه، ويجيء جيل جديد يضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات، فإنهم يحرفون الكلمات ذات المعاني المتعددة في الوحي. كما أن محبة الله والشفاعة مذكورتان في كل شريعة لخاصة الناس، فيحرفون معناهما. بالإضافة إلى ذلك، يستدلون بالمعجزات والكشف كدليل على القدرة والعلم الغيبي، فيدّعون أن من ظهرت منه هذه الأمور يملك قدرات خارقة وعلمًا غيبيًا."