আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

08/03/2025, 04:56:28 AM عربي

علامات القيامة

News Image

علامات القيامة

علامات القيامة

الدكتور خوندكار عبد الله جاهنجير أستاذ، قسم الحديث، الجامعة الإسلامية، كوشتيا، ورئيس سابق لصندوق السُّنَّة.

وقد ذكر الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) بعض علامات الساعة الكبرى فقال: "خروج الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام) من السماء، وغير ذلك من أشراط الساعة التي جاءت بها الأحاديث الصحيحة، كل ذلك حق وسيقع. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم."

وقت الساعة وأشراطها:

كلمة "القيامة" مشتقة من الفعل "قام"، بمعنى النهوض أو القيام. وفي الاصطلاح الإسلامي، يُقصد بها البعث بعد الموت. ويُطلق عادةً على القيامة العامة والبعث معًا مصطلح "القيامة". كما يُطلق أحيانًا على الحياة الآخرة بشكل عام "يوم القيامة". وقد سبق أن رأينا أن الإيمان بالآخرة والقيامة من أركان الإيمان. ومن جوانب الإيمان بالقيامة أن وقتها أو ساعتها لم يُطلع الله عليها أحدًا من خلقه. وقد ذُكر ذلك في القرآن مرارًا، فقال تعالى:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
(النمل: 65).

وحين سُئل رسول الله ﷺ عن الساعة، قال:
"مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ. فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ"، ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ ﷺ:
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ...
(لقمان: 34).

وهكذا نرى أن الله لم يُعلِم البشر بوقت القيامة، لكنه أخبرهم ببعض علاماتها. قال تعالى:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
(محمد: 18).

في ضوء القرآن والحديث، صنف العلماء بعض الأمور على أنها "العلامات الصغرى" (أي العلامات الأقل شأناً) وبعضها على أنها "العلامات الكبرى" (أي العلامات العظيمة أو الخاصة).

العلامات الصغرى:

لقد رأينا أن القرآن أشار إلى أن بعض علامات الساعة قد ظهرت بالفعل. ومن أبرز هذه العلامات بعثة النبي محمد ﷺ. قال سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه:

"بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ كَهَاتَيْنِ"، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
(رواه البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير سورة النازعات، ومسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة).

بالإضافة إلى هذه العلامات، ذكرت العديد من الأحاديث علامات أخرى للساعة. ومن هذه الأحاديث نعلم أنه قبل قيام الساعة:

  • سوف تتدفق الأنهار في شبه الجزيرة العربية، وتنتشر المزارع.

  • ستتجاوز بيوت مكة جبالها، وستحفر الأنفاق تحت الأرض لتتصل ببعضها، وستزول الجبال من أماكنها.

  • سيُكشف عن جبل من ذهب تحت نهر الفرات في العراق، مما سيؤدي إلى حروب شديدة.

  • ستحسن حياة الناس، وسيُنجزون في وقت قصير ما كان يستغرق وقتاً طويلاً.

  • سيكون معظم الناس في رخاء مادي، لكن الإيمان والتقوى سينخفضان.

  • ستتفشى الانحلال الأخلاقي، والفساد، والظهور الكاذب لأنبياء دجالين.

  • ستزداد جرائم القتل والإرهاب، وستندلع حروب واسعة النطاق.

وبعد ظهور هذه العلامات الصغرى، ستظهر العلامات الكبرى للساعة.
(لمزيد من التفاصيل، انظر: د. محمد بن عبد الرحمن العريفي، "نهاية العالم").

العلامات الكبرى
حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ (رضي الله عنه) يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَوْقِفِ عَرَفَةَ (فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ)، وَكُنَّا أَسْفَلَ مِنْهُ. فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَقَالَ:
"إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ، وَنُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ..."
(صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة).

وقد وردت تفاصيل هذه العلامات في أحاديث صحيحة كثيرة. كما أشار القرآن الكريم إلى بعضها، فقال تعالى:
"وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ"
(النمل: 82).

ويُفهم من القرآن أن أهل الكتاب سيؤمنون بعيسى (عليه السلام) بعد نزوله. قال الله تعالى:
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ... بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ... وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ"
(النساء: 157-159).

وفي شأن يأجوج ومأجوج قال تعالى:
"حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ... يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا"
(الأنبياء: 96-97).

علامات القيامة: واجب المؤمن
كما في سائر مسائل العقيدة، فإن واجب المؤمن فيما يتعلق بعلامات الساعة هو الإيمان بما ورد في القرآن والأحاديث الصحيحة على ظاهره دون تكلف في التأويل. وليس من واجبنا البحث عن تفاصيلها أو طبيعتها. ففي معظم الأحيان تؤدي محاولات تفسيرها إلى جدال عقيم لا نهاية له. مثلًا:

  • الخسوف المذكور في الحديث: هل هو الزلازل في تركيا؟ أم إيران؟ أم تسونامي اليابان؟ أم سيحدث مستقبلًا؟ متى؟

  • من هم يأجوج ومأجوج؟ هل هم التتار؟ جيش جنكيز خان؟ الصينيون؟ أين يعيشون؟ هل خرجوا أم سيخرجون؟

  • من هو الدجال؟ هل هو دولة إسرائيل؟ أمريكا؟ هل ظهر أم سيظهر؟ متى؟

هذه الأسئلة وما شابهها تحت عنوان "البحث في علامات الساعة" لا تجلب للمؤمن نفعًا في الدنيا ولا الآخرة، بل قد تسبب ضررًا كبيرًا. فالشيطان يُلهي المؤمنين بهذه الجدالات العقيمة ليصرفهم عن العبادة والدعوة وكسب الحلال وحقوق الله وحقوق العباد.

واجب المؤمن:
أن يؤمن إجمالًا بأن هذه العلامات ستظهر قبل القيامة، وأن كل ما ورد في القرآن والأحاديث الصحيحة حق. وعند حدوثها، سيعلم المؤمنون أن الساعة تقترب. أما التفاصيل، فالله أعلم بها. لم يُكلّف المؤمن بفك رموزها، بل كُلِّف بالبحث في العلوم النافعة لدنياه وآخرته.

يوجه الإسلام إلى البحث في القرآن والسنة لإيجاد حلول عملية لمشاكل الحياة، ويحث على الدراسات المفيدة كالطب والعلوم والتاريخ والجغرافيا. هذه الأبحاث تؤدي إلى نتائج ملموسة، أما الجدال في الأمور الغيبية فلا يُثمر شيئًا. فلو قضى الناس ألف سنة في "البحث" عن هوية يأجوج ومأجوج أو الدجال، فلن يصلوا إلى نتيجة يقينية. (انظر: الملا علي القاري، شرح الفقه الأكبر، ص 192).

وأكد الإمام أبو حنيفة أن الاعتماد يجب أن يكون على الأحاديث الصحيحة فقط، وهذا هو منهج أهل السنة: الأخذ بالصحيح، وترك الضعيف والموضوع، والإيمان بظواهر النصوص دون تأويلات متكلفة.

الإمام المهدي
لم يرد ذكر "الإمام المهدي" في الحديث السابق الذي ذكر العشر علامات الكبرى للساعة، كما لم يذكره الإمام أبو حنيفة ضمن تلك العلامات. لكن وردت أحاديث أخرى تبين ظهور "المهدي" قبل قيام الساعة، وربط بعضها نزوله بنزول عيسى ابن مريم (عليه السلام) وخروج الدجال.

في المصطلح الحديثي والفقهي والعقدي، كلمة "إمام" مرادفة لـ"خليفة" أو "رئيس الدولة". و"المهدي" تعني "المهتدي" أو "المرشد بالهدى الإلهي". لذا، فـ"الإمام المهدي" اصطلاحًا يعني: "الخليفة المهتدي برحمة الله".

سبق أن ذكرنا أن النبي ﷺ وصف خلفاءه الراشدين بـ"الخلفاء الراشدين المهديين"، مما يدل على أنهم جميعًا كانوا "مهديين" (مهتدين). لكن وردت أحاديث تشير إلى ظهور "خليفة مهدي" آخر في آخر الزمان.

ملاحظة مهمة:
لا يوجد أي حديث صحيح عن المهدي في "صحيح البخاري" أو "صحيح مسلم"، لكن وردت أحاديث عنه في كتب السنن الأخرى. بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وكثير منها موضوع (مكذوب). نذكر هنا بعض الأحاديث المقبولة:

الحديث الأول: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
"لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا".
(رواه الترمذي، حديث صحيح).

الحديث الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
"الْمَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ".
(رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

الحديث الثالث: عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيُبَايِعُونَهُ. ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ... فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ (أَوْ تِسْعَ سِنِينَ)، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ".
(رواه أبو داود).

اختلف المحدثون في صحة الحديث
ذكر العلامة ابن القيم وغيره من المحدثين أن الحديث "حسن" أو "صحيح"، بينما ضعّفه الشيخ الألباني. (ابن القيم، المنار المنيف، ص 141-148؛ الألباني، ضعيفة الجامع، 4/435-437، رقم 1965أ).

الحديث الرابع: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
"يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ، إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ، وَإِلَّا فَتِسْعٌ، فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ، تُؤْتَى أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ، فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي، فَيَقُولُ: خُذْ".
(رواه ابن ماجه، حديث حسن. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/389، رقم 3299).

الحديث الخامس: عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ:
"الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ".
(رواه أبو داود، وصححه السيوطي والألباني).

الحديث السادس: عن ثوبان رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
"يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ... فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ".
(أخرجه البزار، والحاكم، وحسنه البوصيري والسيوطي، وضعف الألباني جزءًا منه).

أحاديث في البخاري ومسلم ذات صلة:

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
    "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟".
    (رواه البخاري ومسلم).

  • عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
    "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ... فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ".
    (رواه مسلم).

استنباط العلماء:
يستدل العلماء من هذه الأحاديث أن نزول عيسى عليه السلام سيتم في زمن المهدي، وأنه سيصلي خلفه تكريمًا لأمة محمد ﷺ.

الاستنتاجات من الأحاديث السابقة:
من خلال الأحاديث المذكورة، نستنتج ما يلي:

١. مفهوم "الإمام المهدي":

  • هو قائد مهتدي بالله، يتولى السلطة ويحقق الرفاهية والعدل وينشر الإسلام في العالم.

٢. نسبه ومدة حكمه:

  • من ذرية النبي ﷺ، ويحكم لمدة ٧ أو ٩ سنوات.

٣. نزول عيسى (عليه السلام):

  • سينزل المسيح عيسى ابن مريم في عهد المهدي.

٤. مركز حكمه:

  • تكون قاعدته في الجزيرة العربية.

٥. ظروف ظهوره:

  • ستسبق خلافات وحروب قبل توليه السلطة.

  • يُبايَع بين الركن والمقام في مكة.

  • تنضم إليه جيوش من الشام والعراق والشرق.

٦. واجب المؤمنين:

  • لا يُطلب من المسلمين السعي لتنصيبه، بل يُبايع بعد ظهور علامات اقتداره (مثل خسف الجيش المعادي).

  • كما قال الإمام سفيان الثوري:
    "لو مرّ ببابك فلا تُبايعه حتى يجتمع الناس عليه".
    (إرشيف ملتقى أهل الحديث ١/٨٠٥٦).

ادعاء المهدوية عبر التاريخ:
شهد التاريخ الإسلامي العديد ممن ادعوا المهدوية، إما بدافع حماسي أو بناءً على رؤى مزعومة، مما تسبب في تضليل الجماهير وسفك الدماء. نذكر بعضهم:

١. محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) (٩٣-١٤٥هـ):

  • من أحفاد الحسن بن علي، وكان عالمًا وزاهدًا.

  • بايعه بعض العباسيين سرًا قبل استيلائهم على الخلافة.

  • قاوم الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور، لكنه قُتل عام ١٤٥هـ.

  • اعتقد فيه بعض الصالحين أنه المهدي.
    (الذهبي، سير أعلام النبلاء ٦/٣١٩؛ الزركلي، الأعلام ٦/٢٢٠).

    ٢. الخليفة العباسي الثالث "المهدي" (١٢٧-١٦٩هـ):

    • ابن الخليفة أبي جعفر المنصور، ادعى المهدوية مدعومًا بأحاديث ضعيفة تزعم أن المهدي من نسل العباس.
      (ابن تيمية، منهاج السنة ٤/٤٥؛ ابن القيم، المنار المنيف، ص ١٤١-١٤٨).

    ٣. الحسين بن زكريويه (٢٩١هـ):

    • أعلن نفسه المهدي في سوريا، قام بالنهب والقتل الجماعي، حتى هزمه الخليفة المقتفي وأعدمه.
      (ابن العديم، بغية الطلب ١/٣٠٠).

    ٤. عبيد الله بن ميمون القداح (٢٥٩-٣٢٢هـ):

    • أسس الدولة الفاطمية في المغرب عام ٢٩٦هـ، زاعمًا أنه المهدي. استمر حكم أتباعه حتى أطاح بهم صلاح الدين الأيوبي عام ٥٦٧هـ.
      (ابن تيمية، منهاج السنة ٤/٤٥-٤٦؛ الزركلي، الأعلام ٤/١٩٧).

    ٥. الحسين بن منصور الحلاج (٣٠٩هـ):

    • صوفي ادعى الفناء في الله والبقاء، وزعم أنه المهدي صاحب الكرامات. أُعدم عام ٣٠٩هـ، لكن أتباعه زعموا اختفاءه.
      (الذهبي، سير أعلام النبلاء ١٤/٣١٣-٣٥٤).

    ٦. المعز بن المنصور الفاطمي (٣٦٥هـ):

    • حفيد عبيد الله القداح، ادعى أنه صعد إلى العرش الإلهي، وأسس مدينة القاهرة.
      (السيوطي، العرف الوردي، مقدمة المحقق ص ٢٣).

    ٧. باليا (٤٨٤هـ):

    • ساحر ادعى المهدوية عام ٤٨٣هـ، احتل مدنًا بالعراق قبل إعدامه.
      (ابن كثير، البداية والنهاية ١٢/١٦٨).

      ٨. محمد بن عبد الله بن تومرت (٤٨٥-٥٢٤هـ):

      • عالم وزاهد مغربي، ادعى المهدوية والنسب العلوي، وحارب حكام المرابطين. توفي قبل تحقيق حلمه، لكن خليفته عبد المؤمن أسس دولة الموحدين.
        (ابن تيمية، منهاج السنة ٤/٤٥؛ الزركلي، الأعلام ٦/٢٢٨).

      ٩. أحمد بن عبد الله بن هاشم الملثم (٦٥٨-٧٤٠هـ):

      • فقيه صوفي مصري، زعم رؤية الله في المنام وتلقيه "تعيينًا إلهيًا" كمهدي. سُجن عدة مرات بسبب ادعاءاته.
        (الزركلي، الأعلام ١/١١٢).

      ١٠. الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الله السجلماسي (٩٦٧-١٠٢٢هـ):

      • فقيه صوفي مغربي شهير، ادعى المهدوية وقاد ثورة ضد الظلم. احتل مدينة سجلماسة ٣ سنوات قبل هزيمته وإعدامه. ظل أتباعه يؤمنون بعودته قرونًا.
        (الزركلي، الأعلام ١/١٦١).

        ١١. محمد أحمد بن عبد الله (١٢٥٩-١٣٠٢هـ/١٨٨٥م):

        • صوفي سوداني شهير، أعلن المهدوية عام ١٢٩٨هـ/١٨٨١م. هزم القوات المصرية والبريطانية، وحكم السودان حتى وفاته بالجدري.
          (الزركلي، الأعلام ٦/٢٠).

        ١٢. علي محمد بن ميرزا رضا الشيرازي (١٢٦٦هـ/١٨٥٠م):

        • مؤسس البابية والبهائية، ادعى أولاً "البوابة" للمهدي، ثم المهدوية نفسها، وأخيراً نبذة جديدة. أُعدم عام ١٨٥٠م.
          (الزركلي، الأعلام ٥/١٧).

        ١٣. ميرزا غلام أحمد القادياني (١٨٤٠-١٩٠٨م):

        • بدأ كصوفي مدعي للكرامات، ثم تدرج في ادعاءاته من "مجدد القرن" إلى "المهدي" فـ"المسيح" وأخيراً "نبي" بـ٣٠٠ ألف معجزة! مات بالكوليرا عام ١٩٠٨م.
          (انظر: إحسان إلهي ظهير، القاديانية دراسة وتحليل).

          ١٤. محمد بن عبد الله القحطاني (١٤٠٠هـ/١٩٧٩م):
          في ١/١/١٤٠٠هـ (١٩ نوفمبر ١٩٧٩م)، أعلن الجهادي السعودي جهيمان العتيبي أن قريبه القحطاني هو "المهدي المنتظر"، مدعياً رؤى نبوية. استولت مجموعته على المسجد الحرام لمدة ١٥ يوماً قبل تدخل القوات السعودية، مما أسفر عن مقتل القحطاني والعتيبي ومئات المصلين.
          (المصدر: تقارير صحفية سعودية معاصرة).

          ١٥. حسين بن موسى الحسين اللحيدي:

          • كويتي ادعى المهدوية مؤخراً، زاعماً تلقي الوحي. يخالف الأحاديث الصحيحة التي تشترط تطابق اسم المهدي مع النبي ﷺ. ألف العلماء كتباً لتفنيد مزاعمه.
            (المصدر: بحوث علمية معاصرة من الخليج).

            أسباب الافتتان وسبل الوقاية منه

            لقد شهد التاريخ مئات من مدّعي المهديّة، ممن فُتن بهم آلاف المسلمين، فصار بعضهم قتلة أو مقتولين، بل خرج بعضهم من دائرة الإيمان. ومن بين هؤلاء المدّعين وأتباعهم كثير من الدجالين والمخادعين، لكن كان منهم أيضاً بعض العلماء والعبّاد والصالحين. ونرى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية كانت وراء هذا الافتتان:

            (١) العاطفة العمياء لتغيير المجتمع

            في كل مجتمع يوجد الفساد والظلم. وعدد الفاسقين والظالمين والبعيدين عن الدين يفوق أضعافاً عدد المتدينين. لذلك يحلم الكثير من الشباب المتدين والعاطفيين بإقامة مجتمع مثالي خالٍ من المنكرات. ونظراً لأن إصلاح المجتمع بالدعوة ونشر العلم يُعد "شاقاً" و"طويل الأمد" و"مستحيلاً" في نظرهم، فإنهم يرون في الجهاد أو قضية المهدي أمراً جذاباً وسريعاً. ولهذا، عند سماعهم حديثاً حول المهدي، ينضمون إليه دون تمحيص.

            وقد قال المؤرخ وعالم الاجتماع الشهير عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون (٧٣٢–٨٠٨هـ) في معرض حديثه عن آراء الشيعة والصوفية حول المهدي، أن فكرة المهدي قد اختلطت بفكرة المجدد، والجميع ينتظر من يأتي ليُصلح الدين والبلاد والمجتمع. ((ابن خلدون، التاريخ، ١/٣٢٧)) وهذه كلها تعبير عن عقلية الهروب. فالمؤمن مسؤول عن أداء واجب تبليغ الدين حسب استطاعته دون النظر إلى النتائج، لأن الثواب في الآخرة لا يتوقف على النتائج بل على الإخلاص والعمل.

            (٢) الاعتماد على الرؤى والكشوفات

            غالب مدّعي المهديّة وأتباعهم يزعمون – تحت القسم بالله – أن الله أو رسوله ﷺ أخبرهم في المنام أو الكَشف أن هذا الشخص هو المهدي. ويضعف إيمان المسلم عند سماعه أن أحدهم رأى النبي ﷺ في المنام. لكن النبي ﷺ لم يقل إن الشيطان لا يمكن أن ينتحل اسمه، بل قال: "فإنه لا يتمثل بي". أي أن رؤيته ﷺ في المنام لا تُعتبر صحيحة إلا إذا طابقَت صورته الحقيقة، والرؤى عمومًا تحتمل التأويل. كما أن الشيطان قد يدّعي في المنام أو في اليقظة أنه رسول الله ﷺ.

            إن من أعظم أسباب الافتتان عند المسلمين اعتبار الرؤى والكشوفات دليلاً شرعياً. ونحن نؤمن بأن في آخر الزمان سيحكم رجُل صالح وهادٍ عادل الأمة الإسلامية. لكن هل يوجد دليل على أن شخصاً بعينه هو المهدي؟ حتى وإن وافق اسمه واسم والده ونَسَبه وصفاته وبايعه الناس عند الكعبة، فليس هذا دليلاً قاطعاً على أنه المهدي، لأن هذه الصفات ستكون في المهدي، ولكنها لا تدل أن كل من تحققت فيه هو المهدي.

            لم يرد في أي حديث أن الله إذا اختار شخصاً ليكون المهدي أو المجدد فإنه يُخبره بذلك. فمن ادّعى ذلك فهو كاذب أو مخدوع. فمن أين له العلم بأنه المهدي أو المجدد؟ لا يعلم قرارات الله إلا عن طريق الوحي، والنبيون علموا نبوتهم بالوحي. فكيف علم هؤلاء بما قرّره الله في شأنهم؟

            هم لا يجرؤون على ادعاء الوحي، لأنهم سيُعتبرون أنبياء كذبة، لذلك يزعمون أنهم علموا ذلك عن طريق الرؤى والكشوفات. فينخدع المسلمون البسطاء. بينما في الحقيقة، ادعاء المهدية أو التجديد استناداً إلى الرؤى والكشوفات لا يختلف عن ادعاء الوحي، لأن من يجعل رؤاه حُجّة على نفسه أو على غيره، فهو يرفعها إلى مرتبة وحي الأنبياء. وكذلك من يصدق بها فقد آمن ضمنًا بأن الوحي لم ينقطع.

            المؤمن لا يصدق إلا ما جاء في القرآن والسنة. وحديث المهدي من علامات الساعة، كغيره من العلامات مثل الزلازل وخسف الأرض. فالمؤمنون لا يصنعون علامات الساعة، بل عندما تظهر، يقرّون بحدوثها. فإذا ظهرت جميع علامات المهدي، واعترف به المسلمون كحاكم، عندها فقط يُقرّ به المؤمنون.

            قد يظن البعض أن من واجبهم نصرة المهدي، وهذه فكرة باطلة. فإذا ادّعى أحدهم أنه المهدي، فهو كاذب. وإن لم يدّعِ لكنه وُجدت فيه بعض الصفات، فيجب الابتعاد عنه بحذر حتى تظهر باقي العلامات. فإن كان المهدي الحقيقي، فالله سينصره بالخوارق والزلازل حتى يُقيم حكمه. وعند تحقق جميع العلامات واعتراف المسلمين كافة به، يصبح من واجب المؤمنين بيعته.

            (٣) تأويل الوحي وترك ظاهره

            كما هو الحال في مسائل العقيدة الأخرى، فإن تحريف نصوص الوحي سبب رئيسي للفتنة في قضية المهدي. رأينا أن أغلب مدّعي المهديّة لم تنطبق عليهم لا الأسماء، ولا النسب، ولا الصفات، ولا مكان البيعة، ولا إقامة الحكم، ولا إزالة الظلم. ومع ذلك صدّقهم آلاف الناس وضلوا بسببهم. فبدأ أتباعهم بتأويل الأحاديث والرد على النصوص الصريحة. وإذا أحب الناس أحدًا وظنوه صالحًا، قبلوا منه كل شيء. ولهذا يبدأ الدجالون بإظهار العبادة والتقوى والزهد، حتى يكسبوا قلوب الناس، ثم يقدّمون ادعاءاتهم، فيُصدّقهم أتباعهم دون تروٍ.

            نجاح هؤلاء الدجالين راجع إلى ضعف الإيمان. فالإيمان الحقيقي بـ"محمد رسول الله" يقتضي أن لا نقبل قول أحد دون الرجوع إلى سنته ﷺ. كل قول يجب أن يُعرض على السنة، وهذا هو درع الأمان للمؤمن.


কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD