আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট এ আপনাকে স্বাগতম

সাম্প্রতিক আপডেট

23/03/2025, 05:33:56 AM عربي

الكفر والتكفير

News Image

الكفر والتكفير

الْيَوْمَ هُوَ الْجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ. سَنَنْاقِشُ فِي خُطْبَةِ الْيَوْمِ، بِإِذْنِ اللهِ، مَوْضُوعَ الْكُفْرِ أَوِ الْإِلْحَادِ. وَلَكِنْ قَبْلَ ذَلِكَ، لْنُسَلِّطَ الضَّوْءَ بِاخْتِصَارٍ عَلَى الْأَيَّامِ الْوَطَنِيَّةِ وَالدَّوْلِيَّةِ لِهَذِهِ الْأُسْبُوعِ.

…………………………………………………………………………………………………..

فِي الْخُطَبِ الْقَلِيلَةِ الْمَاضِيَةِ، تَعَلَّمْنَا عَنِ الْإِيمَانِ. نَقِيضُ الْإِيمَانِ أَوِ الِاعْتِقَادِ هُوَ "الْكُفْرُ". مِنْ بَيَانِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ نَعْلَمُ أَنَّ الْكُفْرَ وُلِدَ فِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ مِنَ الْإِيمَانِ نَفْسِهِ، وَفِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ نُشِرَ الْكُفْرُ بِاسْمِ الْإِيمَانِ نَفْسِهِ. فِي الْأَصْلِ، كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ أَتْبَاعًا لِلْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ أَوِ الْوَحْيِ وَلِأَنْبِيَاءِ وَرُسُلِ اللهِ الْمُخْتَارِينَ. وَلَكِنْ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، انْحَرَفُوا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَانْغَمَسُوا فِي الْكُفْرِ. لِهَذَا، يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا حَذِرِينَ جِدًّا وَأَنْ يَاكْسِبُوا مَعْرِفَةً جَيِّدَةً فِي هَذَا الشَّأْنِ.

فِي ضَوْءِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، يَتَجَلَّى الْكُفْرُ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: (١) الْكُفْرُ، (٢) الشِّرْكُ، وَ(٣) النِّفَاقُ. مَعْنَى كَلِمَةِ "الْكُفْرِ" هُوَ التَّغْطِيَةُ أَوِ الْإِبْطَالُ أَوِ الرَّفْضُ. إِنَّ الْإِبْطَالَ أَوِ الشَّكَّ أَوِ التَّرَدُّدَ فِي أَيٍّ مِنْ قَضَايَا الْإِيمَانِ الَّتِي تَعَلَّمْنَاهَا سَابِقًا هُوَ كُفْرٌ. رَبُّوبِيَّةُ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتُهُ، عُبُودِيَّةُ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتُهُ، صِدْقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْلَاقُهُ الطَّاهِرَةُ، شَخْصِيَّتُهُ الْمَعْصُومَةُ، عَالَمِيَّةُ نُبُوَّتِهِ، خَتْمُ النُّبُوَّةِ، وُجُوبُ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ، صِحَّةُ وَكَمَالُ تَعْلِيمِهِ، نُبُوَّةُ أَوْ عِصْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ الْآخَرِينَ، أَيُّ مَوْضُوعٍ مُثْبَتٍ بِشَأْنِ الْآخِرَةِ، أَيُّ مَوْضُوعٍ مُثْبَتٍ بِشَأْنِ الْقَدَرِ، أَوْ رَفْضُ أَوْ إِبْطَالُ أَوْ تَرَدُّدٌ أَوْ شَكٌّ فِي أَيِّ مَوْضُوعٍ مُثْبَتٍ مِنْ مَوَاضِيعِ الْإِيمَانِ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَيُعْتَبَرُ كُفْرًا.

بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، إِيمَانُ الشَّخْصِ بِأَنَّ أَحَدًا غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ نَظِيرُهُ أَوْ نِدُّهُ أَوْ قَابِلٌ لِلْمُقَارَنَةِ مَعَهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ هُوَ رَفْضٌ لِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَتَفَرُّدِهِ. وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْكُفْرِ يُسَمَّى فِي الْإِصْطِلَاحِ الْإِسْلَامِيِّ بِالشِّرْكِ.

رَفْضُ أَوْ إِبْطَالُ أَيِّ حُكْمٍ مُثْبَتٍ بِطَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ غَيْرِ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ هُوَ كُفْرٌ. رَفْضُ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ إِلَخْ، رَفْضُ حُرْمَةِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ إِلَخْ، رَفْضُ أَوْ مُخَالَفَةُ طُرُقِ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّكَعَاتِ وَالْوَقْتِ وَالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ إِلَخْ، هُوَ كُفْرٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَلَكِنَّ إِذَا كَانَ الرَّفْضُ بِسَبَبِ الْجَهْلِ، فَقَدْ يُعْتَبَرُ عُذْرًا. أَمَّا إِذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ أَوْ خِلَافِيَّةٍ، فَلَنْ يُعْتَبَرَ كُفْرًا.

الرِّضَا بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ هُوَ كُفْرٌ. بِالْمِثْلِ، عَدَمُ الرِّضَا بِالْإِسْلَامِ هُوَ كُفْرٌ. مِثْلُ: كَرَاهِيَةِ الْحُكْمِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ، الشُّعُورُ بِالْضَّيَقِ أَوِ الْبُغْضِ نَحْوَ شَيْءٍ مَا مُثْبَتٍ قَطْعًا بِأَنَّهُ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، اعْتِقَادُ أَنَّ بَعْضَ تَعَالِيمِ أَوْ أَوَامِرِ الْإِسْلَامِ قَدِيمَةٌ أَوْ غَيْرُ عَمَلِيَّةٍ أَوْ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ، هُوَ كُفْرٌ. بِالْمِثْلِ، اعْتِقَادُ جَوَازِ عِصْيَانِ أَمْرِ اللهِ هُوَ كُفْرٌ. إِذَا عَصَى الشَّخْصُ أَمْرَ اللهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَنْبٌ وَظُلْمٌ، إِلَّا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَوًى أَوْ إِغْوَاءِ شَيْطَانٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، فَهُوَ يُعْتَبَرُ عَاصِيًا. وَلَكِنْ إِذَا اعْتَقَدَ الشَّخْصُ أَنَّهُ بِسَبَبِ بُلُوغِهِ الْمَعْرِفَةَ ("الْمَعْرِفَةَ") فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ نَفْسَهُ مِنْ شَرِيعَةِ اللهِ أَوْ أَحْكَامِهِ، أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْعَصْرِ لَيْسَ مِنَ الضَّرُورِيِّ اتِّبَاعُ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَنَّ تَوْجِيهًا مُعَيَّنًا مِنَ الْقُرْآنِ لَيْسَ فَعَّالًا بَعْدَ الْآنَ، أَوْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْمُضِيِّ قُدُمًا أَوْ حُكْمٍ أَوْ تَشْرِيعٍ مُخَالِفٍ لِتَوْجِيهَاتِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ هَذَا الشَّخْصَ يُعْتَبَرُ كَافِرًا. حَتَّى وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ سَيُعْتَبَرُ كَافِرًا. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ كَرَاهِيَةَ بَعْضِ أَوَامِرِ اللهِ هُوَ كُفْرٌ. قَالَ تَعَالَى:

"وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" سُورَةُ مُحَمَّدٍ: ٨-٩

وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى:

"وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٤٤

بِالْمِثْلِ، الِاسْتِهْزَاءُ أَوْ السُّخْرِيَةُ بِأَيِّ مَوْضُوعٍ مُثْبَتٍ فِي الْإِسْلَامِ، أَوِ الْجُلُوسُ مَعَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَوْ إِقَامَةُ عَلَاقَاتٍ وَدِّيَّةٍ مَعَهُمْ. قَالَ تَعَالَى:
"وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"[سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ٦٨]

إِقَامَةُ عَلَاقَاتِ مَحَبَّةٍ وَوُدٍّ قَلْبِيَّةٍ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعْ أَشْخَاصٍ أَوْ جَمَاعَاتٍ كَافِرَةٍ أَوْ مُلْحِدَةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ بِصَرَاحَةٍ هُوَ أَيْضًا كُفْرٌ. وَلَكِنْ يُمْكِنُ الْحِفَاظُ عَلَى عَلَاقَاتٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ أَوْ دَوْلَتِيَّةٍ أَوْ دِبْلُومَاسِيَّةٍ مَعَهُمْ. قَدْ ذُكِرَ هَذَا الْمَوْضُوعُ مِرَارًا فِي الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ:
"لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً"[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٢٨]

الشَّخْصُ الَّذِي هُوَ مُتَابِعٌ لِحِزْبٍ سِيَاسِيٍّ لَا يَسْتَطِيعُ أَبَدًا إِقَامَةُ صَدَاقَةٍ صَادِقَةٍ مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَنْتَقِدُونَ حِزْبَهُ أَوْ قَائِدَ حِزْبِهِ. حَتَّى وَإِنِ اخْتَلَطَ بِهِمُ اجْتِمَاعِيًّا، فَسَتَبْقَى هُنَاكَ مَسَافَةٌ فِي قَلْبِهِ. أَلَيْسَ دِينُكَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَيْدِيُولُوجِيَةِ السِّيَاسِيَّةِ؟ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِكَ نُفُورٌ وَأَلَمٌ نَحْوَ مَنْ يُنْكِرُ أَوْ يَسْخَرُ مِنْ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أَوْ رَسُولِهِ الْعَظِيمِ أَوْ أَيٍّ مِنْ تَعَالِيمِهِ الْمُثْبَتَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ رَاضٍ عَنْ كُفْرِهِ. لَا يُؤْلِمُكَ إِهَانَةُ رَبِّكَ أَوْ نَبِيِّكَ. أَتَزْعُمُ بَعْدَ هَذَا أَنَّكَ مُؤْمِنٌ؟

اعْتِقَادُ أَنَّ أَحَدًا يُمْكِنُهُ نَيْلُ النَّجَاةِ، أَوْ كَسْبُ رِضَا اللهِ، أَوْ دُخُولُ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ بِاتِّبَاعِ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ كُفْرٌ. قَالَ تَعَالَى:
"إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ"[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ١٩]

وَقَالَ تَعَالَى:
"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٨٥]

الإسلام هو أول من اعترف بحق التعايش السلمي بين أتباع جميع الأديان. بينما في التوراة والإنجيل أُمِر اليهود والنصارى بقتل أتباع الديانات الأخرى بلا تمييز، وبأن يدعوهم إلى دعوتهم خديعةً ثم يقتلوهم، وبأن يهدموا معابدهم. كما أُطلق على الشعوب الأخرى أوصاف مثل الكلاب والخنازير، ولُعنوا بأقبح الألفاظ. [الكتاب المقدس: المزامير 149/6-9، التثنية 20/13-16، الخروج 22/20، 23/23-24، 34/12-14، صموئيل الأول 27/8-9، صموئيل الثاني 12/29-31، الملوك الأول 14/8، 18/40، الملوك الثاني 10/18-28، متى 7/6، 15/22-26].
أما في الديانة الهندوسية فقد وُصف أتباع الأديان الأخرى بلفظ "يَونَة" و"مليتشه"، وجُعلوا من المنبوذين، حتى حُرِّم لمس ظلهم.

وعلى النقيض من ذلك، فقد أمر الإسلام بحسن معاملة أتباع جميع الأديان الأخرى، ونهى عن سبِّهم أو سبِّ معبوداتهم، وأمر بالتحدث معهم بالكلام المحترم، وأمر بإعطائهم جميع حقوقهم الاجتماعية والمدنية. لقد عاش غير المسلمين في جميع العصور في البلاد الإسلامية بحقوق كاملة وبسلام. بينما في أوروبا ظل اليهود يتعرضون للظلم في الدول المسيحية في العصور الوسطى وحتى الحرب العالمية الثانية، حيث سُنَّت القوانين لمصادرة أموالهم. ولم ينعم اليهود بحقوق مدنية كاملة في أوروبا إلا في الأندلس الإسلامية وتركيا الإسلامية. وهذه الحقائق ثابتة في "الموسوعة اليهودية" وسائر الموسوعات وكتب التاريخ.

لكن الاعتراف بالوجود شيء، والاعتراف بصحة العقيدة شيء آخر. فالإيمان بأن اتباع أي دين غير الإسلام يؤدي إلى النجاة، أو أن جميع الأديان صحيحة، يعني في الحقيقة الإيمان بصحة الكفر وإنكارًا للآيات الصريحة من القرآن.

ومن أنواع الكفر: كفر النفاق. وكلمة "نفاق" في العربية تعني الكذب والكتمان (Hypocrisy). وأصلها في اللغة: الإنفاق، والإخفاء، والإبهام، وما شابه ذلك. [ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 5/454-455]. والذي يمارس النفاق يُسمَّى منافقًا. وفي الاصطلاح الإسلامي النفاق نوعان: (1) نفاق اعتقادي، (2) نفاق عملي.
فإخفاء الكفر في القلب وإظهار الإيمان باللسان هو "النفاق الاعتقادي"، وهو نوع من الكفر؛ لأن المنافق يحمل في قلبه نفس الكفر الذي يحمله سائر الكفار، وإن ادَّعى الإيمان لمصلحة دنيوية. وربما آمن في البداية تقليدًا، ثم دخل الشك والكفر إلى قلبه، لكنه مع ذلك يدّعي الإيمان لمصلحة دنيوية.
وعن هؤلاء قال الله تعالى:

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴿المنافقون: 3﴾

المرحلة الثانية من النفاق هي نفاق العمل، أي الأفعال التي لا تصدر إلا عن المنافقين أو التي تليق بهم. وفي وصف هذا النفاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث:

«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»[البخاري 1/21، 3/1160؛ مسلم 1/78].

ومن أعظم أنواع الكفر: الشرك، أي جعل أحدٍ شريكًا لله في شيء من ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته. وقد جاء في القرآن والسنة مرارًا وتكرارًا أن الكفر والشرك هما أعظم الذنوب. وهناك أربع خصائص تميز ذنب الكفر والشرك عن سائر الكبائر:

أولاً: الكفر والشرك هما أعظم الذنوب وأخطر الكبائر، وقد تكرر ذكر ذلك في القرآن والسنة.

ثانيًا: جميع الذنوب الأخرى قد يغفرها الله تعالى إما بالتوبة أو بفضل الحسنات أو بكرمه، أما الشرك فلا يغفره أبدًا إلا بالتوبة الخالصة والدخول في الإيمان الصحيح. قال الله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾[النساء: 48].

ثالثًا: الكفر والشرك يحبطان جميع الأعمال الصالحة. قال الله تعالى:

﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الزمر: 65].

وقال تعالى:

﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[المائدة: 5].

رابعًا: مرتكب الكبائر غير الشرك إذا مات بلا توبة، فله أمل في دخول الجنة بعد العقوبة في النار، أو برحمة الله، أو بالشفاعة. أما من مات على الشرك والكفر، فلا أمل له أبدًا في الجنة، ولا شفاعة له. قال الله تعالى:

﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾[المائدة: 72].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل:

«مَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً»[مسلم 4/2068].

واعلموا أن الحكم على الفعل بأنه كفر أو شرك أو نفاق، شيء، والحكم على الشخص بأنه كافر أو مشرك أو منافق، شيء آخر. فتكفير المسلم الذي يزعم الإسلام أمر خطير، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك. فقد ورد في أحاديث متواترة المعنى، عن ابن عمر وأبي هريرة وأبي ذر وأبي سعيد وغيرهم رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ»[البخاري 5/2263-2264؛ مسلم 1/79].

فلذلك يجب علينا أن نكون غاية في الحذر في تكفير أي مسلم. بل الواجب أن نبحث عن الأعذار ونلتمس له التأويل، وأن نحرص على وصفه بالإسلام ما دام يعلن الشهادة. فالمؤمن يجب أن يكون حذرًا أشد الحذر على إيمانه، فيجتنب كل صور الكفر والشرك والنفاق، أما بالنسبة لغيره فعليه أن يحكم بظاهر الإسلام ويترك السرائر إلى الله. والخطأ في اعتبار كافرٍ مسلمًا أهون بكثير من الخطأ في اعتبار مسلمٍ كافرًا، لأن الأول لا يضر، أما الثاني ففيه خطر عظيم ووزر كبير.

والإيمان والكفر في حقيقتهما أمران قلبيان يُعرفان بالقول أو الإقرار، وأما الأعمال فهي دلائل على ذلك. فلا يجوز الحكم على شخص بالكفر أو الإيمان من مجرد العمل الظاهر، حتى نعلم ما وراءه من الاعتقاد.

وعلى سبيل المثال: مصاحبة الكفار أو التحاكم إلى غير شرع الله منكر عظيم، لكن إن صدر من مسلم فلا يُكفَّر به حتى يتبين اعتقاده، فقد يكون ذلك عن جهل أو مصلحة دنيوية، فيكون آثمًا لا كافرًا. أما إذا صرّح بأنه يرى جميع الأديان حقًا، أو أن بعض أحكام الإسلام لم تعد صالحة، فهذا كفر صريح. ومع ذلك لا يُحكم عليه بالكفر إلا بعد البيان بالحجة من القرآن والسنة.

وكثيرًا ما يُكفَّر المسلمون بسبب آرائهم السياسية أو الاقتصادية المعاصرة، وهذا خطر عظيم. فقد تحتوي بعض تلك المناهج على الكفر، لكن يجب أن نظن بالمسلم خيرًا، وأنه لم يعتقد الكفر عمدًا، بل نلتمس له العذر. وإن استُفسر عن رأيه فالأمر بما يوضحه. والخطورة في التسرع بتكفير الأشخاص عظيمة، أما وصف الأفعال بأنها معصية أو كفر أو شرك بحسب القرآن والسنة فذلك أيسر وأهون.

نسأل الله أن يحفظ إيماننا من كل كفر وشرك ونفاق. آمين.

[د. خندكار عبد الله جاهنغير، خطبات الإسلام، ص 103–110].


কপিরাইট স্বত্ব © ২০২৫ আস-সুন্নাহ ট্রাস্ট - সর্ব স্বত্ব সংরক্ষিত| Design & Developed By Biz IT BD