المولد النبوي (صلى الله عليه وسلم)
اليوم هو أول جمعة من شهر ربيع الأول في السنة الهجرية. اليوم سنتحدث عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم أو المولد النبوي، إن شاء الله. ولكن قبل ذلك، سنسلط الضوء بإيجاز على المناسبات الوطنية والدولية لهذا الأسبوع.
....................................................................................
اليوم سنناقش بعض الجوانب البسيطة من ولادة وحياة ذلك النبي، الذي كُتبت مكانته في لوح المحفوظ منذ بداية خلق البشرية. وفي الحديث الصحيح، قال عرباض بن سارية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"عندما كان آدم بين الروح والجسد (تم تشكيل جسده ولكن لم تُنفخ فيه الروح بعد)، كنت مكتوبًا عند الله في أم الكتاب كخاتم النبيين. سأخبركم عن بداية ذلك: إنه دعاء أبي إبراهيم عليه السلام، وبشارة عيسى عليه السلام، ورؤية أمي. فلما ولدتني رأت نورًا خرج منها أضاءت له قصور الشام." [ابن حبان، الصحيح ١٤/٣١٣؛ الحاكم، المستدرك ٢/٦٥٦؛ أحمد، المسند ٤/١٢٧-١٢٨؛ الهيثمي، مجمع الزوائد ٨/٢٢٣].
وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه:
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ».
[الترمذي، السنن ٥/٥٨٥، قال الترمذي: حسن صحيح غريب].
لآلاف السنين، تنبأ الأنبياء وانتظر المؤمنون بفارغ الصبر مجيئه. لا يتسع المقام هنا لتفصيل هذه النبوءات، لكني سأذكر بعض الاقتباسات من "الكتاب المقدس" لدى اليهود والنصارى. يتفق الباحثون الغربيون على أن اليهود والنصارى حرفوا التوراة والزبور والإنجيل بالزيادة والنقصان، خاصة النبوءات عن محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك، بقي بعض النبوءات لم يتم تحريفها بالكامل، مثل:
في سفر التكوين (الإصحاح ١٧، الآية ٢٠)، وعد الله إبراهيم عليه السلام بأنه سيجعل من نسل إسماعيل "أمة عظيمة".
وفي سفر التثنية (الإصحاح ١٨، الآية ١٨): «أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ».
وفي التثنية (الإصحاح ٣٣، الآية ٢): «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ».
كانت مكة تُسمى في السابق "فاران". وقد ذُكر في مواضع متعددة من الكتاب المقدس أن إسماعيل عليه السلام سكن في برية فاران. هنا:
"مجيء الرب من سيناء" يشير إلى موسى عليه السلام.
"الظهور من سعير" يشير إلى عيسى عليه السلام.
"والتألق من جبل فاران" يشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث جاء إلى مكة بعشرة آلاف من القديسين (الصحابة) أثناء الفتح، وأعطى البشرية الشريعة النارية (القرآن).
كما أن العرب سُمّوا في الكتاب المقدس بـ"بني قيدار" نسبةً إلى قيدار بن إسماعيل عليه السلام.
وفي سفر إشعياء (الإصحاح 21، الآيات 13-17)، نجد نبوءة عن هجرة الرسول ﷺ، وتوقفه عند أم معبد في تهامة لشرب الماء والحليب، وهزيمة قريش في غزوة بدر خلال عام واحد:
"وحي من جهة بلاد العرب. يا قوافل الدادانيين، في الأدغال العربية تبيتون. هاتوا ماءً لملاقاة العطشان، يا سكان أرض تيماء. وافوا الهاربين بخبزهم، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدود، ومن أمام شدة الحرب. لأنه هكذا قال لي السيد: في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار. وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقلّ."
وفي الأناجيل، ذكر عيسى عليه السلام مرارًا "المعزّي" (باراقليط) الذي سيأتي بعدَه، وهو محمد ﷺ، الشافع، والمؤيد بالروح الحق (الأمين). إلا أن القساوسة حرّفوا هذه النبوءات ليضلوا المسيحيين، بينما النص واضح في الإشارة إلى مجيء النبي محمد ﷺ.
في الإنجيل المنسوب إلى يوحنا (الإصحاح 16، الآيات 7، 12-13)، ورد النص التالي:
"لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي (باراقليط/ بيريكليتوس)، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم... إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، ولكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق (الصادق، الأمين)، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية."
توجد العديد من النبوءات الواضحة المشابهة في الكتاب المقدس. فقد كان القس البروفيسور ديفيد بنجامين أسقفًا أرمنيًا ومتخصصًا في اللاهوت المسيحي، وكان ضليعًا في اليونانية واللاتينية والسريانية والآرامية والعبرية والكلدانية. وفي حوالي عام 1900، اعتنق الإسلام، وألّف كتابًا قيمًا بعنوان "Muhammad in the Bible" (محمد في الكتاب المقدس)، ذكر فيه العديد من هذه النبوءات.
كما أوصي المسلمين بقراءة كتاب "إظهار الحق" للعلامة رحمت الله الكيرانوي، والذي تُرجم إلى البنغالية ونشرته المؤسسة الإسلامية.
انتهى زمن انتظار البشرية، وحان وقت مجيء النبي العظيم ﷺ. فتحقق دعاء إبراهيم عليه السلام بولادة النبي ﷺ في ذرية إسماعيل عليه السلام، في أشرف قبائل العرب (قريش).
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أنه ﷺ وُلد يوم الاثنين. قال أبو قتادة رضي الله عنه: سُئل رسول الله ﷺ عن صوم يوم الاثنين، فقال:
«ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ»
[صحيح مسلم ٢/٨١٩].
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
«وُلِدَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَرَفَعَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ»
[مسند أحمد ٤/١٧٢-١٧٣، رقم ٢٥٠٦].
أما عن سنة مولده ﷺ، فقال قيس بن مخرمة رضي الله عنه:
«وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفِيلِ. وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ: أَأَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلادِ. وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفِيلِ»
[الترمذي، الجامع ٥/٥٥٠، رقم ٣٦١٩].
و"عام الفيل" هو السنة التي هاجم فيها أبرهة الحبشي مكةَ بالفيلة لتدمير الكعبة. ويذكر المؤرخون أنها كانت سنة ٥٧٠ أو ٥٧١ ميلادية.
لم يرد في الأحاديث النبوية الصحيحة تحديد اليوم أو الشهر الدقيق لمولد الرسول ﷺ، ولم يكن بين الصحابة رأي محدد في هذا الأمر. لذلك اختلف العلماء والمؤرخون في العصور اللاحقة على أكثر من 12 رأيًا حول تاريخ ميلاده. ذكر المؤرخون مثل ابن هشام وابن سعد وابن كثير والقَسْطَلاني وغيرهم اختلافات واسعة في الشهر والتاريخ:
في الشهر: ذُكر ثمانية أقوال (مُحَرَّم، صَفَر، ربيع الأول، ربيع الآخر، رجب، رمضان).
في اليوم (لمن قال بربيع الأول): 2، 8، 10، 12، 17، أو 22 من الشهر.
[انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى 1/100-101؛ ابن كثير، البداية والنهاية 2/215؛ القسطلاني، المواهب اللدنية 1/74-75].
وفاته والده: توفي عبد الله بن عبد المطلب قبل ولادته ﷺ بعدة أشهر.
تسميته: سمته أمه "أحمد"، وجده "محمد" (وهو الاسم الأشهر). قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ، فَيَقُولُ:
أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ».
[صحيح مسلم 4/1828].
الاحتفال بالمولد:
مولد النبي ﷺ من أعظم النعم، لكن يجب أن يكون الفرح وفق السنة النبوية وهدي الصحابة، لا بالبدع والمخالفات.
نحن مُخَيَّرون في تناول أي طعام حلال بأي طريقة مباحة، فنحصل على المتعة والفرح والغذاء. لكن إذا أكلنا طعامًا سنيًا بطريقة سُنّية، فسننال بالإضافة إلى ذلك أجرًا وبركة. وكذلك في اللباس: يمكننا ارتداء أي ثوب حلال بأي طريقة مباحة، فنغطي العورة ونحقق الجمال. لكن إذا لبسنا اللباس السني على هَدْي النبي ﷺ، ننال مع الستر والجمال الأجر والبركة.
وبالمثل، فرحنا بمولد الرسول ﷺ: إذا عبرنا عنه وفق سُنَّته وسُنَّة صحابته، ننال أجرًا لا يُحصى وبركات عظيمة. في خطبة شهر صفر، ذكرنا أهمية السُّنَّة، وهي اتباع النبي ﷺ حرفيًا في العبادات. ومن الأحاديث الصحيحة:
«مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ».
وفي زمن الفتن: «مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي، فَلَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا».
فلماذا نترك الطريقة السُّنّية في إحياء المولد ونبتدع طرقًا أخرى؟! ألأننا نستقل أجر السُّنَّة؟ أم نراها غير مناسبة للعصر؟ أليس في هذا انتقاصٌ من قيمة السُّنَّة؟!
الطريقة السُّنّية لإحياء المولد النبوي:
صيام يوم الاثنين:
عَلَّمَنَا الرَّسُولُ ﷺ أَنْ نَشْكُرَ اللهَ بِصَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ:
«ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» (صحيح مسلم).
وَكَذَلِكَ صَامَ مُوسَى ﷺ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ شُكْرًا لِلّهِ عَلَى النِّعَمِ وَالنَّصْرِ.
كثرة الصلاة والسلام عليه ﷺ:
هُوَ أَدْنَى حَقٍّ لَهُ عَلَيْنَا، فَقَدْ ضَحَّى بِحَيَاتِهِ لِإِصْلَاحِ دُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا.
يُسَنُّ ذِكْرُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ (قَائِمًا، قَاعِدًا، مُضْطَجِعًا، بِوُضُوءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ).
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» (صحيح مسلم).
دراسة سيرته ﷺ والعمل بها:
الْفَرَحُ الْحَقِيقِيُّ بِمَوْلِدِهِ يَكُونُ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَتَعْلِيمِهَا.