أحكام الصيام
رمضان الصيام هو أحد الفرائض العبادية في الإسلام. في هذا المقال سنناقش أحكام الصيام. يا لرحمة الله! كم جعل الإسلام سهلاً. إن تناول السحور ضروري لنا، ومع ذلك جعل الله هذا العمل عبادة. إذا أكلت فإن الله يفرح ويعطيك أجرًا. في العديد من الأحاديث، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتناول السحور. في حديث قال:
وفي بعض الأحاديث، حُثَّ على تناول التمر في السحور. من السنة النبوية في السحور أن يكون في آخر لحظة قبل الفجر. قال زيد بن ثابت:
من سنة النبي ﷺ الإفطار مع غروب الشمس مباشرة. كان يعجل بالإفطار حتى أن الصحابة كانوا يقولون: "يا رسول الله، لم يغب الشفق بعد، النهار لم ينتهِ!" فيرد عليهم: "يجب الإفطار بمجرد غروب الشمس." ورد في أحاديث كثيرة أن الصحابة كانوا دائماً يتسحرون في آخر الوقت ويفطرون مع غروب الشمس مباشرة. قال رسول الله ﷺ:
فالكثيرون يؤدون صلاة التهجد في وقت السحور قبل الأكل أو بعده، أو يقرؤون القرآن، والبعض يتناول السحور ثم يعود للنوم لأن عليه عمل في الصباح، وهناك مرضى أيضاً. كل هؤلاء يتضررون من هذا الضجيج المستمر. يجب أن نولي اهتماماً خاصاً لحقوق العباد.
وقد وردت وصيتان في الحديث حول الإطعام:
إطعام الفقراء
إفطار الصائمين
سبق أن عرفنا فضل إطعام الفقراء أثناء الصيام في خطب سابقة. أما عن فضل إفطار الصائم، فقال رسول الله ﷺ:
وخاصة الفقراء والعمال وسائقي الدراجات الذين يصومون بصعوبة ويجدون مشقة في الإفطار. يجب إطعامهم بتقليل طعامنا حسب الاستطاعة.
من الحديث نعلم أن هناك فئتين من الصائمين في رمضان: فئة تُغفر جميع ذنوبها السابقة، وفئة لا تنال إلا الجوع والعطش. عن الفئة الأولى قال رسول الله ﷺ:
إذن فإن الامتناع عن الطعام والشراك بلا تفكر ولا تدبر ولا عمل صالح قد يُعتبر "جوعًا"، لكنه لن يُعد "صيامًا" إسلاميًا. فليس الصوم مجرد امتناع عن الحلال مع الاستمرار في الحرام والمكروه. الصيام الحقيقي هو الامتناع عن كل محرم ومكروه وإثم، مع تجنب الطعام والشراب والجماع الحلال، طلبًا لرضا الله. وهكذا يظل القلب حاضرًا مع الله في كل لحظة، مثبتًا النفس على طريق الإخلاص رغم المغريات والعواطف.
إذا كنت تمتنع عن الطعام والشراب في شدة الجوع والعطش خوفًا من الله وطلبًا لرضاه، لكنك تسرع إلى السباب والخصام لأدنى غضب، أو ترفع غرورك بالغيبة والنميمة والوشاية، أو تأكل الحرام بلا تمييز - من كذب وغش وربا رشوة وغيرها - لأدنى طمع، فاعلم أنك تخدع نفسك باسم الصيام. لن تجني سوى أوهام التقوى دون حقيقتها. قال رسول الله ﷺ:
قال الله تعالى في القرآن: "وَکُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَکُمُ ٱلْخَیْطُ ٱلْأَبْیَضُ مِنَ ٱلْخَیْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِۖ" (البقرة: ١٨٧). ثم قال في الآية التالية: "وَلَا تَأْكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ" (البقرة: ١٨٨).
فأنت تمتنع عن الطعام الحلال نهارًا طاعةً للأمر الأول، ولكنك تنتهك الأمر الثاني بأكل الحرام: الربا، الرشوة، الظلم، الابتزاز، المهر الباطل، الدعاوى الكاذبة، اغتصاب الأراضي، الاستيلاء على المال العام وغيرها. فكيف تكون صائمًا حقًا؟!
ومن أخطر أنواع "الأكل" المحرم: الغيبة. والغيبة قد تكون كلامًا صادقًا تمامًا، مثل: "هذا الشخص سريع الغضب، بخيل، كثير النوم، لا يصلي في الجماعة"، أو ذكر عيوب خلقية أو أخطاء لغوية له. إذا كانت هذه العيوب موجودة حقًا فيه، وتم ذكرها في غيبته، فهذه غيبة. قال الله تعالى: "وَلَا یَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن یَأْكُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتًا فَكَرِهْتُمُوهُۚ" (الحجرات: ١٢).
فالغيبة محرمة في كل حال كأكل لحم الميت، وفي الصيام تكون أشد تحريمًا لأنها تفقد الصيام روحه وأجره.
الصيام ليس مجرد امتناع، بل هو اجتناب كل حرام ومكروه مع أداء الفرائض والواجبات والإكثار من النوافل والمستحبات. تُضاعف الحسنات في رمضان أضعافًا كثيرةً لكل العبادات، لذا يجب الإكثار من جميع أنواع الطاعات. ورد في الحديث الصحيح أن العمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي ﷺ. ومن يُطعم الفقراء أثناء صيامه، ويعود المريض، ويشهد الجنائز، فإن الله يدخله الجنة.
كما حثت الأحاديث على الإكثار من التسبيح والتهليل والدعاء والاستغفار في رمضان. قال النبي ﷺ: "دعوة الصائم لا تُرد"، خاصة عند الإفطار.
وأُكد على نوعين من العبادات في رمضان:
الصدقة: أحب الأعمال إلى الله. قال ﷺ: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"، وتدفع البلاء.
الإصلاح بين الناس: الإصلاح بين المتخاصمين، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إزالة الأذى عن الطريق، مساعدة المحتاج أو أي إحسان للخلق يعد صدقة. كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان جوده في رمضان لا حدود له، لا يرد سائلًا.
وهناك أمر بالغ الأهمية: أي عمل لخدمة الناس وإظهار التعاطف معهم يعد صدقة. إذا خفض تاجر أمين سعر كل سلعة بتكة واحدة في رمضان ليخفف عن الناس، أو باع بأسعار عادلة، فإن هذا يعد عند الله من أعظم الصدقات.
التلاوة بالنظر إلى المصحف نهارًا وليلًا. كان الصحابة والتابعون يختمون القرآن في 3 أيام أو 7 أيام أو 10 أيام. علينا جميعًا السعي لختم القرآن عدة مرات هذا الشهر مع تدبر المعاني.
فهم وتدبر الآيات ومناقشتها - عبادة عظيمة تزيد الأجر والبركة والإيمان. يُستحب ختم قرآن واحد على الأقل مع التفسير. ومن لا يحسن القراءة فليبدأ تعلمها في رمضان.
يمكن الاستماع إلى التسجيلات الصوتية للتلاوة أو التفسير في أوقات الفراغ. ففضل الاستماع للقرآن كفضْل تلاوته. في المقال القادم سنتحدث -بإذن الله- عن فضائل وأحكام قيام الليل.