আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

08/03/2025, 05:45:17 AM عربي

كان نور محمدي (عليه السلام) أول خلق

News Image

كان نور محمدي (عليه السلام) أول خلق

الدكتور خُندُكار عبد الله جاهنغير
أستاذ قسم الحديث، جامعة الإسلامية، كوشتيا
رئيس سابق لمؤسسة السنة

الحديث التالي منتشر انتشارًا واسعًا في المجتمع بمعنى: "نور محمد هو أول المخلوقات":
أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي
"أول ما خلق الله نوري".

وخلاصة الحديث الطويل: أن جابرًا رضي الله عنه سأل رسول الله ﷺ: ما أول شيء خلقه الله؟ فأجابه النبي ﷺ:
أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورَ نَبِيِّكَ مِنْ نُورِهِ…
"أول ما خلق الله نور نبيك من نوره...".
ثم ذُكر في هذا الحديث الطويل أن هذا النور قُسم إلى أجزاء، ومنها خُلق العرش والكرسي واللوح والقلم والملائكة والجن والإنس وجميع العالم...

هذا الحديث يتعارض مع الحديث الصحيح الذي أوردناه سابقًا من صحيح مسلم، حيث جاء فيه: أن الملائكة خُلقت من نور، والجن من نار، والإنسان من طين. أما هذا الحديث فيقول: إن كل شيء، من ملائكة وجن وإنس والكون كله، خُلق من النور.

ومع ذلك، قد يبدو مضمون هذا الحديث جذابًا لنا. فلو كان الكذب على رسول الله ﷺ أو نقل كل ما يُسمع عنه مباحًا، لقبلناه بلا تردد وقلناه. ولكن، لما كان ذلك محرمًا، فإننا – اتباعًا لأوامر القرآن والسنة – مضطرون إلى البحث في الإسناد، وقد تبين لنا ما يلي:

(أ) لا يوجد هذا الحديث بإسناد في أي من كتب الحديث المعروفة في العالم. وقد بينّا أن الحديث غالبًا ما يُروى في عدة كتب حديثية بإسناد، لكن هذا الحديث لم يُرو في أي منها.

(ب) وجدنا أن كتب التاريخ والسيرة والعقيدة والتصوف والوعظ... كلها تحتوي على أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة، سواء بإسناد أو بدون. ومع ذلك، لم يُذكر هذا الحديث في أي من هذه الكتب خلال الخمسمائة سنة الأولى من الإسلام.

(ج) ويبدو أن أول من ذكر هذه العبارات كحديث هو العالم الشهير في القرن السابع الهجري: محيي الدين ابن عربي أبو بكر محمد بن علي الطائي الحاتمي (٥٦٠–٦٣٨ هـ / ١١٦٥–١٢٤٠ م).
ومن الجدير بالذكر أن ابن عربي أورد في كتبه عددًا كبيرًا من الأحاديث الموضوعة، وأقوالًا تخالف ظاهر العقيدة الإسلامية. وقد دافع بعض الأولياء المتأخرين عنه بذكر تأويلات وتفسيرات مختلفة، بينما اعترض عليه آخرون بشدة.

ومن أبرز المعترضين عليه: المجدد الألف الثاني الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي (توفي ١٠٣٤ هـ)، حيث انتقد مرارًا روايات ابن عربي الباطلة، أحيانًا بلين وأحيانًا بشدة.
فقد كتب في إحدى رسائله:
"نحن نتعامل مع نصوص القرآن والحديث القطعية، لا مع كَشْف ابن عربي أو كتابه 'فصوص الحكم'. وقد أغنتنا أحاديث 'الفتوحات المدنية' أو 'النبوية' عن أمثال كتب 'الفتوحات المكية'".

وفي موضع آخر، بعد مدحه للصوفية الحقّ، كتب:
"إنهم لا يتركون نصوص القرآن والسنة، لينشغلوا بفصوص الحكم لابن عربي، ولا يتركون الأحاديث الشريفة ليتبعوا الفتوحات المكية".
وقال أيضًا:
"إنهم لا يتركون نصوص الله الواضحة ليتبعوا كتب ابن عربي مثل فصوص الحكم، ولا يتركون أحاديث الفتوحات المدنية ليتبعوا الفتوحات المكية".

لم يذكر ابن عربي في أي من كتبه مصدرًا لهذا القول، ولكنه بنى عليه نظريته المشهورة في الخلق. وقد روّج لمفهوم "النور المحمدي" على غرار مبدأ "اللوغوس" (Logos) في العقيدة النصرانية. فالمسيحيون يزعمون أن الله خلق أولًا "الكلمة" أو "الابن" من ذاته، والابن "نور من نور"، ومن الابن خُلقت جميع المخلوقات. أما ابن عربي فقال إن الله خلق أولًا "النور المحمدي"، ومنه خلق جميع الخلق.

وقد بدأ هذا القول بالانتشار تدريجيًا، وخصوصًا منذ القرن التاسع والعاشر الهجري، حيث انتشرت عادة النقل دون تحقق بين المؤلفين. فبدافع الاحترام، أو لضيق الوقت، أو لأسباب أخرى، أصبح بعض العلماء ينقلون عن غيرهم دون تمحيص أو تحقيق، حتى صار من يقرأ أو يسمع شيئًا يدوّنه ويكتبه، دون أن يتحقق من صحته. وهكذا، فقد انتشر هذا الحديث المزعوم في كثير من كتب السيرة والمولد والتصوف والوعظ خلال القرون الماضية.

(ث) وعلى حد علمنا، فإن أول من نسب هذا الحديث إلى "المصنف لعبد الرزاق" هم بعض العلماء في القرن العاشر الهجري، ولم يسبقه إلى ذلك أحد في القرون الستة الأولى، بمن فيهم ابن عربي. وبعد أن وجد الناس هذا النص جذابًا في معناه، انتشر في الثلاثمئة سنة اللاحقة انتشارًا كبيرًا، رغم أنه لا يُعرف له سند، بل ولا مصدر كتابي يُوثق فيه. ثم نسبه بعضهم إلى البيهقي أو عبد الرزاق الصنعاني، ولكن هذا الادعاء باطل، إذ لا وجود لهذا الحديث في كتب عبد الرزاق أو البيهقي. وقد نسبه الإمام القسطلاني (ت 923 هـ) في كتابه "المواهب اللدنية" إلى "مصنف عبد الرزاق"، فاعتمد عليه من جاء بعده. غير أن نسخ المصنف المتوفرة مطبوعة ومخطوطة تخلو تمامًا من هذا الحديث، ولم يذكر أحد سندًا له أصلًا.

(ج) ومنذ القرن العاشر، أكد العديد من العلماء أن هذا الحديث لا أصل له، ولا وجود له في "المصنف" ولا غيره. وقد اتفق محدثو السلفيين والصوفيين على حد سواء، مثل الإمام السيوطي، والشيخ عبد الله الغماري، والشيخ أحمد الغماري، والشيخ ناصر الدين الألباني، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وغيرهم، على أن هذا النص ليس حديثًا، ولا أصل له في كتب الحديث. قال الإمام السيوطي (ت 911 هـ):
ليس له إسناد يعتمد عليه
أي: "ليس لهذا الحديث سند يمكن الاعتماد عليه".
(السيوطي، الحاوي 1/384-386)

(ح) ومن العلماء المعاصرين الذين أكدوا زيف هذا الحديث: الشيخ أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري (ت 1380 هـ/1960 م)، وأخوه الشيخ أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري (ت 1413 هـ/1993 م). وكان جدهما من كبار مشايخ المغرب، وأبوهما شيخ الحديث وخادم الطريقة الصديقية. وكان الاثنان من كبار المحدثين والفقهاء والصوفية، رغم معارضتهم للشيخ الألباني والسلفيين، لكنهم اتفقوا على أن هذا الحديث مكذوب.

قال الشيخ أحمد الغماري في كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" عن هذا الحديث:
وهو حديث موضوع، لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه، وبقيته تقع في نحو ورقتين من القطع الكبير مشتملة على ألفاظ ركيكة ومعان منكرة.
(أحمد الغماري، المغير، دار الرائد العربي، بيروت، المقدمة، ص: 6-7)

وقد ألّفتُ هذه الرسالة تنزيهاً للنبي ﷺ عمّا نُسب إليه مما لا يصحّ عنه ويُعدّ من قبيل الغلوّ المذموم، ومع ذلك فقد صار عند عامة الناس وكثير من الخاصة من الفضائل النبوية التي يعدّ إنكارها طعناً في الجناب النبوي في نظرهم، وهم لا يدركون ما في رأيهم وقولهم من الإثم العظيم، الثابت في قول النبي ﷺ: «من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار». فمدحُه ﷺ لا يكون شفاعةً للكذب عليه. وإن كانت روايةُ الفضائل يُتسامح فيها، فإنّ فضائل النبي ﷺ لا تُروى إلا بما هو ثابتٌ معروفٌ حذراً من الوقوع في الكذب الذي توعّد عليه بالنار.

وقد قيل إن عبد الرزاق روى الحديث عن جابر رضي الله عنه، والحديث بكامله ذكره ابن العربي الحاتمي في كتابه "تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان"، وذكره أيضاً الديار بكري في "الخميس في تاريخ أنفس نفيس". ونسبته لعبد الرزاق خطأ؛ لأنه لا يوجد في "مصنّفه"، ولا في "جامعه"، ولا في "تفسيره".

والحديث موضوعٌ جزماً، وفيه مصطلحات صوفية، وبعض الشناقطة المعاصرين ركب له إسنادًا فقال: إن عبد الرزاق رواه من طريق محمد بن المنكدر عن جابر، وهذا كذبٌ يأثم عليه.

وخلاصة القول: الحديث منكرٌ موضوعٌ، لا أصل له في شيء من كتب السنة.

وأما كونه ﷺ نوراً فذلك أمرٌ معنوي، كما يُقال عن القرآن إنه نورٌ، فهو ﷺ نوّر العقول والقلوب.

ومن الكذب المكشوف قولهم: "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك"، وقد ورد في بعض كتب المولد عن أبي هريرة أنه قال: سأل النبي ﷺ جبريل: كم عمّرت من السنين؟ … أنا ذلك الكوكب. وهذا كذب قبيح، قبّح الله من وضعه وافتراه.

وذكر بعض غلاة المتصوفة أن جبريل عليه السلام كان يتلقى الوحي من وراء حجاب، ثم كُشف له الحجاب مرة فوجد النبي ﷺ يُوحي إليه، فقال جبريل: "منك وإليك"! قلت: لعن الله من افترى هذا الهراء.

وما يُوجد في كتب المولد من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هو من الغلو الذي نهى الله ورسوله عنه، فيحرم قراءة تلك الكتب، ولا يُقبل الاعتذار عنها بأنها في الفضائل، لأن الفضائل يُتسامح فيها برواية الضعيف فقط، أما الحديث المكذوب فلا يُقبل في الفضائل بإجماع العلماء، بل تحرم روايته إلا مع بيان وضعه.

وإن فضل النبي ﷺ ثابت في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، وهو غنيٌّ عن أن يُكذَب عليه أو يُغالى فيه. وقال ﷺ: «لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله».

ومن الأكاذيب المكشوفة الأخرى ما يُقال: «لولاك ما خلقتُ الأفلاك». وقد كتب بعض المؤلفين في كتب المولد أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سأل النبي ﷺ جبريل عليه السلام: يا جبريل، كم عمّرت؟ ... فقال: أنا ذلك الكوكب. وهذا كذب شنيع، قبّح الله من وضعه! وقد ذكر بعض الغلاة من الصوفية أن جبريل عليه السلام كان يُوحى إليه من وراء حجاب، فلما رُفع الحجاب رآه يتلقى الوحي من رسول الله ﷺ، فقال جبريل: "منك وإليك!"، فأقول: لعنة الله على من اختلق هذا الهراء!

وما يوجد في كتب المولد من أحاديث لا أصل لها ولا سند، فهي من باب الغلوّ في الدين الذي نهى الله ورسوله ﷺ عنه، ولذلك فقراءة هذه الكتب حرام. ولا يُقبل التذرع بأنها في الفضائل، لأن العلماء وإن تساهلوا في رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، إلا أنهم أجمعوا على حرمة رواية الحديث الموضوع، حتى في الفضائل، إلا مع بيان وضعه.

وقد ثبتت مكانة النبي ﷺ في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، وهو ﷺ في غنى عن الكذب والغلو. وقد قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله» (البخاري ٣/١٢٧١، ٦/٢٥٠٣).

وقال العلامة عبد الله الغماري في مرشد الحائر (ص ٨–١٣):

قال السيوطي في الحاوي: إنه غير ثابت. وهذا تساهل قبيح، بل ظاهر الحديث الوضع، واضح النكارة، وفيه نفسٌ صوفي، حيث يذكر مقام الهيبة ومقام الخشية، إلى آخر مصطلحات الصوفية... فجابر رضي الله عنه بريءٌ من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به. وأول من شهَّر هذا الحديث ابن العربي الحاتمي، فلا أدري عمّن تلقّاه! وهو ثقة، فلا بد أن أحد المتصوفة المتزهدين وضعه.

وقال في إصلاح أبيات البردة (ص ٧٥، الموسوعة في الرد على الصوفية ٢٩/١١٠):

هذا الحديث صوفي الاصطلاح، موضوع لا شك فيه، ومصطلحات "الهيبة" و"الخشية" و"المقام" لم تُعرف إلا بعد قرون من النبوة، فدلّ ذلك على وضعه بعد القرون المفضلة. وجابر بريء، وعبد الرزاق ما رواه قط. والذي نشره أولًا هو ابن العربي الحاتمي، ولا يُعلم سنده.

وقد ألّف كثير من العلماء من الصوفية والطريقة كتبًا في بيان كذب هذا الحديث، فلم يُجاملوا فيه خلافًا لما يُظن، ولم يمنعهم اختلاف المنهج أو حبّ المشايخ من إنكار الباطل.

الموضوع الثالث: إثبات الحديث الموضوع من خلال كتاب مزور

(أ) ظهور كتاب مفقود

في عام 2005م، نُشر كتاب بعنوان: (الجزء المفقود من الجزء الأول من المصنف) أي: "الجزء المفقود من الجزء الأول من مصنف عبد الرزاق". وقد قام بتحقيقه ونشره عالم من دولة الإمارات العربية المتحدة يُدعى: "عيسى بن عبد الله بن محمد بن ماني الحميري". وكتب الدكتور محمود سعيد ممدوح، المحدث المعروف، تقريظًا للكتاب.

ومن مقدمة الشيخ الحميري نعلم أنه يؤمن إيمانًا عميقًا بأن "نور محمدي" هو أول مخلوق. لكنه كان مضطربًا لعدم وجود هذا الحديث في مصنف عبد الرزاق. فبدأ يبحث في مكتبات تركيا واليمن وغيرها من دول العالم عن مخطوطات هذا الكتاب، فلم يجد هذا الحديث في أي مخطوطة.

وفجأةً، قدم له الشيخ الهندي الصوفي الرضوي "الدكتور سيد محمد أمين القادري الباركتي" نسخة مخطوطة من الجزئين الأولين من المصنف، يوجد فيها هذا الحديث. وهذه النسخة لا يوجد لها نظير في العالم. وتقول هذه النسخة إن كاتبها هو "إسحاق بن عبد الرحمن السليماني" وقد كتبها في بغداد سنة 938 هـ. ولا يُذكر في المخطوطة من أين نقلها أو سندها. وادّعى الحميري أن عمرها يقارب 500 سنة وأنها تعود إلى القرن العاشر الهجري.

وفي هذه النسخة توجد عشرة فصول في بداية المصنف لا توجد في أي مخطوطة أخرى في العالم. الفصل الأول بعنوان: (باب في تخليق نور محمد). أما الفصول التالية فهي تتعلق بالطهارة. بينما في النسخة المطبوعة، يبدأ الكتاب بـ"كتاب الإيمان" ويحتوي على فصل واحد فقط. وفي هذا الفصل يوجد الحديث المزعوم بالسند التالي:

«عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن جابر قال:»

أي: "عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن جابر قال: سألتُ رسول الله ﷺ...".

وقد أثبت المحدثون المشهورون، من خلال فحص المخطوطة وسند الحديث ومتنها، أنها مزورة كليًا. وفيما يلي ملخص لأهم النقاط:

١. السلاطين العثمانيون جمعوا خلال القرون الماضية جميع المخطوطات النادرة في العالم، وهي محفوظة الآن في مكتبات تركيا. وكذلك في الهند، خاصة في مكتبة خدا بخش، توجد نسخ نادرة جدًا من التراث الإسلامي. وفي عهد الاستعمار، جمعت بريطانيا وفرنسا وأوروبا المخطوطات الإسلامية واحتفظت بها في متاحفها. فهل يُعقل أن مخطوطة لا توجد في أي متحف أو مكتبة عالمية تُكتشف في بيت أحد مشايخ الأحمدية الرضوية؟!

خاصة أن الإمام أحمد رضا خان البريلوي (1272 - 1340 هـ / 1856 - 1921 م) كان يعتبر البحث والدراسة من صفات الوهابية. فقد قال:

أهل سنة بحر قوالي وعرس
ديوبندي بحر تصنيفات ودرس
خرج سني بر قبور وخانقاه
خرج نجدي بر علوم ودرس كاه

"أهل السنة بحرٌ في القوالي والعرس؛ والديوبندية بحرٌ في التصنيف والتدريس. أهل السنة يصرفون أموالهم في القبور والخانقاهات؛ والنجديون يصرفونها في العلم والمدارس."
(ديوان سالك لمفتي يار خان، ص 61)

فهل يُعقل أن يحتفظ مثل هذا الشيخ بمخطوطة منذ 500 سنة دون عرضها على العلماء؟!

٢. ادُّعي أن المخطوطة كُتبت سنة 938 هـ، لكن الكاتب لم يذكر من أين أخذها، ولا المخطوطة التي نقل عنها. كما لم يُذكر مكان وجودها خلال 500 سنة بين سنة 938 هـ و1425 هـ. والمهتمون بالمخطوطات الإسلامية يعلمون جيدًا أن هذه علامات واضحة على التزوير.

(٣) الصفحات المخطوطة التي طُبعت في هذا الكتاب تُثبت بوضوح أنها مكتوبة بخط هندي حديث.

(٤) في هذا الكتاب المُزوّر، زُعم أن أول باب في "المصنف" لعبد الرزاق هو "كتاب الإيمان". ولكن علماء الحديث منذ القدم لم يذكروا "كتاب الإيمان" كبداية لمصنف عبد الرزاق، بل ذكروا أن بدايته بـ"كتاب الطهارة".
(انظر: محمد بن خير الإشبيلي (ت ٥٧٥هـ)، الفهرست، بيروت: دار الكتب العلمية، ١٩٩٨م، ص١٠٨)

(٥) لا يوجد في العالم أي كتاب من كتب "المصنفات" يبدأ بـ"كتاب الإيمان". بعد الإمام عبد الرزاق (ت ٢١١هـ)، ألّف عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، أبو بكر بن أبي شيبة (ت ٢٣٥هـ) كتابه الشهير "المصنف"، وقد بدأه بـ"كتاب الطهارة" أيضًا. وتجدر الإشارة إلى أن ترتيب الأبواب والفصول والأحاديث في كلا المصنّفين متقارب جدًا.

(٦) بحسب هذا الكتاب المزوّر، زُعم أن الإمام عبد الرزاق جمع في "كتاب الإيمان" من مصنفه فصلًا واحدًا فقط! فهل يمكن تصور هذا ممن لديه أدنى معرفة بكتب الحديث؟! هل يوجد في العالم كتاب حديث واحد يحتوي "كتاب الإيمان" على فصل واحد فقط؟!

**(٧) كاتب هذه المخطوطة لديه اطلاع على الحديث، لكنه ليس ماهرًا فيه. ففي الحديث الثاني من الكتاب، جاء السند على النحو التالي:
«عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني البراء قال:»
(الحميري، الجزء المفقود، ص ٥٥)

أي: "عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: أخبرني البراء..."
وابن جريج (ت ١٥٠هـ) من التابعين الصغار، ولم يلقَ البراء بن عازب (ت ٧١هـ) أو أي من الصحابة.
فإن قال تابعي عن صحابي: "قال فلان"، دون تصريح بالسماع، يُعد الحديث "منقطعًا". أما إذا قال تابعي تابعين: "قال لي فلان من الصحابة"، فإن هذا يُعد كذبًا بيّنًا. وابن جريج لم يكن كذابًا قطعًا، وإنما كاتب المخطوطة ارتكب هذا الكذب الفاضح إما عن جهل شديد أو بقصد التزوير.

وهناك مثال آخر على هذا الكذب الفاحش في الحديث رقم ٢٤ من نفس الكتاب، حيث ورد السند:
«عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري أنه سمع عقبة بن عامر...»
(الحميري، الجزء المفقود، ص ٨٤)

أي: "عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري، أنه سمع عقبة بن عامر..."
وعقبة بن عامر رضي الله عنه عُيِّن واليًا على مصر سنة ٤٤هـ وتوفي سنة ٦٠هـ.
أما الإمام الزهري، فقد وُلد في المدينة سنة ٥٠هـ أو ٥٨هـ. ومن المعروف أنه لم يسمع من عقبة.
فهذا خطأ صارخ يدل على جهل الكاتب أو تعمّده الكذب والتلفيق.

(ب) كلام الشيخ كمداني والدكتور محمود سعيد

في الصفحتين ٣-٤ من هذا الكتاب المسمى بالمفقود يوجد تقريظ من الدكتور محمود سعيد ممدوح، المحدث المعروف، المواطن المصري والمقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة. في الحقيقة، لم يعرض الشيخ الحميري مخطوطته إلا على اثنين من العلماء فقط: الشيخ أديب كمداني والدكتور محمود سعيد.

الشيخ أديب كمداني محدث سوري ومتخصص في علم المخطوطات، وكان يعمل باحثًا في وزارة الأوقاف بإمارة دبي. في تلك الفترة كان الشيخ الحميري يعمل في نفس الوزارة وكانا صديقين. قال كمداني: "كان الشيخ الحميري شديد الاضطراب في إثبات موضوع نور محمدي من أي نسخة من المصنف، وكان يحدّث الناس جميعًا بهذا الهمّ. ولما رأى أحد مشايخ البريلوية في الهند هذا الاضطراب، جلب له هذه النسخة. فلما حصل عليها، أقام وليمة عظيمة ابتهاجًا بها."

عرض الحميري المخطوطة على كمداني ومحمود سعيد. فنظر كمداني إلى الورق والحبر وأسلوب الخط وقال من النظرة الأولى: "هذه نسخة مزورة، لا يمكن أن يكون عمرها أكثر من سنتين." لكن الحميري لم يكن مستعدًا للاعتراف بذلك. فقال له كمداني: "أرسلها إلى مركز جمعة الماجد للتراث في دبي لتحديد عمرها وموادها ومصدرها." فقال الحميري: "قال لي من أتى بها أنها نُسخت من مكتبة في الاتحاد السوفيتي، ولكن الأصل فُقد في الحرب!" ولما طلب منهم إظهار بقية المصنف، عجزوا عن ذلك!
((محمد زياد التكلة، موسوعة الرد على الصوفية (شاملة 3.5) 6/110-111))

أما الدكتور محمود سعيد ممدوح، فهو محدث مشهور وباحث في الحديث، ويتبع العقيدة الصوفية كصاحبه الحميري، وله موقف معروف من السلفيين والشيخ الألباني. وقد كتب تقريظًا لهذا "الجزء المفقود"، لكنه بعد عامين، أي سنة 2007، سحب تقريظه ونشر مقالًا بعنوان:

(بيان من الشيخ محمود سعيد حول ما طبع باسم الجزء المفقود من مصنف عبد الرزاق)

ذكر فيه أنه يحب ويجل الشيخ الحميري من حيث العقيدة والعمل، لكنه لما عرض عليه المخطوطة شكّ فيها لأمرين:

  1. الورق والحبر حديثان،

  2. لا توجد عليها معلومات الإسناد والسماع والملكية.

أُرسلت النسخة إلى مركز جمعة الماجد، فأجابوا أن عمرها الأقصى 50 إلى 60 عامًا فقط. ومع ذلك، قرر الحميري نشرها، وطلب من محمود سعيد أن يكتب تقريظًا. فكتب التقريظ اعتمادًا فقط على المقدمة دون قراءة المخطوطة كاملة.

وبعد الاطلاع على المزيد من المعلومات، تيقن محمود سعيد من بطلانها. وقال: "على المؤمن أن لا يتمسك بخطأه إذا ظهر له الحق." فسحب تقريظه وأعلن أنه لا علاقة له بالكتاب.

وأضاف أن الحديث المزعوم حول "نور محمدي" لم يذكره أبدًا في تقريظه، لأن مشايخه أحمد الغماري وعبد الله الغماري وغيرهم من كبار المحدثين حكموا عليه بالوضع. وقال إنه لا يرى من اللازم شرح كل حديث في كتاب عند كتابة تقريظ له، ولهذا لم يذكر الحديث هناك.

وختم بقوله:

"وخلاصة القول: إن هذا الكتاب المطبوع بعنوان (الجزء المفقود من مصنف عبد الرزاق) كتاب غير موثوق، ولا يجوز نقله أو ترجمته."
((الدكتور محمود سعيد، الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر، دار البصائر، 1430/2009، ص 727-730))

(٢) محمد بن المنكدر (توفي ١٣٠هـ) من كبار التابعين في النصف الأول من القرن الهجري الثاني. قد روى عنه أكثر من مئة وخمسين تلميذًا، كما ورد في الصحاح الستة وغيرها من الكتب. من بين تلاميذه: الإمام جعفر الصادق، الإمام أبو حنيفة، الإمام مالك، الإمام الأوزاعي، سفيان الثوري، شعبة بن الحجاج، ابن الماجشون، ابن جريج، عمرو بن دينار وغيرهم من الأئمة والمحدثين المعروفين. ولا نجد في كتب الحديث حديثًا صحيحًا واحدًا رواه عنه راوٍ واحد فقط دون أن يرويه غيره من تلاميذه. فلماذا لم يرو هذا الحديث أحد سوى معمر بن راشد؟ هل كان محمد بن المنكدر يكتمه؟ أم أن الإمام أبا حنيفة، والإمام مالك، وسفيان الثوري وغيرهم من تلاميذه سمعوه منه ثم أخفوه؟

(٣) معمر بن راشد (٩٦–١٥٤هـ) تابعي كبير، وقد روى عنه ما يقرب من ٧٥ تلميذًا كما في الكتب المعروفة. ولا يوجد حديث نبوي واحد صحيح رُوي عنه من طريق راوٍ واحد فقط، بل كل أحاديثه رُويت من عدة طرق عن عدة تلاميذ. فكيف يُعقل أن لا يروي هذا الحديث أحد غير عبد الرزاق؟ أكان هدفهم إخفاء مقام النبي ﷺ؟

(٤) الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني (١٢٦–٢١١هـ) من أعظم محدثي القرن الثاني والثالث. وقد روى عنه أكثر من مئة تلميذ، كما يظهر في الكتب المعروفة. ولا نجد حديثًا نبويًا صحيحًا مرفوعًا رُوي عنه من طريق راوٍ واحد فقط. فكيف لم يرو هذا الحديث أحد غير عبد الرزاق؟ هل كان القصد إخفاء مقام النبي ﷺ؟

(٥) كل الأحاديث المرفوعة في مصنف عبد الرزاق موجودة بأسانيد مشابهة أو مختلفة في الصحاح الستة وفي كتب الحديث الأخرى التي أُلِّفت في القرن الثالث والرابع والخامس الهجري. أيها القارئ الكريم، لن تجد حديثًا واحدًا، لا صحيحًا ولا ضعيفًا، في "مصنف عبد الرزاق" لا يوجد في كتب الحديث الأخرى. والسؤال الآن: لماذا لم يرو أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأصحاب الصحاح الستة، وكذلك المحدثون من العصور اللاحقة، أيًّا من أحاديث "نور محمد" التي يُزعم أنها موجودة في "مصنف عبد الرزاق" بإسناد صحيح؟ لماذا لا نجد في كتب الحديث على مدار ألف سنة أي أثر لهذه الأحاديث؟ هل كانوا جميعًا يخفون مقام النبي ﷺ؟

(٦) أحد أبواب صحيح البخاري يُسمى: "كتاب بدء الخلق"، وقد جمع فيه أحاديث عن خلق الحيات والعقارب والذباب والجن والملائكة وغيرها. ومع ذلك، لم يذكر حديثًا واحدًا من "مصنف عبد الرزاق" عن "نور محمد" رغم أنه ذكر نحو ١٥٠ حديثًا من طريق عبد الرزاق. لماذا لم يذكر هذه الأحاديث التي يُقال إنها صحيحة؟

(٧) رُوي عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه)، وعبد الله بن عباس (رضي الله عنه) وغيرهما من الصحابة بأسانيد صحيحة:

"إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَلَمُ"
"أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمُ"

وقد رواها الإمام أحمد، الترمذي، أبو داود وغيرهم من المحدثين. كما ذكرها ابن أبي شيبة في مصنفه ضمن كتاب "الأوائل: أول ما فُعل..."، ولم يذكر هو ولا غيره من المحدثين في أي باب حديثًا عن "نور محمد" كأول مخلوق. لماذا؟ هل كانوا يعظمون القلم أكثر من النبي ﷺ؟

(٨) أيها القارئ الكريم، جميع أبواب وفصول "مصنف عبد الرزاق" موجودة في "مصنف ابن أبي شيبة" وغيرها من كتب الحديث. ولكن لا نجد في أي كتاب منها بابًا باسم "خلق نور محمد ﷺ". ولم نجد في كتب الفقه والعقيدة التي أُلِّفت في الخمسمئة سنة الأولى بابًا أو فصلًا أو حتى إشارة بسيطة إلى "نور محمد". لقد أخذ العلماء الأحاديث من "مصنف عبد الرزاق" واحتجوا بها، فلماذا تجاهلوا هذه الأحاديث المزعومة؟

(٩) فإن كانت هذه "النسخة المفقودة" من المصنف فعلًا من تأليف عبد الرزاق، فيجب القول إن الإمام أحمد وتلاميذ عبد الرزاق وجميع المحدثين والفقهاء والمتكلمين والأولياء أخفوا مقام النبي ﷺ (نعوذ بالله). وإن كنا نعدهم حراسًا أوفياء لشرف النبي ﷺ، فعلينا أن نعتقد جازمًا أن هذا الكتاب موضوع مكذوب. فهل ترى أي تفسير ثالث؟

أيها القارئ الكريم، أي الخيارين أقرب إلى العقل والدين؟ أن نتهم علماء الأمة على مدى ألف سنة بإخفاء مقام النبي ﷺ من أجل تصحيح حديث مكذوب؟ أم نرفض الحديث والموضوع الذي لم يُذكر قط من قبل الأئمة الأربعة، وعلماء القرون الأولى من المحدثين والفقهاء والمتكلمين؟
نسأل الله أن يرزقنا التوفيق للتمسك بالحق دائمًا. آمين.


কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD