আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

19/03/2025, 04:22:13 AM عربي

سند الحديث: السرد الشفوي مقابل الاعتماد على المخطوطات

News Image

سند الحديث: السرد الشفوي مقابل الاعتماد على المخطوطات

الدكتور خُندَكَار أ.ن.م. عبد الله جاهنغير (رحمه الله)، أستاذ، قسم الحديث والدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية، كُشتيا

١. المقدمة
لقد وردت أوامر خاصة في القرآن الكريم والحديث الشريف بشأن التحقق من صحة الحديث ودقته. فمن جهة، أُمر بحفظه ونقله حرفياً وبدقة، ومُنِع من رواية الحديث دون التأكد من الحفظ والدقة. ومن جهة أخرى، نُهي عن قبول أي حديث يرويه أو ينقله الآخرون دون التحقق الكامل منه.
[انظر: العراقي، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (ت ٨٠٦هـ)، "التقييد والإيضاح" (بيروت، مؤسسة الكتب العلمية، الطبعة الخامسة، ١٩٩٧)، ص ٦٦-٧٠؛ "فتح المغيث" (القاهرة، مكتبة السنة، ١٩٩٠)، ص ٥٢-٦٣؛ السخاوي، محمد بن عبد الرحمن (ت ٩٠٢هـ)، "فتح المغيث" (القاهرة، مكتبة السنة، الطبعة الأولى، ١٩٩٥)، ١/٨-٩، ١١٧-١٥٥؛ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت ٩١١هـ)، "تدريب الراوي" (الرياض، مكتبة الرياض الحديثة)، ١/١٨٣-١٩٤].

وبناءً على هذه التوجيهات، شدّد الصحابة رضي الله عنهم في رواية الحديث وقبوله على التحقق من صحته ودقته، واتبعوا في ذلك منهجًا علميًا دقيقًا لا مثيل له في التاريخ. فلم يعرف التاريخ أن أمة أو جماعة دينية قد اتبعت مثل هذا الحذر والدقة في جمع وحفظ كتابها المقدس أو أقوال نبيها.

واقتداءً بسيرة الصحابة، واصل المحدثون من أمة الإسلام لعدة قرون التحقق من صحة الحديث ودقته اللفظية باستخدام منهج علمي دقيق. ولكن في العصر الحاضر، يجهل كثير من الناس هذا المنهج النقدي والتحقيقي، مما أدى إلى وجود الكثير من الغموض واللبس حوله.

ويظن بعض المستشرقين وبعض المثقفين المحليين أن الأحاديث — لما كانت منقولة مشافهة عن طريق سلسلة الرواة — فهي مليئة بالأخطاء، فلا يُعتمد عليها، ويجب الاعتماد على القرآن الكريم فقط لمعرفة أحكام الإسلام. وهذه الشبهات إنما نشأت بسبب الجهل بمنهج المحدثين الدقيق والعلمي في التحقق من صحة الأحاديث.

وفي هذه المقالة سنناقش دور الكتابة والمخطوطات في رواية الحديث وتوثيقه. ونسأل الله تعالى التوفيق ونعتمد على رحمته وحده.

٢. التعريف والمصطلحات
٢.١. الحديث
عادةً ما يُراد بالحديث: قول أو فعل أو تقرير النبي ﷺ. وكل قول أو فعل أو تقرير أو وصف نُسِب أو نُسِب ادعاءً إلى النبي ﷺ يُعرف في مصطلح المحدثين بـ"الحديث". كما تُطلق كلمة "حديث" أيضًا على أقوال وأفعال وتقريرات الصحابة والتابعين.

٢.٢. السند والمتن في الحديث
منذ عهد الصحابة، اتخذت الأمة الإسلامية تدابير احترازية متعددة للتحقق من صحة الأحاديث. ومن أهم هذه التدابير: ضرورة حفظ السند وذكره. فإذا قال أحدهم شيئًا منسوبًا إلى النبي ﷺ، كان عليه أولاً أن يذكر ممّن سمعه، ومن أين نقله. وهكذا يجب أن تُذكر سلسلة الإسناد المتصلة حتى النبي ﷺ.
وفي مصطلح المحدثين، يُسمّى هذا التسلسل في الرواة بـ"السند".
ويُطلق المحدثون "الحديث" على جزئين:
الجزء الأول: السند، وهو سلسلة الرواة،
والجزء الثاني: المتن، وهو نص الحديث.

فعلى سبيل المثال، الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩هـ)، أحد كبار المحدثين في القرن الثاني الهجري، ذكر أسماء ٣ أو ٤ رواة بينه وبين النبي ﷺ في كتابه "الموطأ".

مثال على ذلك:

مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار رسول الله ﷺ بيده يقللها.

"مالك، عن أبي الزناد (ت ١٣٠هـ)، عن الأعرج (ت ١١٧هـ)، عن أبي هريرة (ت ٥٩هـ): أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة، فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار رسول الله ﷺ بيده يقللها."
[مالك بن أنس (ت ١٧٩هـ)، الموطأ (القاهرة، دار إحياء التراث العربي)، ١/١٠٨].

الجزء الأول من الحديث: "مالك عن أبي الزناد... عن أبي هريرة" هو السند.
والكلام المنسوب إلى النبي ﷺ في نهاية الحديث هو المتن.

ففي مصطلح المحدثين، لا يُقصد بـ"الحديث" المتن وحده، بل الحديث يشمل السند والمتن معًا. وإذا ورد نفس المتن بسندين مختلفين، يُعتبر حديثين مختلفين.

وأحيانًا يُطلق مصطلح "حديث" على السند فقط.
فمثلًا، الإمام الدارقطني (ت ٣٨٥هـ) قال عن المحدث أبي محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر (ت ٣٢٩هـ):

دخلت على أبي محمد بن زبر وأنا إذ ذاك حدث، وبين يديه كاتب له وهو يملي عليه الحديث من جزء، ومتن من آخر.
[ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (ت ٨٥٢هـ)، لسان الميزان (بيروت، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الثالثة، ١٩٨٦)، ٣/٢٥٣].

ومن هذا نرى أن الدارقطني عنى بـ"الحديث" السند فقط.

٢.٣. رواية السند: السماع الشفهي مقابل الاعتماد على المخطوطات

من خلال الحديث المذكور أعلاه والعديد من الأحاديث المماثلة المجمعة في كتب الحديث، قد يظن البعض أن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يقوموا بتدوين الأحاديث، بل كانوا يروونها شفوياً فقط. قد يكون هذا هو السبب في قيام المحدثين بذكر السند عند جمع الأحاديث. لكن الأمر ليس كذلك. إن الجهل أو الفهم السطحي لأساليب رواية وجمع الحديث هو ما أدى إلى هذا الالتباس. في الواقع، اتبع المحدثون في الأمة الإسلامية أساليب علمية دقيقة في رواية وجمع الحديث، حيث جمعوا بين الرواية الشفوية والتدوين الكتابي لمنع الأخطاء. سنناقش هذا الموضوع في ثلاث مراحل:

  1. دور الكتابة والمخطوطات في تعلم وجمع الحديث.

  2. دور المخطوطات في تحديد صحة الحديث.

  3. دور المخطوطات أو الكتب في رواية السند.

٣. دور الكتابة والمخطوطات في تعلم وجمع الحديث

كان الصحابة عادةً يحفظون الأحاديث، وأحياناً كانوا يكتبونها. ومن الجدير بالذكر أن الحاجة لتدوين الأحاديث لم تكن كبيرة بالنسبة لهم، حيث أن معظم الصحابة لم يرووا أكثر من 20 إلى 30 حديثاً. عدد الصحابة الذين رووا الأحاديث حوالي 1500، ومن بينهم فقط 38 صحابياً رووا أكثر من 100 حديث، و7 فقط رووا أكثر من 1000 حديث. بقية الصحابة رووا ما بين حديث واحد إلى 30 حديثاً.

كانت حياتهم مكرسة لاتباع النبي ﷺ، وتذكر كلماته وأفعاله، لذا لم تكن هناك حاجة ملحة لتدوين الأحاديث. ومع ذلك، قام العديد من الصحابة بتدوين الأحاديث وحفظ المخطوطات.

منذ عهد التابعين، أصبح حفظ المخطوطات جزءاً لا يتجزأ من عملية تعلم الحديث. كان معظم التابعين والمحدثين في العصور اللاحقة يستمعون إلى الحديث، يتعلمونه، يكتبونه، ويحفظونه. عند رواية الحديث أو تعليمه، لم يكتفوا بالرواية الشفوية، بل كانوا يستخدمون المخطوطات أيضاً. كان الطلاب يكتبون الأحاديث أثناء الاستماع، ثم يقارنونها مع مخطوطات أساتذتهم. منذ نهاية القرن الأول الهجري، أصبح تدوين الأحاديث جزءاً أساسياً من نظام التعليم الحديثي.

هناك العديد من الروايات التي توثق هذا الأمر، نذكر منها:

  • قال التابعي عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب (توفي 140 هـ):

    "كنت أذهب أنا وأبو جعفر إلى جابر بن عبد الله ومعنا ألواح صغار نكتب فيها الحديث."

  • قال التابعي سعيد بن جبير (توفي 95 هـ):

    "كنت أكتب عند ابن عباس، فإذا امتلأت الصحيفة أخذت نعلي فكتبت فيها حتى تمتلئ."

  • قال التابعي عامر بن شراحيل الشعبي (توفي 102 هـ):

    "اكتبوا ما سمعتم مني ولو على جدار."

  • قال التابعي أبو قلابة عبد الله بن زيد (توفي 104 هـ):

    "الكتابة أحب إلي من النسيان."

  • قال التابعي الحسن البصري (توفي 110 هـ):

    "إن لنا كتباً نتعاهدها."

  • قال التابعي الكبير عبد الله بن المبارك (توفي 181 هـ):

    "لولا الكتاب لما حفظنا."

توجد العديد من الروايات الأخرى التي تؤكد أهمية التدوين في حفظ الحديث.

من هذا، نرى أن المحدثين منذ عهد التابعين كانوا يكتبون الأحاديث أثناء تعلمها. عند تعليم الحديث، كان التابعون وتابعو التابعين يقرؤون من المخطوطات أو من الحفظ، لكنهم كانوا يحتفظون بالمخطوطات للرجوع إليها عند الحاجة.

٣. دور الكتابة والمخطوطات في تحديد صحة الحديث

٣.١. معيار صحة الحديث: منهج المحدثين

منذ عهد الصحابة، اعتمد علماء الأمة الإسلامية على عنصرين أساسيين في التحقق من صحة الحديث ودقته وسلامته:

أولاً: صدق وعدالة الراوي في حياته الشخصية وتدينه والتزامه (العدالة).
ثانيًا: دقة الراوي وضبطه في نقل الحديث دون خطأ أو سهو (الضبط).

للتأكد من العنصر الأول، كانوا يراقبون حياة الراوي الشخصية، وتدينه، وصدقه، أو يسألون علماء ومحدثي منطقته عنه.
وللتأكد من العنصر الثاني، كانوا يقارنون رواياته بأحاديث غيره من الرواة، ويجرون فحصًا شاملاً (مقارنة دقيقة Cross Examination) لرواياته.
وكانوا يتبعون في ذلك أسلوب القاضي والمحامي وهيئة المحلفين في التحقيق.
كانوا يجمعون معلومات عن الراوي، وجميع أحاديثه، ومعلومات عن شيوخه، وعن تلاميذ شيوخه، وأحاديثهم، ويقارنون بين هذه المعلومات كلها لتحديد مدى صحة الحديث المروي.

وكانوا لا يقبلون الحديث إلا إذا تحقق الشرطان معًا.
وكان مبدأهم في ذلك: "يُقبل الحديث الصحيح فقط من الراوي العدل الضابط."
فلا يُقبل حديث الراوي الصادق إذا كان ضعيف الضبط، ولا حديث الراوي غير العدل ولو كان ضابطًا.


٣.٢. التحقق من دقة الرواية عن طريق الفحص المقارن

اتبع المحدثون عدة طرق للتحقق من ضبط الراوي وثقة روايته.
وكان أول ما يفعلونه هو السفر إلى أنحاء العالم الإسلامي لجمع كل الأحاديث المسندة المتداولة.
ثم كانوا ينظمون هذه الأحاديث بناءً على أسانيد الرواة ويجرون عليها المقارنة والتحقيق.
وكان منهجهم في ذلك يشمل ما يلي:

  1. استجواب الراوي بأسئلة مختلفة للتحقق من دقة معلوماته.

  2. عرض الحديث على الشيخ الذي زُعِمَ أن الحديث قد سمع منه للتحقق من صحة الرواية.

  3. مقارنة روايات الطلاب الآخرين عن ذلك الشيخ.

  4. مقارنة روايات الطلاب الآخرين لسائر الرواة في الإسناد حتى الصحابي.

  5. مقارنة روايات الراوي في أوقات مختلفة.

  6. مقارنة ما في الذاكرة والسماع بما هو مكتوب في المخطوطات.

  7. تمييز الرواة الذين يعتمدون فقط على الحفظ أو فقط على الكتابة.

لا يمكن شرح جميع هذه الطرق بالتفصيل في هذا الموضع.
ولكننا نريد هنا أن نركز فقط على النقطتين الأخيرتين المتعلقتين بالكتابة.

٣.٣. مقارنة بين الحفظ والكتابة (النسخ)

لقد رأينا سابقًا أن الرواة والمحدثين، منذ عصر التابعين، اعتادوا على كتابة الأحاديث التي تعلموها من كل شيخ على حدة، وحفظها في شكل مخطوطات.
وكانوا يراجعون هذه المخطوطات عند الحاجة لمقارنة الرواية الشفوية والتأكد من صحتها.
وفي بعض الأحيان كانوا يفحصون الخط، والحبر، ونوعية الورق في هذه المخطوطات.
وإليكم مثالاً يدل على مدى دقة وتحري المحدثين في هذا الباب:

يقول الإمام يحيى بن معين (ت ٢٣٣ هـ)، أحد كبار المحدثين والنقاد في القرن الثالث الهجري:
"إذا شُكَّ في أن الراوي قد حفظ الحديث وأدّاه بشكل صحيح، فعليه أن يُظهِر نسخته القديمة.
فإن استطاع أن يُظهر النسخة الأصلية القديمة، فلا يُعدّ من المتعمدين للكذب.
أما إن قال: ضاعت نسختي القديمة ولكن عندي نسخة منسوخة منها، فلا يُقبل منه.
وكذلك إن قال: لا أجد نسختي الآن، فلا يُقبل منه أيضاً.
بل يُعتبر في هذه الحالة من الكاذبين."

📚 [الخطيب البغدادي، أحمد بن علي (ت ٤٦٣ هـ)، الكفاية في علم الرواية، المدينة المنورة: المكتبة العلمية، ص ١١٧]

1. قال الإمام ناقد القرن الثاني ‘عبد الرحمن بن مهدي (١٩٨ هـ):
روى مرةً سفيان الثوري (١٦١ هـ) حديثًا فقال: حدثني حماد بن أبي سليمان (١٢٠ هـ)، عن عَمْرٍ بن عَتِيَّة التيمي (قُرب ١٠٠ هـ)، عن سلمان الفارسي (٣٤ هـ).
قال عبد الرحمن: قلتُ له: “إن حماد بن أبي سليمان روى هذا الحديث عن ربيعة بن هراش (١٠٠ هـ)، عن سلمان الفارسي.” فقال سفيان: “ومن أخبرك بهذا الإسناد؟” قلت: “حماد بن سلامة (١٦٧ هـ) أخبرني، عن حماد بن أبي سليمان.” قال سفيان: “اكتب ما أقول.” فقلت: “شُعبة بن الحجاج (١٦٠ هـ) أخبرني بهذا الإسناد.” قال: “اكتب ما أقول.” قلت: “هشام الدسطواي (١٥٤ هـ) أخبرني بهذا الإسناد.” صمت ثم قال: “اكتب ما أقول.” فسمعته يقول: “حدثني عَمْرٌ بن عَتِيَّة.”
قال عبد الرحمن: “اطمأنت حينها إلى أن سفيانًا أخطأ. ظننت طويلًا أن خطأه في الإسناد. ثم قرأت مخطوطة شعبة عند محمد بن جعفر جنيه: فوجدتُ أن شعبة قال: حدثني حماد بن أبي سليمان، عن ربيعة بن هراش، عن سلمان الفارسي. وقال شعبة: قلتُ إن حماد قال: حدثني عَمْرٍ بن عَتِيَّة. فلما اطلعت على المخطوطة عرفت أن سفيانًا على صواب، فإن ثقته في حفظه أعفاه من الالتفات لاختلاف الآخرين.”
(ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعديل ۱/۶۴-۶۵)

