الإيمان بالتوحيد (4)
لا انفصام لأنواع التوحيد
د. خوندكر عبد الله جهانغير
أستاذ، قسم الحديث، الجامعة الإسلامية، كوشتيا
رئيس، مؤسسة السنة
توحيد المرحلتين لا ينفصل
هاتان المرحلتان من التوحيد مكملتان لبعضهما البعض ومترابطتان بشكل لا ينفصم. لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى أو الإيمان بإحداهما دون الأخرى ليصبح المرء مسلماً. ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن في الشهادتين أو إعلان الإيمان، تم التأكيد على المرحلة الأخيرة من التوحيد، وهي "توحيد الألوهية" بقول "لا إله إلا الله".
لم يتم الأمر في إعلان الإيمان بالشهادة على المرحلة الأولى من التوحيد. ففي كلمة التوحيد لم يقل "لا خالق إلا الله"، أو "لا رازق إلا الله"، أو "لا مالك إلا الله"، أو "لا رب إلا الله"، أو ما شابه ذلك. بل تم الأمر بالشهادة بأنه "لا إله إلا الله".
هناك سببان لهذا:
توحيد العبادة هو ثمرة ومطلب توحيد الربوبية.
في توحيد العبادة يكمن خلاف وإنكار الكفار.
مطلب توحيد الربوبية هو توحيد العبادة
السبب الأول هو أن المرحلة الثانية من التوحيد، أي توحيد العبادة (توحيد الألوهية)، هي ثمرة ونتيجة المرحلة الأولى من التوحيد، أي توحيد المعرفة. بما أن الله هو الخالق الوحيد، الرازق، محيي الموتى، مدبر الأمور، والقادر على كل شيء، فلا بد أن تكون العبادة له وحده. بما أن كل القدرة بيده، فإن عبادة غيره هي أمر باطل وجريمة عظيمة.
ولهذا، في القرآن الكريم، ذكر الله تعالى مراراً وتكراراً وحدانية الخلق والربوبية، ودعا إلى عبادته وحده. على سبيل المثال:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
(سورة البقرة: 21-22)
وفي آيات أخرى:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾
(سورة غافر: 60)
وهكذا نرى أن توحيد العبادة هو التعبير الطبيعي ونتيجة لتوحيد المعرفة. فمن كان هو الخالق والرازق الوحيد، فلا بد أن تكون العبادة له وحده. وإذا عُبد غيره، فإن الإيمان بأنه الخالق الوحيد يصبح بلا معنى.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
(سورة الأحقاف: 13)
كان الكفار يعترفون ويقولون "ربنا الله"، لكنهم عبدوا معه غيره، فكان إيمانهم باطلاً.