الإيمان بالتقدير أو قضاء الله (الحلقة-٣)

الإيمان بالقدر الإسلامي والاعتقاد بالقدر غير الإسلامي، كثيرون يخلطون بينهما. يعتقد البعض أنه إذا كان كل شيء سيحدث وفقًا للقدر، فما الحاجة إلى العمل؟ هذا اعتقاد مخالف تمامًا للإسلام. في القرآن الكريم نرى أن كفار مكة كانوا يؤمنون بهذا النوع من الاعتقاد.

الذي يجادل في القدر وينقطع عن العمل بحجة القدر، فإنه في الحقيقة يعين نفسه مشرفًا وقاضيًا على أفعال الله. يريد أن يقول: العمل ليس مسؤوليتي. مهمتي هي الحكم على علم الله وأفعاله! لماذا علم الله بذلك أو فعله؟!

أما المؤمن فيؤمن بكل قلبه أن الحكم على أفعال الخالق ليس من عمل الإنسان أو مسؤوليته. ما يعلمه، ما كتبه، كيف كتبه، ما يمحوه وما يتركه — لم يخبر الإنسان بشيء من ذلك. لأن معرفة هذه الأمور لن تفيد الإنسان. كل هذه من رحمة الله وعنايته. مهمة الإنسان هي العمل وفقًا لأمر الله مع الثقة الكاملة في رحمته وحبه وعدله، دون قلق أو توتر بشأن النتائج.

الإيمان بالقدر في الإسلام يجعل المسلم نشيطًا، ولا يجعله كسولًا أبدًا. الإيمان بالقدر يحرر الإنسان من كل اليأس والاكتئاب والقلق. المؤمن الذي يؤمن بالقدر يعلم أن مسؤوليته هي العمل، أما القلق بشأن النتائج فهو لا معنى له في حياته. لأن النتائج بيد من يحبه أكثر مما يحب نفسه، ويعلم ما هو خير له، وهو الرحمن الرحيم، الذي لا يظلم أحدًا، والذي يكافئ عباده أكثر مما يستحقون. لذلك قلب المؤمن الحقيقي دائمًا خالٍ من القلق والتوتر.

الإيمان بالقدر يحمي الإنسان من الكبرياء والفرح المفرط واليأس. لا يتكبر عند النجاح أو النعمة، لأنه يعلم أن نجاحه جاء بمشيئة الله ورحمته. يمتلئ قلبه بالامتنان. الفرق بين القلب الشاكر والقلب المتكبر هو الفرق بين القلب الإنساني والقلب الحيواني.

أما المؤمن فلا ييأس عند الفشل أو الهزيمة. فهو يؤمن أنه حصل على النتيجة وفقًا لمشيئة الله وعلمه. ولو شاء الله الرحيم الرحمن لتغيرت النتيجة. ولا شك أن فيها خيرًا. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد في حياة المؤمن ما يسمى بالفشل أو الهزيمة. لأنه يعلم أنه حتى لو فشل في النتائج الدنيوية، فإن جهوده وعمله وصبره له أجر عظيم عند الله. وسينال ذلك بركة في الدنيا وثوابًا في الآخرة.

يتبع...