٢. قال الإمام الحافظ عبد الله بن المبارك (١٨١ هـ):

إذا اختلف المحدثون في صحة رواية ḥadīthٍ عن Shu‘bah ibn al‐Ḥajjāj (١٦٠ هـ)، فإن مخطوطة محمد بن جعفر جنيه (١٩٣ هـ) تكون بينها الفصل، فيُعتمد عليها في القول بأن روايتها صحيحة.
(ابن أبي حاتم، مرجع سابق ۱/۲۷١)

٣. اجتمع في القرن الثالث كلٌّ من:

– محمد ibn Muslim ibn Usmān al‐Rāzī (٢٧٠ هـ)،
– Faḍl ibn ʿAbbās،
– Abū Jur‘āh al-Rāzī ʿUbaydullāh ibn ʿAbd al‐Karīm (٢٦٤ هـ)،
ونوقش عندهم حديثٌ، فأبدى Faḍl ibn ʿAbbās اعتراضًا على إحدى الروايات. ثم يحدث محمد ibn Muslim روايةً ثانية، فتجادلا. اعتمدا وقتها على رأي Abū Jur‘āh فامتنع عن الإفتاء، فحضر مخطوطته كما أوعز لطلابه، وجلبوا النسخة الصحيحة من الرفوف (الكتاب الثالث والعشرون في الصف الرابع عشر)، فقرأها ثم سلّم بأنَّها صيغة Muhammad ibn Muslim الخاطئة، وقال: “نعم، كان عليَّ الخطأ.”
(ابن أبي حاتم، مرجع سابق ۱/۳٣٧؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب 7/30)

٤. قال الإمام عبد الرحمن ibn ʿUmar al‐Isfahānī Rustah (٢٥٠ هـ):

رويت حضوري ذات يوم عند Abū Jur‘āh al‐Rāzī (٢٦٤ هـ) وAbū Ḥātim al‐Rāzī Muḥammad ibn Idrīs (٢٧٧ هـ)، فذكرت حديثًا: “حدثنا ‘Abd al‐Raḥmān ibn Mahdī، عن Sufyān al‐Thawrī، عن al‐‘Amash، عن Abū Ṣāliḥ، عن Abū Hurayrah، قال: ‘يُبرّد المرء صلاة الظهر؛ فإن شدة الحرّ من نفَخِ جهنّم.’”
فأنكره Abū Jur‘āh: “كلنا نرويه عن Abū Sa‘īd al‐Khudrī.”
فانصدم ‘Abd al‐Raḥmān وعاد إلى منزله فاطلع على مخطوطته، ثم كتب إليه: “لقد أخطأت؛ فالحديث يرويه جميعهم عن Abū Sa‘īd. إن كنت تسمح فأبلغ Abū Ḥātim وغيرهم بأن الخطأ كان مني. إن الاعتراف بالحق أفضل من الكتمان.”
(ابن أبي حاتم، مرجع سابق ۱/۳۳٦)

٥. قال سليمان ibn Harb (٢٢٤ هـ):

عندما كنت أناقش بعض الأحاديث مع ناقد عصرنا الإمام يحيى ibn Ma‘īn (٢٣٣ هـ)، كان أحيانًا يقول: “هذا الحديث به خطأ.” فأسأله: “فما الصيغة الصحيحة إذن؟” فيقول: “لا أدري.” فأعرض عن مخطوطتي، فأتفقدها فأجد أنه على صواب؛ فقد كُتب عندي خلاف كلامه.
(ابن أبي حاتم، مرجع سابق ۱/۳۱۴)

٦. سُئل الإمام Aḥmad ibn Ḥanbal (٢٤١ هـ): “هل Abū Walīd ثقة تمام الثقة؟”

فأجاب: “لا، مخطوطاته خالية من التشكيل والوقف. لكن الأحاديث التي روى عن Shu‘bah ibn al‐Ḥajjāj قد رواها ضبطًا.”
(al‐‘Ilal wa‐Ma‘rifat al‐Rijāl 2/369)

7. قال الإخباريّ I‘yākūb ibn Humayd ibn Kāṣib (٢٤٠ هـ)، ونقل عن الإمام Abū Dāwūd (٢٧٥ هـ):

“رأيت عند I‘yākūb بعض الأحاديث ليس لها رواة في الإسنادات المعروفة. طلبنا منه مخطوطاته. فآثر الصمت. ثم أخرجها، فوجدنا فيها كتابات جديدة بحبر طازج، وأضاف أسماء رواة، وصَحَّح لفظًا بإضافة عبارات. فتركنا روايته.”
(الذهبي، ميزان الاعتدال 11/159؛ ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 7/276-277)

8. ذكر الإمام أبو أحمد ‘عبد الله ibn ‘Adī (٣٦٥ هـ):

“كان رجلٌ يُدعى Muḥammad ibn Muḥammad ibn al‐Ash‘ash يسكن مصر ويُحدّث. فتوجهت إليه في رحلة جمع الأحاديث، فأطلعني على مخطوطته. كانت الكتابة بحبر جديد والورق جديدًا، فيها نحو ألف حديث. يدّعي أنها منسوبة في إسناد طويل إلى علي وابنائه إلى النبي ﷺ. لم يثبت هذا الإسناد عند أحد. فسألت حسين ibn ‘Alī، جارَه في المدينة أربعين سنة، فأخبرني أنه لم يذكر أنه سمع منهم أي حديث. فوالله لم نجد لأحاديث تلك المخطوطة أصلًا، بل بدا أنها مختلقة.”
– Ibn ‘Adī, al‐Kāmil fī Du‘afā’ al‐Rijāl 6/301-302; Ibn al‐Jawzī, al‐Du‘afā’ wa‐l‐Matrūkīn 3/43, 97.

٣.٤. ضعف الرواة المعتمدين على الحفظ فقط أو على الكتاب فقط:
من أبرز مظاهر دقة المحدثين في حفظ الحديث وتمييز الصحيح منه هو سعيهم للجمع بين السماع والكتابة. ومن خلال هذه التحقيقات ثبت عندهم أن الراوي الذي يعتمد على السماع والحفظ فقط يقع في الخطأ، ومن يعتمد على الكتاب فقط يقع في خطأ أكثر منه. فالراوي الذي يجمع بينهما هو الذي يُعد ثقة. ولذلك اعتبروا الراوي المعتمد على الحفظ فقط أو على الكتاب فقط ضعيفًا في أكثر الأحيان.

٣.٤.١. ضعف الرواة المعتمدين على الحفظ:

في عصر التابعين وما بعده، كان هناك بعض المحدثين الذين كانوا يحفظون الأحاديث ويروونها دون الاعتماد على الكتابة. وقد ثبت أن معظمهم كانوا ضعفاء في رواية الحديث، حيث أظهر التحقيق المقارن أنهم كانوا يخطئون في الرواية بسبب عدم اعتمادهم على الكتابة. ففي الحقيقة، لا يمكن الاعتماد على الرواية إلا من خلال الجمع بين السماع والحفظ والكتابة. لذلك، اعتبر المحدثون الرواة الذين يعتمدون فقط على الحفظ أو فقط على الكتابة ضعفاء أو غير موثوقين، حيث تظهر الأخطاء والاضطرابات في رواياتهم من خلال التحقيق المقارن. نجد العديد من هذه الأمثلة في كتب الرجال والجرح والتعديل. وفيما يلي بعض الأمثلة:

  1. عكرمة بن عمار العجلي (ت ١٦٠ هـ): كان حافظًا مشهورًا، لكنه لم يكن لديه كتاب يعتمد عليه، مما أدى إلى وجود اضطراب في حديثه. قال الإمام البخاري: "لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه" .

    جرير بن حازم بن زيد (ت ١٧٠ هـ): قال ابن حجر العسقلاني: "ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه" .

  2. عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز (ت ١٧٠ هـ): كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه، فكان يحدث من حفظه .

  3. عبد الله بن لهيعة بن عقبة (ت ١٧٤ هـ): قال الحاكم النيسابوري: "لم يقصد الكذب، وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ" .

  4. حاجب بن سليمان المنبجي (ت ٢٦٥ هـ): قال الدارقطني: "كان يحدث من حفظه، ولم يكن له كتاب، وهم في حديثه" .

  5. محمد بن إبراهيم بن مسلم، أبو أمية (ت ٢٧٣ هـ): قال ابن حبان: "كان من الثقات، دخل مصر فحدثهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها، فلا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا بما حدث من كتابه" .

    ومن هذا يتبين لنا أنه منذ القرن الثاني الهجري، كان الحفاظ على صحة تلقي الحديث وتعليمه يعتمد على الجمع بين السماع الشفهي من الشيخ وحفظ النسخة الخطية ومراجعتها. فالحفّاظ المشهورون الذين قضوا حياتهم في تعلم الحديث وتعليمه وحفظوا مئات الآلاف من الأحاديث، لم يكونوا يدرّسون الحديث أو يروونه دون الرجوع إلى مخطوطاتهم.

    ومن أبرز محدثي القرن الثالث، قال علي بن المديني (ت ٢٣٤ هـ):
    «ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، إنه لا يحدث إلا من كتابه، ولنا فيه أُسوةٌ حسنة.»
    [أبو نُعيم الأصبهاني، حلية الأولياء (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، ١٤٠٥هـ) ٩/١٦٥؛
    الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي (الرياض: مكتبة المعارف، ١٤٠٣هـ) ٢/١٣؛
    الذهبي، سير أعلام النبلاء ١١/٢١٣].

    ومن جانبه قال الإمام أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ):
    «قد سمعنا من قوم حديثهم من حفظهم، وسمعنا من قوم يقرؤون من كتابهم؛ فكان الذين يقرؤون من كتابهم أصح حديثاً.»
    [ابن رجب، شرح علل الترمذي، ص ٥٧].

    ومن خلال هذا كله، يتضح أن المحدثين منذ القرن الثاني الهجري كانوا يعتبرون الجمع بين ثلاثة أمور أساساً ضرورياً في تعلم الحديث:
    ١) سماع الحديث لفظاً من الشيخ أو عرضه عليه،
    ٢) كتابته باليد،
    ٣) مقابلة النسخة المكتوبة مع نسخة الشيخ ومراجعتها.
    وكانوا يرفضون قبول الحديث من محدث يدرّس الأحاديث من حفظه دون الرجوع إلى كتاب.

    قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (ت ٢٩٠ هـ):

    قال يحيى بن معين: قال لي عبد الرزاق: أُكتب عني ولو حديثاً واحداً من غير كتاب، فقلت: لا، ولا حرفاً.
    [أحمد بن حنبل، المسند (القاهرة: مؤسسة قرطبة، ودار المعارف، ١٩٥٨م) ٣/٢٩٧؛
    الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي ٢/١٢].

    ويُلاحظ هنا أن الإمام يحيى بن معين (ت ٢٣٣ هـ) لم يرضَ أن يروي حديثاً واحداً حتى من مثل الإمام عبد الرزاق الصنعاني (ت ٢١١ هـ) — وهو من كبار المحدثين الثقات — ما لم يكن من كتاب مكتوب ومحفوظ، مما يدل على شدة حرصهم على توثيق الرواية وضبطها بالمقابلة مع النسخة الأصلية.

    ٣.٤.٢. ضعف الرواة المعتمدين على المخطوطات:
    أخطر من الاعتماد على الذاكرة هو الاعتماد على المخطوطات. كانت المخطوطات المكتوبة بخط اليد في العصور القديمة، التي تفتقر إلى الحركات وعلامات التشكيل، عرضة للخطأ عند قراءتها. بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرض المخطوطات للتغيير أو التعديل أو الإضافة أو الحذف من قبل الكاتب أو القارئ. لهذا السبب كان العلماء يضعون أهمية كبيرة على قراءة الكتب من قبل المؤلف أو الراوي بنفسه. وكانت الاستماع بالأذن له عدة طرق، إما أن يقرأ الأستاذ النص بينما يقارن الطالب النص المكتوب أمامه، أو يكتب الطالب أثناء قراءة الأستاذ ويقرأه على أستاذه، أو يقرأ طالب آخر النص أمام الأستاذ ويستمع الطالب، أو ينسخ الطالب المخطوط من أستاذه أو من أحد طلابه ثم يقرأه بالكامل أمام الأستاذ. في كل حالة، يجب أن يتم الاستماع إلى النص كما قرأه الكاتب أو الراوي بنفسه حتى لا يقع الطالب في أخطاء عند نقل النص.

    كان أي راوٍ أو محدث يروي الأحاديث فقط من المخطوطات التي جمعها بدون الاستماع المباشر من أستاذه يُرفض حديثه. من خلال النقد الأدبي والفحص، يمكننا أن نرى العديد من الأمثلة التي أشار فيها المحدثون إلى أخطاء الرواة المعتمدين على المخطوطات وأعلنوا أنهم ضعفاء وغير مقبولين.

    وقد ذكرنا سابقاً الإمام عبدالله بن لهيعة، المحدث الفقيه المصري من القرن الثاني الهجري، وهو راوٍ مشهور وروى العديد من الأحاديث. ومع ذلك، فقد اكتشف المحدثون بعد مراجعة رواياته مقارنةً ببعضها البعض أن نسبة الأخطاء في رواياته كانت عالية. وقد أشار الإمام مسلم إلى جانب آخر من أخطائه من خلال دراسة دقيقة.

    قال الإمام مسلم: حدثنا زُهَيْرُ بن حَرْبٍ قال: حدثنا إسحاق بن عيسى قال: حدثنا عبد الله بن لَهِيعة قال: أخبرني موسى بن عُكْبَة (١٤١ هـ) أنه كتب لي وقال لي بُسْرُ بن سعيد، عن زَيْد بن ثابت رضي الله عنه قال:

    احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد

    "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في المسجد."

    قال تلميذ ابن لهيعة، إسحاق بن عيسى: قلتُ لابن لهيعة: هل كان في بيته أم في مكان الصلاة؟ فقال: في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال الإمام مسلم: "هذا الحديث مقلوب في كل جانب، وقع فيه خطأ فادح في السند والمتن. ابن لهيعة قد حرف اللفظ ووقع خطأ في السند. وهذا هو الحديث الصحيح."

    حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا بحْز بن أسَد قال: حدثنا وهب بن خالد بن أَزْلَان (١٦٥ هـ) قال: حدثني موسى بن عُكْبَة قال: سمعتُ أبا نَادِرٍ سَالِم بن أبي أُمَيَّة (١٢٩ هـ) يقول: حدثنا بُسْرُ بن سعيد عن زَيْد بن ثابت قال:

    إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي...

    "اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد غرفة صغيرة من حصير، فصلى فيها عدة ليالٍ..."

    قال الإمام مسلم: حدثني محمد بن المِسْنَى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفَرَازِي (١٤٥ هـ) قال: حدثنا أبو نَادِرٍ سَالِم قال: حدثنا بُسْرُ بن سعيد عن زَيْد بن ثابت قال:

    احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصير أو خصفة...

    "اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم غرفة في المسجد من حصير أو خصفة..."

    وبهذه الطريقة، نرى أن وصَفَ الحديث بشكل صحيح من أُوَيْب بن خالد (١٦٥ هـ) عن موسى بن عُكْبَة عن أبي نَادِرٍ. كما ذكرنا في السند الثاني عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفَرَازِي (١٤٥ هـ) والذي روى الحديث عن أبي نَادِرٍ. لكن ابن لهيعة هنا أخطأ في رواية الحديث بخصوص متنه، لأنه لم يسمع الحديث مباشرة من موسى، بل اعتمد فقط على نسخة مكتوبة تم إرسالها إليه، كما ذكر. (لذلك قرأ ابن لهيعة "احتجر" أي "بنى غرفة" بدلاً من "احتجم" أي "أجرى الحجامة"). وبالتالي، نتجنب خطر التحريف في الأحاديث التي يرويها الرواة الذين يعتمدون فقط على النسخ المكتوبة دون سماعها من أئمتهم مباشرة أو قراءة الحديث لهم.

    أما في السند، فقد وقع خطأ أيضًا. موسى بن عُكْبَة أخذ الحديث من أبي نَادِرٍ سَالِم، وأبو نَادِرٍ سمعه من بُسْرِ بن سعيد، لكن ابن لهيعة في سنده ذكر أن موسى سمعه مباشرة من بُسْرِ بدون ذكر أبي نَادِرٍ. [مسلم بن الحجاج (٢٦٢ هـ)، التمييز (الرياض، مكتبة الكوثر، الطبعة الثالثة، ١٤١٠ هـ)، ص: ١٨٧-١٨٨].

    لذلك، اعتبر العلماء أن الرواة الذين يقتصرون على النسخ المكتوبة دون سماع الحديث مباشرة من المعلمين يعتبرون ضعفاء. حتى لو كان الراوي موثوقًا وصادقًا كما ثبت في كثير من الأحيان، فإن العلماء كانوا يعتبرون روايته ضعيفة إذا كانت تعتمد فقط على النسخة المكتوبة التي لم يسمعها من الإمام أو لم يقرأها له.

    أما عن التابعي المشهور في القرن الثاني، عَمْرُو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد (١١٨ هـ)، فهو حفيد عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد اتفق العلماء على أنه كان راوٍ موثوق. لكنه عندما رواه عن أبيه عن جده، اعتبر العلماء هذه الأحاديث ضعيفة جزئيًا لأنه لم يسمعها مباشرة من والده، بل قرأها في النسخ المكتوبة. قال يحيى بن معين (٢٣٣ هـ):

    إذا حدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فهو كتاب ومن هنا جاء ضعفه.

    "عندما يروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فإن ذلك يعتمد على النسخ المكتوبة، ولهذا جاءت ضعفه." [ابن حجر، تهذيب التهذيب ٨/٤٤].

    وقال أبو زرعة الرازي (٢٦٤ هـ):

    روى عنه الثقات وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقال إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها.

    "رواه عنه الثقات، لكنهم اعترضوا على كثرة روايته عن أبيه عن جده، وقالوا إنه سمع أحاديث قليلة فقط، وأخذ الصحيفة التي كانت عنده وروى منها." [ابن حجر، المصدر السابق].

    أما عن التابعي التابع في القرن الثاني، مَكْرَمَة بن بُكَيْر بن عبد الله (١٥٩ هـ)، فقد اعتبر العلماء حديثه مقبولًا إلى حد ما، ولكنهم ضعفوا الأحاديث التي رواها عن والده. قال يحيى بن معين (٢٣٣ هـ):

    وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه ... حديثه عن أبيه كتاب ولم يسمعه منه.

    "لقد حصل على كتاب أبيه ولم يسمعه منه مباشرة، وروايته عن أبيه تعتمد على النسخ المكتوبة ولم يسمعها منه." [ابن حجر، تهذيب التهذيب ١٠/٦٣؛ تقريب التهذيب، ص ٥٢٣].

    ٤. دور المخطوطات في سلسلة الحديث
    من خلال النقاش السابق، نفهم أن كتابة الأحاديث وحفظها كان يتم منذ منتصف القرن الثاني الهجري. كان المحدثون يقرؤون الأحاديث من المخطوطات، ويدققون في صحتها، ويختبرونها، وكان كل منهم يسجل الأحاديث التي سمعها. والآن، السؤال هو: لماذا لم يذكروا الكتاب أو المرجع المكتوب عند رواية الحديث، بل اكتفوا بالاعتماد على "الرواية الشفوية" فقط؟ لماذا كانوا يقولون "حدثنا"، "أخبرنا"، ولم يقولوا "في الكتاب الفلاني هذا النص مكتوب"؟
    في هذا السياق، من المهم أن نفهم المعنى الذي كان المقصود من استخدام "حدثني"، "حدثنا"، "أخبرني"، "أخبرنا"، أي "قال لي"، "أخبرني" في هذا السياق. في الواقع، كان الصحابة يذكرون سلسلة السند من خلال ذكر أسماء الأشخاص، ومن ثم أصبحت هذه الطريقة متبعة في الأجيال التالية في سلسلة الأحاديث. إضافة إلى ذلك، لتعزيز الدقة والتأكد من صحة الرواية وتجنب الأخطاء المتعلقة بالمخطوطات، كان المحدثون يوليون اهتماماً كبيراً لسماع الحديث مباشرة من الشيخ، وليس مجرد الاعتماد على المخطوطات المكتوبة.
    لذلك، في نقل الأحاديث لم يكن متبعاً إعطاء مراجع المخطوطات، بل كان عادة ما يُذكر اسم الشيخ الراوي.
    في مصطلحات المحدثين، كان يتم استخدام "حدثني"، "حدثنا"، "أخبرني"، "أخبرنا" بمعنيين: (١) أن الراوي قرأ الحديث مباشرة من على لسان شيخه، وقد سمعه السامع منه، أو (٢) أنه جمع الحديث كتابة ثم قرأه على الشيخ الذي سمعه بدوره. وكان المحدثون يحرصون على أن يكون السماع صحيحاً من الشيخ مباشرة، سواء كان ذلك من الكتابة أو السمع.
    من خلال هذا، نفهم أنه عندما ذكر مالك في موطأه السند، لم يكن يقصد فقط السماع الشفوي، بل كان الحديث قد سُمع وكتب من المخطوطات، وتم التحقق منه من خلال السمع والمقارنة مع المخطوطات.

    ٥. تقييم طريقة المحدثين في وصف السند
    من خلال ما ذكرناه، نرى أن المحدثين قد أدخلوا نظامًا يعتمد على السماع بدلاً من الإشارة إلى المخطوطات والكتب. كانوا يفضلون الاعتماد على السماع من شيوخهم بدلاً من الاعتماد على الكتب المكتوبة، مما جعل هذه الطريقة دقيقة وعلمية للغاية. في العصر الحالي، بدلاً من ذكر أسماء الكتب وأرقام الصفحات كما هو الحال في المراجع الحديثة، كان من الأمان والأكثر منطقية أن يتم ذكر اسم الشيخ باعتباره مرجعًا للحديث. ففي عصر المخطوطات، كانت احتمالية الخطأ في قراءة الكتاب، أو إضافة شخص آخر له، أو الأخطاء في النسخ، أمرًا واردًا. ولكن عندما يتم أخذ الحديث من أفواه العلماء وتعلمه منهم، فإن هذه الأخطاء تصبح معدومة.
    لنفهم ذلك بشكل أفضل من خلال مثال. أقرب دين للإسلام من حيث الزمن هو المسيحية. فقد نشأت المسيحية في وسط اليهود المتعلمين والمتمدنين في الإمبراطورية الرومانية، ولكن في القرون الأولى، فشل المسيحيون في الحفاظ على كتابهم المقدس وسيرة مؤسس دينهم وتعاليمه. فلم يحاول تلاميذ المسيح أو تلاميذ تلاميذه في القرون الأولى البحث عن صحة الأقوال المنسوبة إلى يسوع أو تحديد مصادرها. بل اعتمدوا على ما تم تداوله شفهياً وكتبه البعض. إذا لم يعجب أحدهم شيئًا، كانوا يرفضونه. لكنهم لم يقوموا بأي فحص نقدي بحثًا عن الحقيقة من خلال تحليل مستقل. ونتيجة لذلك، نجد العديد من الأخطاء والتناقضات في الكتاب المقدس.
    لم يتمكن العلماء المسيحيون من الحفاظ على سلسلة الإسناد أو التوثيق للمخطوطات القديمة التي تحتوي على هذه الأخطاء والتناقضات. وبالتالي، يحمل العلماء المسيحيون المسؤولية في كثير من الأحيان على "الناسخ"، واصفين أخطاءه بأنها إما "أخطاء" أو "اختلافات في النصوص". كما يقول T. H. Horne: "لقد وضع ميكائيلز تمييزًا دقيقًا بين الخطأ و"القراءات المتنوعة"، حيث يقول: "إذا كان هناك اختلاف بين بيانين أو أكثر، فإنه يُعتبر واحد فقط هو الصحيح، والبقية تكون إما تحريفًا متعمدًا أو خطأ غير مقصود من الناسخ".
    ففي عملية نسخ الكتاب المقدس، لم يكن هناك أي منهجية تعتمد على السماع المباشر من المعلم أو التحقق من النص الصحيح. في معظم الأحيان، كان ينسخ الخبراء المسيحيون النصوص من المخطوطات الموجودة، مما يؤدي إلى وقوع أخطاء متنوعة.
    نتيجة لذلك، أظهرت الأبحاث أن الكتاب المقدس يحتوي على العديد من الأخطاء، حيث أثبتت الدراسات مثل دراسة ميل أن الكتاب يحتوي على 30,000 خطأ من "أخطاء الناسخ" أو "القراءات المتنوعة". وأكدت دراسة كريسباخ أن الكتاب المقدس يحتوي على 150,000 خطأ. كما أشار باحث الكتاب المقدس شولتز إلى أن الأخطاء والتناقضات في الكتاب المقدس كثيرة للغاية لدرجة أنه لا يمكن حصرها.
    ومع ذلك، لا يهدف مقالنا إلى استعراض هذه الأخطاء بالتفصيل. يمكن للقراء المهتمين الاطلاع على العديد من هذه التناقضات والأخطاء في كتب مثل "إظهار الحق" للعلامة رحمة الله كيرانبي، أو في كتاب "هل الكتاب المقدس هو كلمة الله؟" للعلامة أحمد ديدات.
    هدفنا هنا هو توضيح دقة وحكمة منهج المحدثين في الإسلام. فقد تجنبوا الاعتماد على المخطوطات فقط، واعتبروا السماع المباشر من الشيخ والمقارنة بين المخطوطات وسيلة حاسمة للتوثيق والتحقق من الحديث. وهذا من شأنه أن يضمن تصحيح أي خطأ، سواء كان غير مقصود أو مقصود، من خلال التحقيق والمقارنة. ومن خلال مقارنة الروايات المختلفة، أصبح من السهل تحديد مكان التغيير أو التحريف، مما يحفظ سلاسة ودقة السند.
    من خلال هذا النقاش، نصل إلى نتيجة مؤكدة، وهي أن الحديث لم يكن يعتمد فقط على السماع، بل كانت المخطوطات تساعد في التأكد من النصوص. ولكن المحدثين لم يعتبروا المخطوطات مرجعية في نقل الحديث، بل كانوا يعطيون أهمية خاصة للسماع المباشر. ومن خلال هذه الطريقة، أثبتوا دقة منهجهم العلمي والمتقن، مما يبرز إعجاز الإسلام.



কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD